أفكار وآراء

شبكات التواصل وآثارها السلبية

29 أكتوبر 2019
29 أكتوبر 2019

عوض بن سعيد باقوير صحفي ومحلل سياسي -

أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي إحدى الأدوات الأساسية لنشر المعلومة والخبر خلال ثوان معدودة وبذلك انتزعت الصدارة في بث الأخبار والمعلومات من كل مكان وأصبح هناك تسمية لا تتسق والمهنة وهي المواطن الصحفي، الذي ينقل الحدث ويصور بشكل مباشر، وهو تطور تقني لا غبار عليه ومع ذلك فإن هناك تحديات حقيقية تواجه هذه الشبكة الاجتماعية لعل في مقدمتها ضعف او حتى انعدام المصداقية في نقل المعلومات.

وثانيا ترسيخ مفهوم الكراهية بين الأفراد والجماعات وحتى الشعوب.

وثالثا ظهور ما يسمى بالجيوش الالكترونية والتي سخرت للهجوم على الآخرين والنيل منهم.

وأخيرا سوء استخدام هذه الشبكة من خلال التقليل من انجازات الأوطان وحصر الفشل من خلال جزئيات هي في الأساس عملية طبيعية من خلال أي عمل انساني.

من خلال الدراسات الأخيرة فإن مصداقية شبكات التواصل الاجتماعي هي بالفعل متدنية وأحيانا كثيرا مضللة ومزيفة تبعا لأهداف سياسية، وتقدر نسبة تلك الأخبار غير الدقيقة أو المزيفة بأكثر من 70 في المائة وبالتالي تظل وسائل الاعلام التقليدية هي الأكثر مصداقية ومهنية لأنها تنطلق من مرجعية مصادرها الحقيقية.

ونحن أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة تتمثل في ملايين الحسابات الوهمية في مختلف مناطق العالم وتبذل الجهات المختصة بملكية توتير وفيس بوك وغيرها من شبكات التواصل جهودا مضنية للسيطرة على تلك الحسابات وتوقيفها رغم صعوبة ذلك لأن تلك الحسابات تدخل مجددا من خلال اسماء وهمية جديدة.

سلبيات عديدة

يمثل الشباب رقما كبيرا في استخدام تلك الشبكات الاجتماعية وهذا بدوره يشكل معضلة من خلال تبني الأفكار المتطرفة في بعض الأحيان وعدم حيادية النقاش والمغالاة في الطرح لصالح فكرة ايديولوجية محددة، كما أن عددا من الدول للأسف تستخدم الشباب في تلك الأهداف السلبية وهذا يعني أن الخاسر الأكبر هم الشباب الذين يقعون ضحية لمنظمات ارهابية أولا وحتى فريسة لأهداف سياسية من قبل المنظمات وحتى الدول.

ومن السلبيات الأخرى هو تبني معايير متطرفة كالكراهية بين الشعوب وهناك امثلة صارخة في هذا الاطار خاصة عند نشوب خلافات سياسية او حروب بين الدول، كما أن هناك استغلالا واضحا لحاجات الشباب المادية والفراغ الذي يعيشه ملايين الشباب حول العالم كما يحدث في الحروب حيث يتم تجنيد الشباب لاستغلال حاجاتهم المادية.

من الأمور السلبية الخطيرة هو استغلال النساء من خلال المساومات وهناك قصص مرعبة في هذا الاطار من خلال ما يقوم به الأفراد من ممارسة بشعة لذلك الابتزاز الالكتروني، وهناك ضحايا تتحدث عن قصصها المأساوية ومن هنا فإن الوعي بخطورة الفضاء الالكتروني هو شيء مهم وضرورة اجتماعية وانسانية.

كما أن هناك الاحتيال المالي على الأفراد من خلال شبكات خارجية منظمة لاستدراج الأفراد وسرقة أموالهم وهناك قصص مثيرة في هذا الاتجاه.

