Mohammed
Mohammed
أعمدة

شفافية .. اللغة العربية والتقدم الاقتصادي والعلمي

29 أكتوبر 2019
29 أكتوبر 2019

محمد بن أحمد الشيزاوي -

[email protected] -

دأب العديد من الجهات الحكومية والبنوك والعديد من الشركات الحكومية وشركات القطاع الخاص على استخدام اللغة الإنجليزية لغة رسمية في تعاملاتها سواء عبر المعاملات الداخلية أو عبر رسائلها وخطاباتها إلى الجهات الأخرى، ولا يقتصر الأمر على هذا فقط وإنما يمتد أيضا ليشمل المؤتمرات وحلقات العمل وحلقات النقاش التي تعقد باللغة الإنجليزية وتكون اللغة العربية لغة مهمّشة وفي أفضل الحالات تعمد هذه الجهات إلى توفير ترجمة فورية من الإنجليزية إلى العربية، ويعزو الكثيرون ذلك إلى أن اللغة الإنجليزية أصبحت هي لغة الأعمال، كما أن هذه الجهات تكثر من استقطاب الأجانب الذين لا يتحدثون اللغة العربية فبدلا من أن تترجم لهم النص العربي تلجأ هي إلى استخدام اللغة الإنجليزية لغة أساسية في مختلف تعاملاتها.

وفي المقابل نجد الدول غير العربية كاليابان والصين وألمانيا وفرنسا وروسيا وكوريا والعديد من الدول الأخرى تعتز بلغتها الأم التي يتم استخدامها على نطاق واسع بدءا من التدريس في المدارس والجامعات وانتهاء بالبنوك والشركات ومجتمع الأعمال والبحث العلمي، وإذا اضطرت أي شركة لاستخدام الإنجليزية فيكون استخدامها لها محدودا جدا، ولعل هذا هو ما يفسّر التقدم العلمي الذي حققته هذه الدول رغم أن بعضها خرج من حروب مدمّرة لكنه لم يتخلّ عن لغته الأم، بل قام بترجمة العلوم أو ابتعاث الطلبة إلى الخارج دون التفريط باللغة الأم التي ظلت هي لغة الأعمال مثلما هي لغة الحياة اليومية وهكذا لم تفصل تلك الدول المجتمع عن لغته، وهو على عكس ما نجده يزداد بشدة في العديد من الدول العربية ومن بينها السلطنة؛ إذ تم اعتماد اللغة الإنجليزية لغة التدريس في التعليم العالي ولغة الأعمال ظنا منها أن اللغة الإنجليزية تتيح للدارسين والباحثين مجالات أوسع لتنمية بحوثهم مع أن الحقيقة تقول العكس من ذلك على الإطلاق؛ وعلى سبيل المثال تضم قائمة الحاصلين على جوائز نوبل عشرات الدول التي تستخدم لغاتها الأم في مختلف مجالات حياتها العلمية والاجتماعية، كما تمتلك هذه الدول العديد من براءات الاختراع التي غيّرت حياة العالم بأسره. أما الدول العربية فلم تنلْ أي جائزة من جوائز نوبل في مجالات الطب والكيمياء والفيزياء والاقتصاد باستثناء حصول أحمد زويل العالم الأمريكي المصري على جائزة نوبل في الكيمياء في عام 1999 وحصول سيرج آروش العالم الفرنسي من أصول مغربية على جائزة نوبل في الفيزياء في عام 2012 بالاشتراك مع ديفيد وينلاند عالم الفيزياء الأمريكي. وهو ما يعني أن استخدام اللغة العربية لن يعيق تطورنا العلمي بل ما نجده هو العكس من ذلك، فالدول التي تعتمد على لغاتها الأم تحقق تطورا علميا واقتصاديا أكبر.

إن معرفتنا باللغات الأخرى وتعلمنا لها شيء ضروري، لكن لابد أن تكون اللغة العربية هي اللغة الأساسية في الأعمال والتدريس في كليات الطب والكليات العلمية والاقتصادية فضلا عن العلوم الإنسانية، وقد لاحظنا - كما أشرتُ سابقا - أن استخدام اللغة الأم في البحث العلمي هو أحد أهم الأسباب التي مكّنت تلك الدول من أن تحقق نجاحا علميا غير مسبوق، وهو ما يذكرنا بأيام الدولة العباسية التي تحققت فيها إنجازات علمية عربية استفادت مما سبقها من حضارات أخرى لكنها لم تذب فيها بل أسست لنفسها طريقتها ومنهجها الخاص وهو ما يحدث بالضبط مع دول كاليابان والصين وروسيا وغيرها من الدول الأخرى التي تطّلع على التقدم العلمي من حولها وتؤسس لنفسها منهجها الخاص بلغاتها الأم التي هي سرّ نجاحها وتمكّنها وهو ما أدركته تلك الدول منذ أن بدأت نهضتها العلمية.