أفكار وآراء

الموقف الدولي من العملية العسكرية التركية

25 أكتوبر 2019
25 أكتوبر 2019

مروى محمد إبراهيم -

هل شارك المجتمع الدولي في التخلي عن الأكراد في الشمال التركي؟

هل جاء رد فعله على قدر الكارثة الإنسانية هناك؟

هل نجح في التصدي للضربات التركية في سوريا؟

أم أن الأنانية والتردد كانتا السمتين الغالبتين على رد الفعل العالمي؟

في الواقع كان لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ بالانسحاب من الشمال السوري، وترك الساحة مباحة للجانب التركي، وقع الصاعقة على العالم كله. فقد كان الانسحاب الأمريكي بقرار رئاسي منفرد بدون العودة للكونجرس. وأصبح على أوروبا والقوات الحليفة لأمريكا أن تتخذ هي الأخرى مواقف منفردة. بطبيعة الحال، فإن الالتزامات الأخلاقية – حتى وإن كانت صورية - كانت تلزم هذه القوى باتخاذ مواقف لا تتسم بالتبعية للموقف الأمريكي الذي لا يتواءم مع المبادئ الدولية.

في البداية، لابد من تقديم تفسير لقرار ترامب، والذي أثار حالة من الجدل والغضب داخل الكونجرس.

قرار ترامب المفاجئ تزامن مع مضي مجلس النواب الأمريكي ذي الأغلبية الديمقراطية في إجراءات متسارعة لمحاكمة الرئيس الجمهوري المثير للجدل. بالتالي، فيبدو أن ترامب أراد أن يقلب الطاولة ويحدث حالة من الصخب تفوق صخب إجراءات المحاكمة التي قد تؤدي إلى عزله. الهدف من هذه الضجة التي أحدثها قرار الانسحاب هو كسب نقطة انتخابية، وإرضاء أنصاره في الشارع الأمريكي والأوساط الانتخابية قبل إرضاء أو التقرب من النخب السياسية.

للمرة الأولى منذ أمد بعيد، أحدث قرار ترامب المفاجئ حالة من التوافق بين الجمهوريين والديمقراطيين الذين صوتوا بأغلبية ساحقة على قرار يدين قرار الانسحاب من سوريا، وذلك مع تصاعد التحذيرات من الخبراء العسكريين، وعلى رأسهم جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي السابق، من عواقب الانسحاب بهذا الشكل المزري.

فماتيس حذر من أن هذا القرار سيضر بالمصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة وسيفسح المجال لصعود تنظيم داعش الإرهابي مرة أخرى ليثير الرعب في مختلف أنحاء العالم. لكن الرئيس الأمريكي سرعان ما تدارك الموقف، بعد أن وجد أن رياح الانسحاب ربما تأتي بما لا تشتهي رياح الانتخابات. ومن ثم، أوفد نائبه مايك بنس ووزير خارجيته مايك بومبيو في رحلة سريعة إلى تركيا لإنقاذ الموقف.

كما هي العادة نجحت مساعيه، فقد تمكن وفده من إبرام اتفاق مع أردوغان لوقف فوري لإطلاق النار مقابل تخلي الأكراد عن السلاح وسحب وحداتهم القتالية، وسحب ترامب لكافة العقوبات «الاقتصادية المدمرة» التي لوح بها من قبل.

على الرغم من نجاح الرئيس الأمريكي في نزع فتيل الأزمة الراهنة، إلا أن التاريخ سجل له تصريحاته العنيفة تجاه الأكراد، عندما أكد أن مهمته هي حماية حدود بلاده وأنه لا يعبأ بالحدود السورية مع تركيا، وأنه آن الأوان للأكراد أن يتولوا مهمة حماية أنفسهم. السيئ في الأمر، أنه أمام اشتعال الأزمة وإطلاق النار في الشمال السوري، لم يخرج مجلس الأمن الدولي عن المألوف في مثل هذه المواقف الكارثية. فقد أعرب عن قلقه من مخاطر تدهور الأوضاع الإنسانية في شمال شرق سوريا، واحتمالات هروب الأسرى من عناصر تنظيم داعش الإرهابي بسبب الهجوم التركي.

