1362316
1362316
عمان اليوم

في ذكرى مولده عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام

09 نوفمبر 2019
09 نوفمبر 2019

الحوسني: اتباع تعاليم النبي محمد وسيرته.. من أنجح الوسائل للخروج من المشكلات المعاصرة -

أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -

تمر على المسلمين في هذه الأيام ذكرى عزيزة غالية على كل مسلم ومسلمة وهي ذكرى مولد خير البرية محمد -صلى الله عليه وسلم- وحري بالمسلم أن يقف مع هذه المناسبة الغالية وأن ينتفع منها زادا فيه الفوائد والمنافع؛ كما قال القائل: من لم تزده عبرا أيامه كان العمى أولى به من الهدى.

وحول هذه الذكرى كان معنا لقاءان أولهما بالدكتور صالح بن سعيد الحوسني مدير دائرة الحج بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية الذي تحدث عن سر بعثة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم من الجزيرة العربية بقوله: يمكن للناظر أن يستجلي بعض الحكم ويبقى أن الله حكيم في أمره فهو لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، ومن ذلك أن الجزيرة العربية كانت هادئة وبعيدة عما كان يقع في البلاد الأخرى من مظاهر الترف والخلافات الفكرية والفلسفية ومظاهر الانحلال والانحطاط الخلقي فهو كما يصفهم أحد الباحثين بالمادة الخام التي لم تنصهر في قالب معين، بجانب ما كان عندهم من بعض القيم الإنسانية التي تحتاج إلى بعض التوجيه فهم أقرب إلى الفطرة من غيرهم من الشعوب؛ وقد وصفهم الله بقوله بأنهم كانوا في ضلال مبين، ولعل ما يمكن أن يقال بأن انحراف الأمم الأخرى كانوا على علم وبينة وتخطيط وفكر أما أمة العرب فقد كانت أمة جاهلة أقرب إلى الجهل البسيط منه إلى المركب، وعلى هذا فهم أطوع للإصلاح والتوجيه في الغالب أكثر من غيرهم.

وثمة أمر مهم في هذه القضية وهو موقع البيت الحرام الذي هو أول بيت وضع للناس للعبادة والشعائر المقدسة، فقد كانت فيه دعوة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام الذي هو ممهد لظهور هذه الدعوة المباركة، كما قال تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام: (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم)، ويضاف إلى ذلك الموقع الجغرافي لجزيرة العرب فهي وسط بين القارات الثلاث، بل وجد من خلال الدراسات أن الكعبة المشرفة هي مركز الأرض وهذا الموقع المتميز له دوره الكبير في التواصل مع جميع الأمم والشعوب لأن هذه الدعوة هي لجميع البشر كما قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

وعن اختيار اللغة العربية التي هي الوعاء للقرآن الكريم دون بقية اللغات يوضح الحوسني: اقتضت الحكمة الربانية أن تكون العربية هي لغة القرآن الكريم، وأن تكون الوسيلة الوحيدة لتلاوة كلام الله عز وجل ولعل ذلك يعود لجملة كبيرة من الخصائص التي قد لا توجد في بقية اللغات من ناحية كثرة المفردات والخصائص البلاغية والتركيبية للكلمات فكانت بحق هي الأجدر بذلك، ومن هنا لا بد وأن تلقى العناية المناسبة من المسلمين عموما ومن أهلها خصوصا وصدق حافظ إبراهيم حين قال:

أنا البحر في أحشائه الدر كامن

فهل سألوا الغواص عن صدفاتي

وسعت كتاب الله لفظا وغاية

وما ضقت عن آي به وعظات

أما الأوضاع السائدة التي كانت قبل مبعث النبي الخاتم صلوات الله عليه فيقول: يتفق المؤرخون أن أسوأ فترة مرت بالبشرية هي تلك الفترة التي سبقت ميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان العالم متصدرا بدولتي فارس والروم فأما دولة الفرس ففيها من الأوهام والخرافات الشيء العجيب وانتشرت الزرادشتية والتي تجيز نكاح المحارم حتى أن أحد ملوكهم تزوج بأخته، وهناك مذهب آخر يسمى المزدكية والتي تنادي بإباحة النساء والأموال بجانب حياة الانحلال والتفسخ والظلم.

