1363326
1363326
تقارير

تختلف الأسباب والاحتجاجات الشعبية واحدة

07 نوفمبر 2019
07 نوفمبر 2019

نيويورك- (د ب أ): أطلق التفاوت الحاد بين الفقراء والأغنياء في العديد من الدول موجة احتجاجات عالمية، لكن هذه الفجوة ليست السبب الوحيد الذي دفع الناس إلى الخروج إلى الشوارع، بحسب أحد الباحثين البارزين في مجال الافتقار إلى المساواة الاقتصادية.

ويقول برانكو ميلانوفيتش، الخبير الاقتصادي السابق بالبنك الدولي وصاحب الرسم التوضيحي «مخطط الفيل»، الذي يحدد الرابحين والخاسرين من العولمة: إن تزايد الفجوة في توزيع الثروات في أمريكا اللاتينية أدى إلى موجة احتجاجات شعبية عنيفة في تشيلي مؤخرًا.

ولكن الصورة مختلفة في الشرق الأوسط، المنطقة الأخرى الذي يشهد هو الآخر موجة احتجاجات واسعة، في ظل الافتقار لتحقيق نمو اقتصادي، حيث يتجه الغضب الشعبي نحو النظم السياسية التي تحصن النخبة الحاكمة ضد أي تغيير.

وأجبرت الاحتجاجات الشعبية رئيس الحكومة في لبنان ورئيس الدولة في الجزائر على الاستقالة، وأطاحت بالنظام في السودان، ووضعت حكومة العراق على شفا الانهيار.

ويقول ميلانوفيتش: «لا اعتقد أننا نستطيع وضع قصة واحدة شاملة بشأن عدم المساواة» باعتبارها تفسيرًا لكل ما يشهده العالم من احتجاجات شعبية. ويرى ميلانوفيتش، مؤلف كتاب «الرأسمالية فقط» والاستاذ بجامعة نيويورك سيتي، أن هناك أيضا «شعورًا بالإقصاء من أي مشاركة مهمة في عملية صناعة القرار تشعر الشعوب بأن لا أحد يهتم بها، وممثلوهم السياسيون مشغولون بإثراء أنفسهم أو معنيون بقضايا العولمة على نحو مفرط».

واستهدفت الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في دول أمريكا اللاتينية، مثل: تشيلي والإكوادور، الحكومات المؤيدة لاقتصاد السوق، والتي اتخذت إجراءات اقتصادية نجم عنها ارتفاع تكاليف المعيشة بالنسبة للأغلبية الساحقة من أفراد الشعب، فاقت قدرتهم على التحمل. وفي انتخابات الرئاسة الأخيرة، أسقط الناخبون في الأرجنتين الرئيس الذي طبق سياسات تقشف اقتصادي، وصوتوا بدلًا من ذلك لصالح المرشح اليساري الشعبوي على تعهد بتحقيق المزيد من المساواة الاقتصادية.

والتفاوت في الثروة بين دول الشرق الأوسط أشد حدة، حيث تضم هذه المنطقة مجموعة من أغنى دول العالم وهي دول الخليج النفطية، كما تضم دولًا من أشدها فقرًا، مثل اليمن. لذلك فعند النظر إلى المنطقة كلل، يتم تصنيفها بين الدول التي تعاني من أعلى درجات انعدام المساواة الاقتصادية.

ولكن عند النظر إلى كل دولة على حدة، فإن حدة التفاوت في الدخل أقل كثيرًا مما هي عليه في أمريكا اللاتينية. فحكومات الدول العربية النفطية الغنية توزع جزءًا كبيرًا من الإيرادات على مواطنيها، وبالطبع دون أن يشمل ذلك الأيدي العاملة الوافدة التي تبني ناطحات السحاب في دبي وأبوظبي والدوحة، على سبيل المثال.

ورغم أن الجزائر من الدول التي تحظى بدرجة جيدة من المساواة في توزيع الثروة بين المواطنين، بحسب بيانات البنك الدولي، تتواصل المظاهرات في الجزائر منذ بداية العام الحالي، وقد استهدفت في البداية الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة الذي اضطر إلى التنحي بعد حوالي 20 عامًا في سدة الحكم، ثم اتجهت الاحتجاجات إلى المطالبة بتغيير النظام السياسي الخاضع لسيطرة العسكريين ورجال الأعمال وقادة الحزب الحاكم.

