Abdullah
Abdullah
أعمدة

رماد .. المنصـب

30 أكتوبر 2019
30 أكتوبر 2019

عبد الله المعمري -

إذا ما التقينا تصافحت ابتساماتنا قبل يدينا، وإن تحدثنا كان الحديث أصدق ما يكون، الود بالوفاء كان ممتزجا، حتى وإن اختلفنا يظل الرأي بيننا سديدا، هكذا كنا معا سنوات عمّقت روح الصداقة بيننا، إلى أن جاء ذاك اليوم الذي أوجد حاجزا أعلى من الجبل في كل ما كان، حيث تقلد الصديق منصبا جديدا، فتغير.

الحديث أصبح منه عليّا ومحدودا، والمصافحة في اللقاء شبه معدومة، والترحيب منه كأنك تريد منه خدمة أو ترجو منه تنفيذ طلب، هكذا تغير بعد منصبه الجديد، فما أقبح هكذا مناصب حينما تهدم الصداقة التي لا يعادلها شيء في كل زمان من أزمنة البشرية .

ليس هذا فقط، بل تحول بمنصبه الجديد إلى التعامل بطبقية، كأنه يعيش في برج عالٍ، هذا إن لم يتعامل معك على أنك مجرد شخص أقل منه في الإنسانية، فأي حال قد وصل إليه هذا الصديق، وأي فَقدٍ آل إليه في ما كان عليه قبل أن يتقلد هذا المنصب! .

يا صديقي إن المناصب لا تدوم، ولكن الصداقة تدوم، ولا ضير من أن تحتفظ بمنصبك وبذات صفاتك وتعاملك مع المحيطين حولك من صديق أو قريب أو حتى جار أو أي إنسان كان يعرفك قبل المنصب وبعده، فليتك تعلم، وليتك تدرك، وليتك تعي وتستفيق قبل أن لا تجد ذات يوم من يُشعرك بجمالية الحياة وبساطتها والسعادة التي كنت بها وعليها.

أستطيع أن أترك كل شيء خلفي بما تفعل، وأن أمسح ذكرى الصداقة الجميلة، وأن أترحم عليها بموتها لتكبّرك وتعاليك بمنصبك العالي، وأستطيع أن أدير ظهري لك وأعاملك كالغريب إن التقينا ذات يوم، ولكن هذا ما لن أفعله، فأنا سأكون هو أنا، حتى تعود إلى ما كنت عليه، فالتمسك بالصداقة لذات الصداقة خير من هدمها، فتسقط هيبتها ويرث من يأتي بعدنا فيقول كما قلنا ذات يوم: « لم يعد للصداقة في هذا الزمان وجود»، وسيبقى الأثر إلى أن نرحل عن الحياة ويبقى الذّكر، فدمت بخير أيها الصديق وكُلَّ صديق.