وإما الرومان فقد انتشرت فيها الخلافات الفلسفية المقيتة، وكان الظلم والإقطاع والانحلال قد بلغ مبلغا عظيما، وكذا الحال في بقية المناطق الأخرى فقد كانت اليونان تسبح في الخرافات والأوهام الكلامية، وكذا الحال إذا اتجهنا جهة الشرق إلى الهند فقد كانت في أسوء فتراتها وتعاني من الظلم والطبقية والانحلال وأما جزيرة العرب فقد كانت سادرة في ظلمات الجهالة والانحطاط وأخذ العرب يعبدون الأصنام ويأكلون الميتة ويقع بينهم النهب والسلب وقطع الطريق وإتيان الفواحش وشرب المنكرات، وصدق القائل إذ يقول:

أتيت والناس فوضى لا تمر بهم

إلا على صنم قد هام في صنم

والأرض مملوءة جورا مسخرة

لكل طاغية في الخلق محتكم

فحاكم الفرس يطغى في رعيته

وعاهل الروم من كبر أصم عمي.

وعن دلالة مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتيما يشير الحوسني: ولد النبي الخاتم يتيم الأب ولحقت أمه بأبيه بعد سنوات قليلة، ولعل الحكمة من ذلك هي أن يندفع قول المبطلين المشككين الذي يدّعون أن التربية الأسرية لها دخل فيما جاء به من الدعوة والقرآن فنشأ النبي في بادية بني سعد ثم ينتقل من حضانة جده إلى كفالة عمه أبي طالب الذي لم يؤمن بدعوته لتكون العناية الربانية هي التي تتولى تربيته وتدريبه لمهمة الرسالة العظيمة كما قال تعالى: (ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى).

نشأ الرسول الكريم على حياة الجد والكفاح منذ نعومة أظفاره.. ما دلالة ذلك على مهمته العظيمة؟

نشأ الرسول الكريم على حياة العزة والكرامة منذ صغره بعيدا عن اليد الحنون التي تمعن في تدليله، فقد رعى الغنم لأهل مكة على قراريط كما جاء في كتب السيرة، وذلك درس لكل الأبناء والشباب إلى ضرورة نبذ حياة الترف والكسل واعتماد حياة الجد والعمل منهجا ودستورا للحياة، فلو شاءت إرادة الله تعالى أن ينشأ رسوله حياة باذخة ميسورة لكان، ولكن الله تعالى يريد لأفضل خلقه حياة الكرامة وليكون صنيعه قدوة لكل الشباب في الانخراط في الأعمال النافعة وترك حياة الرفاهية والبذخ التي لا تثمر إلا الخور والبلادة والضعف.

وصف الرسول بأنه صاحب خلق عظيم، ما مكانة هذه الصفة في العالم اليوم ؟

الأخلاق هي أساس رقي الفرد والمجتمع، وإن أفلس الناس من هذا الجانب فإن ذلك معناه انهيارا للمجتمع كما قال القائل: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا، وما نشاهده من تراجع للقيم والأخلاق في تعاملات الناس وأحاديثهم يستدعي مراجعة فاحصة لهدي النبي الكريم وخلقه العظيم فالله قد وصف خلقه بأنه عظيم وأمر الناس بالتأسي به فإن الإعراض عن خلق النبي هو تخلف ورجعية وانحطاط.

