أفكار وآراء

تحذير من خطر إرهاب البيض داخل أمريكا

29 أكتوبر 2019
29 أكتوبر 2019

عاطف الغمري -

كان مثيرا للانتباه ذلك التحذير من تصاعد الإرهاب الذي تشنه جماعات بيضاء مسلحة ومتطرفة داخل الولايات المتحدة، والذي بلغ حد الإعلان عن أهمية وضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب الأبيض، على المرتبة من الأهمية لحدوث أزمة طوارئ قومية داخل الولايات المتحدة.

فالتقديرات الموثوق بها، والتي جرت في عام 2019، قدرت إنه خلال الفترة من 2009 وحتى 2018، فإن جماعات اليمين المتطرف من البيض تتحمل المسؤولية عن 73% من جرائم العنف المسلح داخل الولايات المتحدة، وأن رقم الضحايا الذين أزهقت أرواحهم على يد جماعات يمينية متطرفة يزيد عن أي رقم في السنوات التي تلت تفجير المبنى الحكومي الفيدرالي في أوكلاهوما عام 1995.

وفور هذا التفجير ألقي القبض على الشخص الذي قام به، وتبين أنه ينتمي إلى جماعة متطرفة تستهدف الدولة الأمريكية ذاتها، وإن هذه الجماعة جزء من منظومة من الجماعات المسلحة التي ترفض الدولة بمختلف قيمها، وأنظمتها، لإقامة نظام مختلف، وتحمل كراهية ورفضا لأي عرق آخر خاصة الملونين.

وكان كريستوفر راي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، قد ذكر في يوليو 2019، أن غالبية التحقيقات منذ أكتوبر الماضي، قد ربطت الإرهاب الداخلي بجماعات أصحاب عقيدة تفوق العرق الأبيض. وربما تكون صحيفة نيويورك تايمز قد لخصت الظاهرة بتلك الكلمات: نحن لدينا مشكلة إرهاب لجماعات من وطنيين بيض.

والسؤال: لماذا لا تلقى هذه المشكلة ما تستحقه من اهتمام، رغم الوعي بخطورتها من كافة السلطات، ورغم الإمكانات الهائلة التي تحوزها أجهزة الأمن الداخلي؟

والإجابة قدمها عدد من المختصين منهم مثلا داري جونسون المحلل السابق بوزارة الأمن الداخلي قال إن الحكومة الحالية، وكذلك الحكومات السابقة، أرادت رسم صورة باهتة للإرهاب، لكي توحي بأنه يأتي من الخارج.

وأضافت إلى ذلك مجلة تايم بأن قادة البلاد فشلوا في مواجهة هذا التهديد، ورغم تصاعده إلا أنه لم يلق اهتماما من البيت الأبيض، بالرغم من أن خبراء في شؤون الأمن القومي، قد دعوا في أغسطس 2019 لشن حرب على الإرهاب الداخلي.

وفي ندوة لمعهد أسبن الشهير: إن كثيرا من الأعمال الإرهابية الداخلية، تقع ضد أمريكيين، ويشنها أمريكيون بيض انقادوا إلى التطرف. وهذا التطرف ليس ظاهرة جديدة، بل هي متجذرة في البنية السياسية والاجتماعية الأمريكية، وإن المنتمين إليها لهم أيديولوجية تضم مجموعات محلية، وإذا كان البعض لا يلفت الأنظار لوجوده في مناطق الظل بعيدا عن المدن الرئيسية، إلا أن نزعة الكراهية لديهم تدفع بهم إلى المجرى الرئيسي للأحداث ليمارسوا فيه نشاطهم. وإذا كانت هذه الحقائق لا تخفى عن الرؤساء الأمريكيين، فإنهم لم يضعوها على أولوية برامجهم السياسية، وركزوا بدلا من ذلك على إرهاب يرتكبه إسلاميون، بالرغم مما أكدته دراسات وإحصاءات أمريكية من أن ما يقوم به هؤلاء داخل الولايات المتحدة، يقل كثيرا عما يرتكبه البيض، وهو ما ذكرته تقديرات حكومية من أن المتطرفين البيض، والجماعات اليمينية المتطرفة، مسؤولون عن ثلاثة أمثال ما يرتكبه إرهابيون مسلمون على الأرض الأمريكية.

وأيضا ما أكده كيفين ماكليينان القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي عن التصاعد في أعمال الإرهاب داخل الولايات المتحدة، والذي تغذيه أيديولوجية سامة.

إن التقاعس عن التصدي لهذه الظاهرة التي لم يكف مسؤولون بأجهزة الأمن الأمريكية عن التحذير من خطورتها، تدعمه مجموعة من الأسباب، أولها استبعاد رؤساء أمريكا لها من أجندتهم السياسية، وزيادة هذا التوجه بعد النزعة العنصرية البيضاء للرئيس ترامب، واعتراض الكونجرس على اتخاذ اجراءات قانونية ضد هذه الجماعات، وقوة نفوذ جماعة الدفاع عن حملة البنادق، وتأثيرها البالغ على أعضاء الكونجرس، الذين يستفيدون ممن دعمها لهم في حملاتهم الانتخابية.