لتقف الأمم المتحدة كما هي العادة موقف العاجز عن اتخاذ موقف إيجابي أو فاعل. فقد عجز مجلس الأمن عن رفض الانسحاب الأمريكي وإدانته، واكتفى بالتعبير عن قلقه الشديد إزاء الوضع الإنساني. لكن لا يمكن أن نفصل هذا الموقف الذي يتسم بالضعف الشديد لمجلس الأمن الدولي عن تصريحات أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة قبل أيام قليلة من الكارثة الإنسانية في سوريا. فقد حذر جوتيريش من تردي الأوضاع المالية للمنظمة الدولية، وطالب الدول الأعضاء بسرعة دفع المبالغ المستحقة للمنظمة. وأكد أن المنظمة ليس لديها في الوقت الحالي ما يكفي لدفع أجور موظفيها أو حتى تمويل بعثاتها لحفظ السلام حول العالم، وذهب ليسرد الأوضاع المتردية لمقرات المنظمة. فأعمال الصيانة متوقفة وبالتالي فالسلالم الكهربائية لا تعمل وهناك أزمات لوجستية كبيرة. وأضاف: أنه لولا قراره بترشيد النفقات داخل المنظمة ما كان سيتوفر لدى المنظمة ما يكفي من المال لاستضافة قادة العالم خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي. وهو ما جاء كإعلان صادم للمجتمع الدولي يفسر الضعف الذي تتسم به المنظمة الدولية المفترض أنها الأقوى نفوذا في العالم.

لم يكن رد فعل الجانب الأوروبي أفضل حالا، فقد بدا القادة الأوروبيون كما لو كانوا يرغبون في الاحتذاء بالحليف الأمريكي والانسحاب فورا من سوريا، والتنصل من أي مسؤولية على الأكراد أو حتى أي مسؤولية إنسانية في المنطقة. فقد سارع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إلى إدانة التدخل العسكري التركي في شمال شرق سوريا، لكنهم لم يصلوا إلى حد الاتفاق على فرض حظر شامل على تصدير الأسلحة.

وقال وزراء الخارجية في بيان مشترك صدر في ختام قمتهم الطارئة في لوكسمبورج: «إن الاتحاد الأوروبي يدين العمل العسكري التركي، الذي يقوض بشكل خطير استقرار وأمن المنطقة بأسرها، مما يؤدي إلى مزيد من المعاناة للمدنيين وإلى المزيد من النزوح ويعيق بشدة وصول المساعدات الإنسانية». وأضافوا: «يشير الاتحاد الأوروبي إلى القرار الذي اتخذته بعض الدول الأعضاء بالوقف الفوري لترخيص صادرات الأسلحة إلى تركيا»، في إشارة إلى «مواقف وطنية قوية».

واتفق ممثلو الدول الأعضاء في الكتلة الأوروبية على الاجتماع في وقت لاحق «لتنسيق ومراجعة» مواقفهم. كما دعت الكتلة إلى عقد اجتماع وزاري للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي «لدراسة كيفية متابعة جهودها في السياق الحالي».

ومن ناحيته، حذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان من أن «الهجوم التركي سيؤدي إلى دمار إنساني خطير»، وأضاف: أن«فرنسا تتوقع طلبا محددا لإنهاء الهجوم وموقفا حازما من صادرات الأسلحة إلى تركيا».

أما وزير خارجية لوكسمبورج جان أسيلبورن فقد أعرب عن أمله في أن يجبر الموقف الأوروبي الموحد الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلنطي «الناتو» على المشاركة في وقف الضربات التركية. وقال أسيلبورن: «تنص المادة الخامسة من معاهدة الناتو على أنه يتعين على جميع الدول الأخرى المساعدة في الدفاع عن أي بلد إذا تعرضت لهجوم»، واصفًا الموقف بأنه «استثنائي»، أما السويد، فطالبت بحظر أوروبي على تركيا، واقترحت أيضا اتخاذ تدابير ضد الأفراد.

من ناحيته، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس: «من المهم أن نبقى في حوار مع تركيا»، «إذا لم ينجح ذلك، يجب أن نكون مستعدين لاتخاذ مزيد من الإجراءات».

لكن هذا لم يكن رأي جينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف شمال الأطلنطي «الناتو»، والذي دعا تركيا إلى «ضبط النفس» ، مع الاعتراف بأن أنقرة لديها «مخاوف أمنية مشروعة». على الرغم من حالة الرفض العالمي الواسع للهجوم التركي، إلا أن الموقف العالمي جاء أقل كثيرا من المنتظر من دول العالم التي كان عليها أن تتحرك وبسرعة لنزع فتيل الأزمة، فالجميع يخشى التورط في الأزمة سواء بالمال أو القوات.. وأصبح الحل الوحيد هو الخروج من المستنقع السوري بأي ثمن.