السنة النبوية حكمة ورشاد

أما اللقاء الثاني فكان مع محمد بن زهران الرواحي - باحث شؤون إسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية وكان حول كيفية تحصين أنفسنا من الفتن والمشاكل المتتالية التي تحيط بنا من كل جانب: الآية القرآنية التي قال الله عز وجل فيها: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا»، فيها من التعاليم، وفيها من الحكمة والرشاد ما يعجز الإنسان عن وصفه، ولعل سائلا يسأل كيف ذلك؟ وهو سؤال في محله، ولجوابه أقول وبالله التوفيق: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة في هذه الحياة، ولذا اتباع تعاليمه، والسير على سيرته هو الفلاح بعينه، وهو الخروج من كل مأزق، والحل لكل مشكل.

إننا نجد في هذا العالم الكثير من المشكلات، والخروج من هذه المشكلات هو اتباع تعاليم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسيرته التي لا مثيل لها، ولعل سائلا يسأل: لم كان ذلك؟، وهو سؤال في محله، ولجوابه أقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، قال الله عز وجل: «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين.»، ولما كان كذلك وجب اتباع تعاليمه -صلى الله عليه وسلم- لأن فيها الرشاد لهذه الأمة، ولأنه -صلى الله عليه وسلم- مبعوث من الله عز وجل الخالق الملك الحق المبين، فالله سبحانه و تعالى هو الذي أوحى إليه، وأمره بإبلاغ ما أوحى إليه إلى العالمين، فلذا كان ما يبعثه الخالق عز وجل هو الخير للمخلوقين، وهو السلامة للعالمين. الله أكبر.

ولنضرب لذلك مثلا: ألا يضع الناس لأنفسهم قوانين تحدد مسارهم في هذه الحياة، فمثلا: هناك طرق للسيارات، وطرق للقطارات، ومدارج للمطارات، وهكذا سائر الأمور التي وضعها الإنسان لنفسه، وهي معروفة لكل إنسان يعيش على هذه الأرض -لا أستطيع حصرها هنا- فلم وضع الإنسان لنفسه ذلك؟ والجواب معروف: كي ينظم حياته، ويسير بشكل صحيح، فإذا كان هذا فعل الإنسان لنفسه، فما بالك بخالق الإنسان؟ أيتركه من غير دليل يمشي إليه، وطريق يبصر به؟ كلا ورب الكعبة، لا يكون ذلك أبدا، وما كان أن يكون ذلك أبدا، وحاشا لله أن يترك عباده من غير دليل يمشون به، وطريق صحيح يبصرون به، وهذا الدليل هو القرآن الكريم، والطريق الصحيح هو طريق سيدنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الله أكبر.

وإذا قيل: لم ذلك؟ قلت: لأن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، قال الله تعالى: «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين»، فلذا ما جاء به من عند الله عز وجل هو الخاتم، ألا وهو كتابه العزيز: القرآن الكريم. الله أكبر.

إن هذا المثال الذي ضربته، حجة لجميع خلق الله عز وجل، ولا يجادل به إلا مكابر أو جاحد أو مستهتر والعياذ بالله.

هي المخرج

وقال الرواحي: إن الناظر إلى سيرته -صلى الله عليه وسلم- النيرة، يجد كيف كافح النبي -صلى الله عليه وسلم- -إن صحت الكلمة- حتى وصلت رسالته آفاق الأرض، وهنا سؤال يطرح: هل كان بمقدور النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تصل دعوته آفاق الأرض دون تأييد ونصر من الله عز وجل؟، والجواب: لا شك أن ذلك ما كان ليكون لولا تأييد ونصر من عند الله عز وجل، وفي القرآن الكريم ما يدل على ذلك، فمثلا: عند طريق هجرته -صلى الله عليه وسلم- هو وصاحبه الصديق، قال الله عز وجل واصفا ذلك: «إلا تنصروه فقد نصره الله إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم.»، فانظر في هذا النصر العظيم، أليس هذا تأييدا عظيما من عند الله عز وجل، بلا وربي، إنه لتأييد عظيم جدا، الله أكبر، وانظر إلى التأييد الآخر، إنه في غزوة بدر الكبرى، يقول الله عز وجل: «إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين.»، فانظر إلى هذا التأييد العظيم، إنه تأييد ما بعده تأييد. الله أكبر. ثلة قليلة تهزم جمعا كبيرا يفوقها عدة وعتادا، إنه نصر الله عز وجل، وهكذا كل ما جاء في القرآن الكريم من تأييد الله عز وجل لنبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