اذن شبكات التواصل تلعب دورا مدمرا فيما يخص تلك الظواهر، ورغم الحملات التي تقوم بها الجهات المختصة الا ان الضعف الرقابي من الاسرة اولا ومن الافراد انفسهم يجعل من الصعب السيطرة على هذه الظواهر بشكل كلي.

التدمير الذاتي

لعل من الظواهر الخطيرة هو استخدام تلك الشبكات في استهداف الآخرين والنيل من سمعتهم وتوجيه الاتهامات لهم دون سند قانوني أو ادلة واضحة وهي تعد جرائم الكترونية يعاقب عليها القانون كما أن التراشق اللفظي وتزايد ظاهرة العنصرية والطائفية جعلت الأمور أكثر سوءا حتى من قبل بعض الجماعات التي تدعي العلم والثقافة وتبني القيم الحضارية والانسانية، فالانسان عندما يكتب شيئا عليه ان يكون حذرا ولا ينساق وراء العاطفة وان يدرك بأنه معرض لهجوم مضاد وما نراه من تدفق معلوماتي يومي يجعل من تلك الظاهرة شيئا محيرا خاصة في الدول العربية حيث القيم الاسلامية الرفيعة وأيضا الأصول الاجتماعية التي تحكم المجتمعات.

ومع ذلك هجر البعض هذه الشبكات نظرا لتدني مستوى الخطاب أخلاقيا كما أن البعض آثر السلامة والمتابعة فقط.

ومن هنا فإن الدعوة هنا هي لإيجاد آليات جديدة للتخاطب وأن تكون هناك معايير واضحة تتجنب الإساءة للآخرين لمجرد الاختلاف معهم في الرأي وهذه قمة الديكتاتورية وضيق الأفق.

فالآراء المتباينة هي ظاهرة صحية بين الافراد والجماعات كما أن الهجوم بهدف تدمير الآخرين هي ظاهرة مرفوضة اجتماعيا ودينيا ولكن يكون الحوار بالتي هي أحسن، كما أن تلقي المعلومات المغلوطة ونشرها على أنها حقائق وتضخيمها والمبالغة فيها هو جزء من التضليل المعلوماتي الذي لابد من محاربة مروجيه وكشفهم أمام الرأي العام.

وقد كشفت شبكات التواصل الاجتماعي عن تعصب البعض لآرائهم وهذا أمر غير مقبول ولا شك أن هناك جهودا مجتمعية لغرس قيم المواطنة الصالحة وتعدد الأفكار والأراء وعدم النيل من الآخرين وأن يكون هناك انسجام في الرؤى الوطنية والحرص على مصالح الوطن بعيدا عن التعصب الذاتي.

كما أن وسائل الاعلام التقليدية لا بد أن تستخدم الفضاء الالكتروني بشكل مهني أكبر لأنها تستطيع ومن خلال مصادرها واخبارها الموثقة ان تطرد تلك الأفكار والأخبار المضللة وتعطي الحقائق الصحيحة بعيدا عن الزيف المتدفق للاخبار والمعلومات التي تعمق من الكراهية والشك وهي اهداف احيانا تتعدى الأوطان الى جهات خارجية تستهدف الوطن ومنجزاته ونشر الفتنة وتمزيق الأوطان والتي تنعم بالاستقرار والسلام.

الأهداف السياسية

من الأهداف الأساسية التي تم رصدها في السنوات الاخيرة هي استخدام تلك الشبكات لأهداف سياسية من خلال تلك الجيوش الالكترونية وهي ظاهرة تستحق التأمل والدراسة، ولعل ما يدور في تلك الشبكات من هجمات وتراشق غير اخلاقي هو محصلة لتلك الأهداف السياسية وهي مسألة تعدت المعايير الأخلاقية والانسانية. ومن هنا فإن تلك الشبكات أصبحت مرتعا لتلك السياسات المنفلتة والتي تهدف الى نشر الأخبار المضللة والتشكيك في كل منجز ومحاولة استغلال الاوضاع الاقتصادية واستخدام البعض من تلك الاوطان للعمل ضد اوطانهم، وهذه مسألة موجودة ومرصودة.