وفي أمريكا اللاتينية، يمكن للشعوب تغيير سياسات الحكم عبر صندوق الانتخابات، وقد حدث هذا كثيرًا في الفترة الأخيرة مع تعاقب اليسار واليمين على السلطة. لكن أنظمة الحكم في الشرق الأوسط تثير غضب شعوبها بسبب الديمقراطية الشكلية القائمة، بحسب ميلانوفيتش الذي قال: إن الحكومات في الشرق الأوسط «تدعوكم للانتخابات، لكنها في الأساس ليست معنية بتصويتكم».

ويقول ميلانوفيتش: «أي رسم توضيحي يتضمن انعدام المساواة على أحد محوريه وكفاءة الحكومة على المحور الآخر، سيكشف أن نقاط الاضطراب الحالية ترتبط دائمًا بالحكومات الأسوأ أداء. مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، ربما تصبح مشكلة عدم المساواة الاجتماعية أكثر انتشارًا».

وبحسب التحليل الذي نشرته وكالة «بلومبرج» للأنباء، هناك نمط آخر من أنماط الحكم في الشرق الأوسط، وهو الموجود في لبنان والعراق، والذي ظهر بشكل أساسي نتيجة حرب أو صراع أهلي. فقد تمت تسوية الصراعات بين الطوائف والمجموعات الدينية والعرقية في الدولتين من خلال منح كل طائفة، أو نخبة كل طائفة على الأقل، جزءًا من كعكة السلطة. ويتهم المحتجون أعضاء هذه النخب بالسعي إلى إثراء أنفسهم، أو أنصارهم على حساب الشعب.

وهذه الأنظمة السياسية تشجع على الفساد لأنها تقوم على أساس تحالفات شبه دائمة، لا يمكن فضها دون المخاطر بتجدد الصراع الأهلي في البلاد، بحسب ميلانوفيتش، المولود في دولة يوغسلافيا السابقة، حيث شهد مثل هذه الآليات في دول البلقان الهشة خلال عقد تسعينيات القرن الماضي.

ويقول ميلانوفيتش: إن «الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها هذه النخب الفاسدة البقاء هي شرعنة النهب على أساس عرقي أو ديني».

وأشارت «بلومبرج» إلى أن ميلانوفيتش اشتهر بدراسة توزيعات الدخل بعيدًا عن حدود الدول أو المناطق ورسم خريطة لهذه التوزيعات عند النظر إلى الاقتصاد العالمي ككل. ويكشف المخطط التوضيحي الذي قدمه ميلانوفيتش باسم «مخطط الفيل» أن الطبقة المتوسطة في العالم، وأغلبها في دول الاقتصادات الصاعدة في قارة آسيا، كانت الأكثر استفادة من العولمة، في حين لم يحقق أصحاب الدخل المتوسط أو المنخفض في الدول المتقدمة أي استفادة من العولمة، التي استفاد منها بشدة الأثرياء في دولهم. ويقول ميلانوفيتش إنه عمل على تحديث هذا المخطط التوضيحي في عام 2014، وربما يُظهِر المخطط الجديد أن «أغنى 1% من سكان العالم لم يحققوا النمو المنتظر في ثرواتهم»، فدخول الأغنياء في الدول المتقدمة تعتمد على أسواق الأسهم وتوزيعات الأرباح وفوائد الودائع، وهي أمور تتأثر بالأزمات».

المشكلة في مخطط ميلانوفيتش لتوزيعات الدخل في العالم أنه يعتمد على بيانات توزيع الثروة أو الدخول التي تصدر متأخرة، وهو ما يعني تقادم بيانات المخطط عند نشره، حيث يقول إن أفضل ما يمكن عمله هو رسم صورة للاقتصاد العالمي، كما كانت عليه قبل سنوات قليلة. ويقول ميلانوفيتش إن الصورة تغيرت بالفعل منذ طور أحدث إصدار من «مخطط الفيل»: «ومن المحتمل جدًا أن تكون ثروات أغنى 1% من سكان العالم قد زادت بفضل التخفيضات الضريبية الأخيرة في أمريكا».