إن الناظر في هذه الأمثلة ليدعونا للتأمل كثيرا، كيف هو حال المسلمين اليوم؟، إن حال المسلمين اليوم لا يخفى على أحد، فبعدما كانت خلافة إسلامية، أصبح المسلمون اليوم دويلات، وأصبح هناك قتالا بين المسلمين، كما أن المصيبة الكبرى هو احتلال اليهود لفلسطين، موقع المسجد الأقصى المبارك، بمساعدة من بريطانيا كما هو معلوم.

فإذا، ما المخرج من كل ذلك؟، الإجابة معلومة لدى كل أحد، العدو قبل الصديق، ألا وهو الرجوع إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه المرسل -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به أو قال: ما إن اعتصمتم به، لن تضلوا أبدا: كتاب الله.»، وفي رواية: «كتاب الله وسنة نبيه.»، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.

انظر إلى ذلك النصر العظيم في غزوة بدر الكبرى، هل كان بقوة عدد المسلمين أو عدتهم؟ لا، وإنما كان بتأييد من الله عز وجل، بملائكته الكرام، كما سبق بيانه، إذا، إذا أراد المسلمون النصر من عند الله عز وجل فعليهم أولا أن ينصروا الله عز وجل، وذلك باتباع ما أتى به الله عز وجل، فقد قال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.»، فنصر الله تعالى لا يأتي والناس بعيدون عن منهج الله عز وجل، هذه سنة الله، وسنة الله لا تتبدل، ولا تتغير أبد الدهر.

إن اتباع النهج الذي سار به النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يقود هذه الأمة إلى الرقي والمجد والسؤدد، النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أتى بشيء يصعب على الناس اتباعه، وإنما هو سهل ويسير، ألم يقل الله عز وجل: «ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر.»، فقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- على الحنيفية السمحة، النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث ليتمم مكارم الأخلاق، كما قال -صلى الله عليه وسلم- ذلك عن نفسه، وأعلى مكارم الأخلاق هو التوحيد، فكيف تكون هناك أخلاقا إذا كان هناك من يعبدون غير الله، ويلتجئون إلى غير الله، ويستعينون بغير الله، وكيف تكون هناك أخلاقا إذا كان هناك ظلما بين الناس، وهتكا للأعراض، وسلبا لحقوق الناس، واستعلاء للقوي على الضعيف، والغني على الفقير، فجاء الإسلام الحنيف، بمجيء خير البرية سيدنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فحرر الناس من العبودية، ورد الحقوق لأصحابها، وأذهل العالم بعدالة الإسلام، وسماحته، ويسره، فحري بهذه الأمة، أفرادا وجماعات ومجتمعات ودولا، أن تحذو حذو النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعاملاته، وتعاليمه، وفي كل ما أتى به من هدي ورشاد وحكمة، لأن ما أتى به شرع من عند الله عز وجل الخالق، والخالق عز وجل يعلم مصلحة عباده، أين تكون؟، وفيم تكون؟، وإلى أين تكون؟. الله أكبر.

