أفكار وآراء

التحكيم ودور المحكم الفرد

30 أكتوبر 2019
30 أكتوبر 2019

د. عبدالقادر ورسمة غالب -

التحكيم التجاري ينبع من إرادة الأطراف المستقلة. وللأطراف الحق في اللجوء للتحكيم للفصل في النزاع الذي يحدث بينهم لأي سبب. وصناعة التحكيم الآن تحكمها القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية، ولهذا تجد رواجا كأفضل البدائل لتسوية المنازعات بعيدا عن ردهات المحاكم المثقلة بالقضايا الشخصية والمنازعات ذات الطابع الفردي اليومي. والتحكيم له ميزات عديدة من أهمها السرعة في الفصل والسرية والتخصصية في بعض المسائل ذات الطابع الفني المحض. وكذلك، وبطبيعة الحال، فإن التحكيم لا يخلو من بعض الصعوبات التي تحتاج لعناية خاصة بهدف تطوير صناعة التحكيم ورفد العدالة بوسائل سليمة تعمل علي تأسيس دولة القانون وترسيخ مبادئ العدالة الناجزة.

التحكيم نوعان، وهما التحكيم المؤسسي أو التحكيم الفردي «أد هوك». والنوع الأول يتم عبر مؤسسات التحكيم المتعددة والنوع الثاني يتم عبر محكم فرد يختاره الأطراف ربما لشخصه أو تخصصه أو خبرته. هذا ويجوز لأطراف النزاع اختيار النوع الذي يفضلونه سواء مؤسسي أو فردي. التحكيم الفردي، إذا تم اختياره لأي سبب، فإنه لا يخلو من الإيجابيات ولكن بصفة عامة فانه قد يجابه بعض الإشكاليات من بداية التحكيم حتى صدور القرار النهائي. ومن الواقع نقول، إن هناك قضايا تحكيم عديدة لا حصر لها قام بنظرها والفصل فيها «محكم فرد» وأدى المهمة بنجاح تام وعلى أحسن حال وأكمل وجه. وبالطبع مثل هؤلاء الأفراد لديهم الخبرة الطويلة والمعرفة السليمة بمعنى ومضمون التحكيم وكيفية سير الإجراءات وما يعتريها، وهذا بالطبع، يكون إضافة للصفات الشخصية الفردية الأخرى التي تمكنه من إدارة التحكيم بالحكمة والحنكة والمهنية التامة. وأيضا، في الوقت نفسه، هناك بعض الحالات التي أتت بالعكس وسوء النتيجة وهذا يضر بصناعة التحكيم.التحكيم الفرد قد يعاني من بعض الإشكاليات، خاصة عندما نقارنه مع التحكيم المؤسسي. هذا يحدث، لأن المحكم الفرد لا يملك نظاما مؤسسيا معروفا يعمل بموجبه ويتقيد به، مع العلم، ان التحكيم المؤسسي لديه «نظام مركز التحكيم» الذي يكون دليلا لهيئة التحكيم ومرجعا لها في العديد من الإجراءات. إضافة الى أن مركز التحكيم يساعد في الأمور اللوجستية الإدارية مثل توفير المكان والسكرتارية وكل ما يرتبط بها من أعمال مساعدة في تهيئة الجو الملائم لسلاسة سير التحكيم.

نلاحظ أن العديد من العقود والتي تتم الإشارة فيها اللجوء للتحكيم لفض النزاع لم تتضمن تلك العناية الكافية بشأن التحكيم وضوابطه وبواطنه. وفي مثل هذه الحالات، وهي كثيرة، إذا تم إحالة النزاع لمحكم فرد فإنه يجد نفسه في موقف صعب لا يحسد عليه لأن المهمة المطلوب منه إنجازها لا تتضمن طريقا مفيدا للسير عليه بواسطة المحكم الفرد. والصعوبة تكمن في أنه في مثل هذه الحالات، يحتاج الحكم الفرد مثلا لاختيار القانون الواجب التطبيق، اختيار الزمان والمكان وتفاصيل سير إجراءات التحكيم وغيره كتحديد تكاليف التحكيم وأتعاب المحكم، وكل هذه الأمور لا تخلو من الصعاب بل هي شائكة جدا. وهنا، تظهر صعوبة مهمة المحكم الفرد الذي قد تنطبق عليه مقولة «المهمة المستحيلة». وكل هذه المسائل، المشار لها، تقريبا تكون شبه محسومة أو واضحة في حالة «التحكيم المؤسسي»، الوطني أو الإقليمي أو الدولي، لأن المؤسسة «مركز التحكيم» تنظم مثل هذه المسائل وتكون معروفة للجميع بمنتهى الشفافية وتنطبق على كل الأطراف المعنية والمرتبطة بالتحكيم. وهنا طريق المسار سالك وواضح من بداية الأمر وصدور قرار هيئة التحكيم النهائي، وهذا الوضع المتميز قد لا يتوفر في حالة المحكم الفرد.

كما ذكرنا، فإن الأطراف لهم الخيار في اختيار التحكيم المؤسسي أو الفردي وهذا يعود لهم وفق ما يرونه وهم أدرى بذلك. وقد يختار الأطراف محكما فردا لثقتهم فيه واطمئنانهم له في تحقيق العدالة، وأيضا، ربما يختار الأطراف المحكم الفرد توفيرا للمال والوقت وغيره. ولكن على الأطراف دائما البحث عن الأفضل وليس تقليل المصروفات فقط. لأن المحكم الفرد قراره نهائي ونافذ ويأخذ نفس مكانة التحكيم المؤسسي المكون من عدة أفراد والعامل وفق المؤسسية المتعارف عليها في صناعة التحكيم. لهذا نقول، على الأطراف البحث والتقصي والتشاور عن الأنسب لهم سواء عبر التحكيم المؤسسي أو الفردي، وفي الحالتين النتيجة النهائية واحدة ونافذة، ولذا وجب التنويه.