وتعد مسألة الاستغلال السياسي لتلك الشبكات أكثر ظهورا في المنطقة العربية كما أن الاعلام بشكل عام استغل بطريقة غير مهنية لتحقيق أهداف سياسية ولعل ذلك أوجد مشكلات بين الشعوب وضاعف من حجم نشر الكراهية وهذا أمر لا يساعد على التلاحم بين الأفراد والمجتمعات ونشر قيم التسامح والسلام.

الخلافات السياسية بين الدول هو أمر وارد والحلفاء في الغرب يختلفون كثيرا حول الاهداف الاستراتيجية والتطلعات الاقتصادية والرؤى السياسية ومع ذلك يظل الحوار هو الآلية الوحيدة التي تحل من خلالها تلك الخلافات وهذا هو المنطق الصحيح ولكن على الجانب العربي فإن تلك الخلافات تتحول الى خصومات تتعدى الخلاف السياسي وهذا منطق غير سليم.

فخيار الحوار هو الآلية الصحيحة بعيدا عن علاقات الشعوب والتي يجمعها الكثير من القيم المشتركة والتاريخ المشترك والتقارب الاجتماعي وقبل كل ذلك يجمعها الدين الاسلامي الحنيف الذي يحث على الالفة والمحبة والسلام، ومن هنا فإن الوقت مازال متاحا لتصحيح الأوضاع وفي مقدمتها البعد عن استخدام شبكات التواصل كأداة للهجوم المتبادل وأن تلعب وسائل الاعلام التقليدية دورا إيجابيا من خلال الجهات المختصة في المنطقة العربية.

كما أن دور الجامعة العربية لا بد أن ينسجم مع تلك الأهداف النبيلة وأن تتوقف الحملات الاعلامية بين الدول خاصة في شبكات التواصل وعدم استغلال الشباب في هذا الجانب فالشباب هم طاقة إيجابية لابد أن توظف لصالح الأوطان في المجالات العلمية والمعرفية النافعة وأن يكون هناك التوظيف الأمثل لتلك الطاقات التي تعول عليها الأوطان الكثير.

وفي المحصلة النهائية فإن تلك الشبكات هي خطر داهم على المجتمعات والافراد وحتى الأوطان حيث لا بد من تكثيف الوعي وزيادة الحملات المجتمعية، كما ان وسائل الاعلام التقليدية لابد ان تتصدى لتلك الأخبار المضللة في حينها وأن تكون كل الجهات حاضرة لتكذيب تلك الاشاعات المزيفة والتي لها أهداف مريبة ضد الأوطان وأن يكون هناك استخدام رشيد لتلك الشبكات والتي لها جوانب ايجابية من خلال الحصول على المعلومات المفيدة من خلال التصفح في المواقع الرزينة. الفضاء الالكتروني هو مساحة يكشف القيم ويكشف مستوى الافراد الاخلاقي والثقافي والانساني ومن هنا فإن ظاهرة الشبكات الاجتماعية أصبحت مكانا لترويج الأفكار الدخيلة وترويج الذات وتدمير الآخرين ونشر الاشاعات وتوظف سياسيا من الخارج، وأمام كل تلك المخاطر لابد من الاستعداد لهذه الظاهرة والتي زرعت الفتن والتمزق لعدد من المجتمعات والأوطان وهي تعاني الأمرين.

ويبقى التوظيف الصحيح لتلك الشبكات من خلال النقد الموضوعي وطرح الأفكار النيرة وتبادل الآراء مع الآخرين ونقل القيم الحضارية والمحافظة على المكتسبات الوطنية والمجادلة بالتي هي أحسن هو السياج الذي يحمي المجتمع من الوقوع في فخ تلك الظاهرة والتي سببت مشكلات اجتماعية من خلال الابتزاز والمساومة واستغلال براءة البعض وحسن نيته، ومع ذلك فإن ما يدور في الخفاء لتلك الشبكات من أهداف وتوظيف سياسي وأيديولوجي هو أمر يستحق المتابعة واليقظة لتفادي آثارها المدمرة.