أفكار وآراء

2020 انتخابات رئاسية أمريكية غير مسبوقة

25 أكتوبر 2019
25 أكتوبر 2019

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

ما الذي نعلمه عن عملية انتخاب الرئيس الأمريكي؟

من أجل جواب شاف واف وفي انتظار نوفمبر 2020 أي وقت انتخاب الرئيس الأمريكي القادم، وحتى تتضح الصورة سنقف مع المراجعات الآتية...

في عام 1788 قال السياسي الأمريكي الشهير «اليكساندر هاملتن»، والذي كان معروفا بنظرته التفاؤلية للأمور أثناء مناقشته موضوع التصديق على دستور الولايات المتحدة: «لن ينال شرف رئاسة البيت الأبيض إلا شخص ذو حيثية لديه القدرات التي تؤهله لذلك». وأضاف قائلا: «في واقع الأمر، من المتوقع أن يتولى هذا المنصب دائما أشخاص ذوو قدرات وسمات استثنائية. بينما حذر الرئيس الأمريكي السابق في الفترة ذاتها جيمس ماديسون، الأكثر واقعية، من أن «إدارة الدفة لن يتولاها دائما رجال الدولة الثقات».

الشاهد أنه في ظل التقديرات السابقة بات الأمريكيون اليوم يتساءلون هل الساحة الأمريكية بها من يمكن أن يقوم بشؤون البلاد على النحو الذي تحدث عنه هاملتن أم أن مخاوف ماديسون هي الغالبة في الداخل الأمريكي اليوم؟

يبدو أن انتخابات 2020 تأتي في ظل ظروف داخلية وخارجية غير مسبوقة، سيما في ظل حالة الاهتراء التي يتعرض لها النسيج المجتمعي الأمريكي منذ مجيء الرئيس ترامب عينه عام 2016.

يتساءل البعض في الداخل الأمريكي وفي خارجها اليوم: «هل كان اختيار الرئيس ترامب أمرا يحمل إشارات معينة تعبر عن الحالة السياسية للدولة الامبراطورية المنفردة بمقدرات العالم»؟.

يذهب كثير من المحللين إلى أن اختيار ترامب لم يكن سوى تعبير عن رفض الأمريكيين للحالة التي وصلت إليها أمور النخبة السياسية الأمريكية من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري على حد سواء.

هل يعني ذلك أن الأمريكيين يبحثون عن رئيس منزه عن الخطأ ومعصوم من الخطايا السياسية والإنسانية؟

الثابت غالبا أن مرشحي الرئاسة الأمريكية عادة ما يسقطون في الهفوات نفسها التي يقع فيها كل البشر، وخاصة ذوي التطلعات السياسية منهم، وقد علمتنا دروس التاريخ استحالة استشراف المستقبل الباهر لاحد الرؤساء، من عدمه، ولكن هذه الدروس نادرا ما ستكبح غمار تطلع الأمريكيين إلى فارس جديد كلما حل موسم الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات.

في هذا الإطار يمكن تفهم ما الذي يريده الأمريكيون في الرئيس القادم، وهو أن يكون رئيسا متميزا يكاد يقترب من مفهوم الكمال السياسي، وهذا ليس غريبا على دولة علمانية الهوية، مغرقة في الهوى الديني، رئيس أقله أن يجمع بين عظمة لنكولن، والحكمة السياسية لكل من تيودور روزفلت، وفرانكلين روزفلت كذلك، عطفا على حنكة تشيرشل الحربية، ومثابرة نيلسون مانديلا السياسية، وسمو الأم تريزا الأخلاقية والإيمانية، فضلا عن السمات البطولية التي لا نطالعها إلا من خلال أبطال أفلام الحركة.

لكن السؤال المطروح هل من على الساحة الأمريكية اليوم من مرشحين تتوافر فيهم أي من الشروط المتقدمة؟

لنترك للقارئ الجواب والتقييم، ولتكن مهمتنا هنا فقط هي شرح الساحة الأمريكية الداخلية عن قرب وهو تموج هذه الأيام بخلافات وتشارعات غير مسبوقة، بعضها في الداخل وجلها في الخارج.

المؤكد انه على صعيد الحزب الجمهوري لا يوجد فارس للسباق الانتخابي سوى الرئيس ترامب، وعادة ما يفوز الرئيس شاغل الولاية الأولى بولاية ثانية ونادرا ما يحدث عكس ذلك إلا إذا كانت هناك ظروف خارجية قاهرة لا تبدو فيها أثار ذلك الرئيس، وبما يتسق مع القوة الامبراطورية الأمريكية كما حدث مع الرئيس جيمي كارتر عام 1981 بعد أن فاز عليه المرشح الجمهوري رونالد ريجان.

