Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ :لـم تـعـد المـعـرفة حـكــرا

08 نوفمبر 2019
08 نوفمبر 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

أجزم؛ أنه بعد مضي أكثرمن أربعة عقود من المعالجة الموضوعية لمشروع «الأمية» هنا عندنا في السلطنة لم يعد هناك من لا يعرف أن يقرأ ويكتب، هذه المسألة؛ يفترض؛ أن تكون خارجة عن المناقشة، وبالتالي، فالمناقشة المقبولة، أن تكون في موضوعات المعرفة الأخرى، غير موضوع «الأمية» وإلا لا نزال ندور في مربعنا الأول، منذ أن انطلق «صوت للنهضة نادى» في مطلع سبعينيات القرن العشرين من النهضة العمانية الحديثة.

تذهب المناقشة هنا إلى موضوع سؤال المعرفة في المسائل العادية جدا، غير تلك القضايا المعرفية العميقة، التي تحتاج إلى الباحث المتخصص في أي شأن من شؤون المعرفة؛ وما أكثرها؛ حيث أننا نعيش في يومنا كثيرا من هذا الأسئلة البسيطة، والمسائل الصغيرة، وما يثير الدهشة هو تكرار السؤال عن ذات الموضوعات في المناسبات المختلفة، وأقربها مثالا، عندما يحل شهر رمضان المبارك، في كل عام، حيث تتكرر الأسئلة كثيرا عن ذات الموضوعات اليومية، والتي يجيب عليها العارفون في كل مرة، وفي كل عام، وفي كل شهر رمضان، وتكون نفس الإجابات، وإن اختلف السائلون؛ في كل عام، وفي كل مناسبة، وعلى امتداد العام تجد من يسأل عن أسئلة مشابهة، وربما تكون متكررة، وهذا ما يعبر عنه؛ ليس فقط؛ جهل السائل، ولكن كسله، واستسهاله المفرط في حق نفسه، عن ابتعاده عن أصول المعرفة، وهي القراءة الصادقة، وانقاذ نفسه من براثن الجهل القاتل، لأن المعرفة اليوم لم تعد حكرا عن أشخاص بعينهم، فكل الإجابات متوفرة للباحث عنها، ومصادرها أكثر مما يتوقع أحدنا، وأقلها هو الولوج إلى موقع «جوجل» وسيقول لنا أحد المتنطعين، أن المعرفة المتوفرة في «جوجل» تحمل الكثير من الخلافات الموضوعية، وشخصيا لا أتفق مع هذا التقييم، لأن جل المسائل التي يسأل عنها العامة من الناس، لا تدخل في المسائل الخلافية، فهي موضوعات عامة، وبسيطة، وصغيرة، ولا تحتاج إلى إعمال الجهد البحثي، والمتابعة الجادة في متون الدراسات، والمخطوطات، والبحوث، بالإضافة إلى توفر الكثير من المؤلفات في مختلف المسائل، الفقهية، والموضوعات العامة المتعلقة بحياة الناس، فقط تبقى المسألة خاضعة لهذا الكسل الغريب الذي يعيشه عامة الناس.

فالمجتهدون في مختلف العلوم، هم ليسو من كوكب آخر، فهم يعيشون بيننا، ولكن ما يميزهم أنهم نظروا إلى الكتاب على أنه وسيلة وغاية، ونظرنا إلى الكتاب على أنه غاية، وكما هو معروف فالغايات منالها صعب، وبعيدة عن متناول الأيدي، إلا للمجتهدين، والخاصين، والمصطفين، وهذه مسألة نسبية، وليست حالة مطلقة إطلاقا، وإن اختلف من اختلف عند هذه النقطة بالذات، وبالتالي؛ وانطلاقا من هذه النقطة فالمعرفة لم تعد في يد فلان من الناس، وفي قلبه، وفكره، وإنما هي حالة مشاعة، ومتاحة للجميع بلا استثناء، والاستثناء الوحيد؛ هنا؛ هو من لا يعرف القراءة، وكما جاء أعلاه، فإنه بعد مضي أكثر من أربعة عقود، لم يعد مقبولا إطلاقا أن يكون بيننا من لا يعرف القراءة.

وبالتالي: هل يعقل أن يكون بيننا من يسأل عن كيفية الوضوء؛ على سبيل المثال؛ أو يسأل عن كيفية الصلاة، أو عن أهمية إقامة الصلاة في المسجد «صلاة الجماعة» أو عن كيفية غسل الميت، أو عن ما هي صلاة الميت، أو عن مفطرات الصيام، أو عن مناسك الحج، أو خصوصية العلاقة بين الزوجين، أو عن مظان الخطأ في العلاقة مع الأبناء، أو حقوق الجار، أو بر الوالدين، إلى غيرها من المسائل العامة التي يعيشها الإنسان طوال يومه؟! فكل هذه المسائل وغيرها مؤلفة فيها الكتب الكثيرة، وتجمع معظم أقوال العلماء المجتهدين، ولم يبق إلا أن يكون هذا الكتاب، أو ذاك بين أيدينا فقط، أما من أراد الاستسهال، فليبق على أميته آمنا مطمئنا.