إذا كان الأبوان يربيان أولادهما منذ الصغر، ويوجهانهم نحو الطريق الصحيح، ويخافان عليهم من الوقوع من أي شيء، أو ما شابه ذلك، فهل يعقل أن يترك الله عز وجل عباده من غير شيء يستندون إليه، ومن غير مبصر يبصرون به؟، هذا يستحيل على الله، فالله الخالق عز وجل -رب العالمين- وضع للناس منهجا يسيرون إليه، وطريقا يتبعونه، وهذا النهج هو الإسلام، وهذا الطريق هو القرآن الكريم، خاتم كتب الله المنزلة من عنده سبحانه و تعالى. فلنتساءل: لماذا كثرت الفتن في هذا العصر؟، ولماذا كثرت الجرائم المختلفة في هذا العصر؟، إن هذا بسبب بعد الناس عن منهج الله عز وجل، وبسبب بعدهم عن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبسبب بعدهم عن كتاب الله عز وجل، الذي وصفه رب العزة والجلال بقوله سبحانه وتعالى: «وإنه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.»، ووصفه كذلك سبحانه وتعالى: «ما فرطنا في الكتاب من شيء.»، ووصفه كذلك عز وجل بقوله: «ذلك الكتاب لا ريب فيه»، إن هذه الآيات الكريمة تدعو المؤمن، وتدعو الإنسان للتفكر والتدبر فيها، فإذا كان كتاب الله عز وجل وصفه الله عز وجل بهذه الأوصاف، فلا بد أن فيه الخير والرشاد والهدى لهذه الأمة، ولبني الإنسان أجمعين، بل لكل ذرة من ذرات هذا الوجود، وبالمقابل فمن أعرض عنه، فإن عليه أن ينتظر ما سيؤول إليه إعراضه عنه، فقد قال الله تعالى وقوله الحق المبين: «ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا. ونحشره يوم القيامة أعمى.»، إذا هذا هو المآل الذي ينتظر المعرض عن القرآن الكريم والعياذ بالله. معيشة ضنكا، معيشة متعبة، فيها من المشقة ما فيها، ومن التعب والنصب ما فيها.

جمال حقيقي

ويبيّن الرواحي: إن سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، سيرة يحتذى بها، ويقتدى بها، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وحيدا في مكة المكرمة، فلما بعث بالرسالة، دعا الناس إليها كما أمره ربه عز وجل، فبلغ الرسالة، وما هي الرسالة؟، الرسالة هي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، هذه هي الرسالة، فآمن به -صلى الله عليه وسلم- من آمن، وبعدما مكث عشر سنوات في مكة المكرمة انتقل إلى المدينة المنورة، مهاجرا إليها، غير راغب في ذلك، كما جاء في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله: «فوالله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت.»، فبعدما انتقل إلى المدينة المنورة مهاجرا إليها، كون دولة إسلامية، فيها كل مقومات الحياة، وعاش الناس بأمن وأمان في ظل تلك الدولة. إن هذا يدعونا إلى التأمل كثيرا، وذلك يتمثل في الإصرار إلى بلوغ الهدف، فمهما كانت هناك متاعب أو صعوبات فإن الوصول إلى ما يبتغيه إليه الإنسان هو الدافع والحافز إلى بلوغ مناه، ودعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- ليست دعوة شخصية، وإنما هي دعوة عالمية، بأمر من الله عز وجل، فبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوة ربه إلى العالمين، فانتشرت وبلغت الآفاق، وعندما يعلم المسلم ما كابده النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته، وفي سبيل دعوته إلى الله عز وجل، يستخلص منها العبر والعظات، فيعلم أن الاستمساك بالهدي النبوي لا مناص منه ولا مفر، وأن من أراد النجاة في الدنيا، والسعادة في الآخرة، فعليه الاستمساك بالهدي النبوي الشريف، والعض على نواجذه، والسير على منهاجه، يسلم من حر الدنيا، ونار الآخرة، إن دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصلت بعدما كابد النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كابد، لذا لن يسلم أحد من عذاب الله تعالى، إلا عندما يستمسك بما أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- من دعوة حقة، يعلمها العدو قبل الصديق، ألم يكن في المدينة المنورة يهود، وكانوا ينتظرون نبيا، فلما علموا بمبعثه -صلى الله عليه وسلم-، آمن من آمن منهم، ولكن الكثير منهم كذبوه، وعادوه، حسدا وبغيا وعدوانا، فإذا كان هذا حال أهل الكتاب في ذلك الزمان، يعلمون صدق النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويعلمون أن دعوته -صلى الله عليه وسلم- حقة، فكيف بأي أحد علم هذا، ولم يؤمن؟، لا عذر لأي أحد، إن ما كابده النبي -صلى الله عليه وسلم- في سبيل الدعوة حجة لجميع خلق الله أجمعين، إن على كل مسلم أن يستمسك بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، يسلم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وفي هذا الزمن كثرت الفتن والعياذ بالله، ولا نجاة منها سوى الاستمساك بهدي نبي الله تعالى، وخاتم أنبيائه ورسله، محمدا بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم-، إنه الهدي الذي أتى به الله عز وجل.