بعد أيام قلائل على فوزه برئاسته الأولى كان الرئيس ترامب يتحدث عن استعداده لخوض معركته الرئاسية الثانية، وقد كان الهدف جميل وواضح وقتها، «جعل أمريكا أعظم مما كانت»، وفي الحق انه شعار رائع غير أن الأمريكيين يتساءلون الآن هل ترامب هو الرئيس الذي يتوجب التصويت له لولاية ثانية؟

من منطلق براجماتي أمريكي داخلي، ومن خلال المفاهيم الاقتصادية والاستهلاكية، يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، فاسهم الشركات الأمريكية صاعدة يوما تلو الآخير، ونسبة البطالة ثلاثة ونصف بالمائة، وهي النسبة الأدنى منذ خمسين عاما، كما أن ارتفاع الأسعار والغلاء تحت السيطرة، وأسعار المحروقات مقبولة في حدود اثنين ونصف للجالون الواحد، ولأن رجل الشارع الأمريكي لا يهمه أي شيء في الكون قبل حياته الداخلية ومستوى معيشته ودخله الأسبوعي، فإنه قد يضحى من الصعب تصور فكرة إزاحة الرئيس ترامب من موقعه في ظل زخم اقتصادي داخلي مثير مثل هذا.

غير انه وعلى الجانب الآخر هناك من يرى أن ترامب قد تسبب في أحداث شرخ في الجسد الأمريكي، من خلال إحياء النزعات اليمينية العنصرية، وأنه فتح الباب لتيارات بعينها تنادي بانفصال ولايات أمريكية بعضها عن بعض، عطفا على أن سياسته الخارجية تقود إلى فكر الانعزالية بمعنى انه لم يعد يعنيه أن تكون أمريكا شرطي العالم أو شريفه، والدليل على ذلك التخطيط للانسحاب السريع وربما غير المدروس من أماكن انتشار واشنطن حول العالم وآخر تلك المشاهد الانسحاب من سوريا.

ماذا إذن عن الحزب الديمقراطي وأحواله ومآلاته قبل انتخابات 2020؟

لا يبدو في الأفق وجود فارس قادر على مقارعة ترامب بنوع خاص، ولا تبدو في الأسماء الديمقراطية من هو لديه الكاريزما لقيادة أمريكا، وربما كان المرشح اليساري «بيرني ساندرز»، قادرا عند لحظة بعينها على قيادة البلاد لو كان اصغر عمرا، أو لو انتظر عشرين عاما أخرى يكون اليسار الأمريكي الصاعد قد نما ونضج فيها بشكل كبير، غير أن ظروفه الصحية وإصابته في القلب مؤخرا قد تعطلان ترشيح الحزب له.

هنا لا يتبقى سوى المرشح جوزيف بايدن، نائب الرئيس الديمقراطي السابق باراك اوباما، غير أن الحديث عن بايدن يحتاج إلى قراءة مفصلة قادمة حول حظوظه، لا سيما في ظل أزمة «أوكرانيا - جيت» وانعكاساتها عليه وعلى مستقبله السياسي.

من ستكون له الكلمة العليا في توجيه الناخبين هذه المرة أي تحديد توجهاتهم التصويتية؟

السؤال لا يخلو من إشارات خبيثة فيها إسقاطات على ما جرى في انتخابات العام 2016 أي ما عرف باسم «روسيا – جيت»، حيث تطايرت الاتهامات بتدخل روسي اخترق حملة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، واستخرج معلومات أدت إلى فقدان ثقة المرشحين بها، معلومات من قبل التامر بين الديمقراطيين وبعضهم البعض على المرشح ساندرز، والاتفاق على نفيه خارج اطر الترشيح، الأمر الذي افقد هيلاري الكثير من الاحترام في عيون الناخبين وجعلها تخفق في الفوز على ترامب.

هنا هل سيتكرر المشهد ثانية سواء من قبل روسيا أو أي دولة خارجية أخرى؟

في أواخر سبتمبر الماضي، كشف تقرير لمجلة فوربس الأمريكية أن روسيا استثمرت قدرا كبيرا من الأموال والجهود لبناء قدرات تجسس واسعة النطاق، تمهيدا لشن هجمات إلكترونية تستهدف الانتخابات الأمريكية والبني التحتية. فوربس استقت معلوماتها من بحث أجرته مؤسسة «تشيك بوينت» المتخصصة في الأمن السيبراني وتحليل البرمجيات الخبيثة، وسلاح روسيا السري يتمثل في هيكل تنظيمي استغرق بناؤه سنوات، ويصعب اكتشافه أو اعتراضه... السؤال هنا هل الحرب السيبرانية هي التي ستحدد نتيجة الانتخابات الرئاسية 2020؟

هذا ما سنجاوب عنه في قراءة مستقلة قادمة إن شاء الله.

قضية أخرى تشغل الأمريكيين اليوم وتتمحور حول السؤال التالي: هل الفيسبوك هو من سيحدد الفائز برئاسة أمريكي جمهوري أم أمريكي؟

السؤال جد خطير وليس عبثيا إذ أضحت وسائل التواصل الاجتماعي أحد أهم المحددات التي توجه الرأي العام الأمريكي الداخلي، وهذه قضية يطول شرحها.

الأسئلة عديدة ولا تتوقف ومن بينها ماذا عن تمويل الحلات الانتخابية وماذا عن دور اليمين الأصولي فيها، وما تأثير الحديث الدائر عن عزل ترامب على حظوظ نجاحاته أو العكس؟

إلى قراءة قادمة إن شاء الله.