إن الجمال الحقيقي هو الذي وضعه سيد البشرية، سيدي محمدا بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم-، كان سيدا في التعامل، كان سيدا في المبادئ، كان سيدا في الأخلاق، كان سيدا في كل شيء، يمرض غلام يهودي فيعوده النبي -صلى الله عليه وسلم-، يبول إعرابي في المسجد، فيهم الصحابة بنهره، وزجره، فيقول لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دعوه..»، ثم يدعوه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقول له: «إنما جعلت هذه المساجد لذكر الله والصلاة، وليس للبول والقذر.»، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-، يجذب أحدهم ثوبه -صلى الله عليه وسلم- جذبة شديدة، ويقول: يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فيأمر له النبي -صلى الله عليه وسلم- بعطاء. . إنها سجايا نبوية، لا تجدها في دنيا الواقع إلا من رحم ربك.

إن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل لكل شيء علاجا في هذه الحياة، يرى أحد الصحابة في المسجد فيسأله عن سبب وجوده في غير وقت الصلاة، فيقول الصحابي: ديون وهموم يا رسول الله. ، فيعطيه -صلى الله عليه وسلم- العلاج، ويقول له: قل إذا أصبحت وأمسيت: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.»، أو كما جاء في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-.

اتباع هديه

ويؤكد: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمرنا بأداء أعمال لا تمت في الدين من صلة، بل ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.»، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرنا باتباع هديه وصراطه المستقيم، قال الله عز وجل: «وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.»، وما يحدث في بعض أو بالأحرى في معظم أقطار المسلمين من أمور محدثة لا تمت في الدين من صلة، وهم في ذلك يدعون محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، إنما هم واهمون في أفعالهم تلك، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يرضى أن تنتهك حرمات الله، ولا يرضى أن يعصى الله، ولا يرضى أن يعرض عن حكم الله والعياذ بالله، وإنما تلك الأفعال افتعلها أناس أو ابتدأها شخص ادعى محبته للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو بعيد عن حبه للرسول -صلى الله عليه وسلم-، الرسول -صلى الله عليه وسلم- ترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، والصحابة رضوان الله عليهم وأولهم الصديق رضي الله عنه، هم أول من أحبوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق الحب، وأخلصوا في حبه له، وهم أول من آزروه ونصروه، فهل فعل أبوبكر الصديق رضي الله عنه ما فعل من يدعي محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، من أمور بدعية؟.

إن محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تتجلى أعظم التجلي عندما تطبق أحكام الله عز وجل، وتطبق تعاليم النبي -صلى الله عليه وسلم-، من كل أحد، الحاكم والمحكوم، الغني والفقير، الرئيس والمرؤوس، هنا تتجلى المحبة الحقة، والمعرفة الحقة. إن اتقاء المسلم للفتن يكون بمعرفته بالله عز وجل حق المعرفة؟، فمن هو الله؟، ومن هو الخالق؟، ومن هو الرازق؟، ومن هو الوهاب؟، ومن هو المحي؟ ومن هو المميت؟، ومن هو العليم؟، إذا عرف المسلم ذلك حق المعرفة، سيتقي الفتن تلقائيا، لأن من عرف الله عز وجل بتلك الصفات، وبتلك الأفعال، لا شك أنه سيخافه، وسيتقيه، وسيعمل جاهدا ليعمل بما يرضيه، لأنه بذلك يحس في نفسه عظمة الخالق عز وجل، ويستشعر قدرته وقوته وملكوته ووحدانيته وبألوهيته وجبروته، فالله هو الخالق وهو الرازق، وهو الوهاب، وهو المحي، وهو المميت، وهو العليم، وهو الواحد الأحد الصمد، القهار، وهو سبحانه و تعالى يجزي الطائعين الجنة، والعاصين النار، الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما جاء في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. افرض أيها المسلم أن أحدا من الناس يعطيك كل يوم شيئا ثمينا، كيف يكون رد فعلك تجاه هذا الشخص؟، لا شك أنك ستقدره، فما بالك بالذي خلقك، وأوجدك من عدم؟، وأكد لك جل وعلا بما جاء به عن طريق رسله الكرام أنه الخالق الرازق الوهاب الغني المغني الحي القيوم الواحد الأحد الصمد، ألا تطيعه؟، إذا، معرفة الله عز وجل هي الأساس في اتقاء الفتن الظاهرة والباطنة.

منجاة من الفتن

ويضيف: ثم إن الاستبصار بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- هي المنجاة من الفتن كذلك، فمثلا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-، فهذا الحديث الشريف يبين مدى الفتنة الحاصلة عندما يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية بطبيعة الحال، وهذا الحديث الشريف يعتبر أساسا مهما من أساسيات دين الإسلام الحنيف، وما وقعت الفتن إلا عندما وقع الاختلاط بين الرجل والمرأة، فانتشار الزنى هو بسبب الاختلاط بين الرجل والمرأة، وانتشار الأمراض بسبب الاختلاط بين الرجل والمرأة، إذ يسبب الزنى الأمراض كما هو معلوم، فمرض نقص المناعة المكتسبة «الأيدز»، من أسبابه العلاقات الجنسية المحرمة، ومن ضمنها الزنى بطبيعة الحال، والعياذ بالله. هذا ومن أعظم الفتن في هذا الوقت كذلك، فتنة قراءة كتب الإلحاد والعياذ بالله تعالى، وهي تعتبر من الفتن الكبيرة في الوقت الحالي، إن قراءة كتب الإلحاد تؤثر في الإنسان، فكم زاغ الناس بسببها، لذا على المسلم أن يوطن نفسه بقراءة كل ما يزيد من إيمانه ويقويه، وأول هذه الكتب كتاب الله عز وجل القرآن الكريم، فيتلوه حق تلاوته، ويتدبره حق تدبره، فقد قال الله عز وجل: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها.»، حيث إن قراءة كتب الزيغ والإلحاد قد تؤثر في الإنسان، وتثنيه عن الطريق الصحيح، فيقع في المحظور والعياذ بالله، لذا تعتبر القراءة الصحيحة هي المنقذة للمسلم من الوقوع في الخطر، فكم من قارئ زاغ بعد رشاد والعياذ بالله، وهناك رواية تتلخص في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيئا من التوراة، فقال: «لو كان موسى حيا، ما وسعه إلا اتباعي»، فإذا كان هذا الحال في التوراة، فما بالكم بغير التوراة، وإذا كان هذا الحال في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فما بالكم بغير عمر الخطاب. نسأل الله العافية.

هذا هو الإسلام، وهذه هي تعاليمه، وما ذكرته غيض من فيض، وقطرة من بحر، وعلى الإنسان إن يستبصر السنة النبوية، والسيرة النبوية، بطرقها الصحيحة، وقبل ذلك كتاب الله عز وجل، القرآن الكريم، كي يسلم من الفتن الظاهرة والباطنة.