أفكار وآراء

العقوبات والتدابير البديلة

23 أكتوبر 2019
23 أكتوبر 2019

د. عبدالقادر ورسمة غالب -

Email: [email protected] -

العديد من الدول، وفي سبيل تطوير العقوبات والإجراءات الجنائية، أصدرت قانونا يتناول «العقوبات والتدابير البديلة». وهذه التدابير البديلة الغرض منها أن تحل محل عقوبة «السجن والحبس» وهي متعددة وتشمل العمل في خدمة المجتمع، الإقامة الجبرية في مكان محدد، حظر ارتياد مكان أو أماكن محددة، التعهد بعدم التعرض أو الاتصال بأشخاص أو جهات معينة، الخضوع للمراقبة الإلكترونية، حضور برامج التأهيل والتدريب، إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة. وبالطبع، لكل حالة وضعها وفق المقتضيات.

وفي هذا الصدد نشير إلى أن فقه وفلسفة العقوبة الجنائية لا تبحث عن الانتقام أو التشفي ممن ارتكب الجرم ولكن تهدف أساسا للإصلاح والتأهيل والتدريب ليعود مرتكب الجريمة شخصًا صالحًا لمجتمعه ولنفسه، والإصلاح من أهم أهداف العقوبة. ومما لا شك فيه، أن العمل في خدمة المجتمع كبديل للعقوبة من الخطوات المميزة؛ لأنها تمنح مرتكب الجريمة الفرصة للتآلف والتصالح مع مجتمعه، وذلك بالقيام بخدمة أو بخدمات تعود بالنفع على المجتمع في البداية وأيضا تعود له شخصيا بصفته جزءًا من هذا المجتمع.

وخدمة المجتمع تتمثل في عدة طرق يتم تحديدها للالتزام بتنفيذها وفق المطلوب. ومهما كانت الخدمة بسيطة إلا أن نفعها للمجتمع مباشر ويعود بآثار معنوية ومادية ومجتمعية. وهذا يخلق نوع من الترابط بين المجتمع ومرتكب الجريمة؛ لأنه سيشعر أنه غير منبوذ وغير مكروه، بل أن مجتمعه منحه الفرصة لخدمته وسنده وفق طاقته ومعرفته. وفي هذا الإطار، نشير لضرورة إشراك القطاع الخاص وشركاته لمنح الاعتبار والمشاركة الفاعلة لإحلال التدابير البديلة في تطبيق العقوبة. ومن دون شك، هناك من يمكن الاستفادة من خبراته في الكمبيوتر أو الأمور الفنية أو الإدارية أو غيرها؛ لأن مثل هذه التخصصات قد تكون متوفرة لديهم ويبدعون في تنفيذها. وعبر هذا المنفذ تستفيد الشركات وكل المجتمع. وأيضًا، في عدة حالات، قد يستطيع من صدرت ضده العقوبة القيام بإصلاح الضرر وجبره للحد المقبول للطرف المتضرر، فلماذا يقضي جزء ولو يسير من عمره خلف القضبان بعيدا عن أسرته ومجتمعه.

إنَّ تحقيق العدالة والردع للآخرين أمر هام وحيوي لحماية المجتمع، ولكن هناك حالات تستدعي مساعدة الشخص «المجرم» وتأهيله ليعود لمجتمعه، وفي هذا إصلاح وإعادة الجميع لحضن المجتمع والعمل على فائدته. ولتحقيق هذا، يجوز للقاضي عند الحكم بعقوبة الحبس أن يستبدلها بعد تحديد مدة الحبس بعقوبة بديلة أو أكثر من المنصوص عليها في القانون.

وأيضا يجوز، لكل محكوم عليه بالحبس أو بالإكراه البدني أن يطلب من قاضي تنفيذ العقاب أن يستبدل بتنفيذ، عقوبة الحبس أو الإكراه البدني، عقوبة بديلة أو أكثر من المنصوص عليها في القانون، ويفصِل قاضي تنفيذ العقاب في الطلب بعد سماع أقوال النيابة العامة. ويجوز أيضا، لمؤسسة الإصلاح والتأهيل (وليس مصلحة السجون كما كان سابقا) أن تطلب من قاضي تنفيذ العقاب أنْ يستبدل، بالعقوبة الأصلية المحكوم بها، عقوبة بديلة أو أكثر لمدة تساوي باقي العقوبة أو مجموع العقوبات المحكوم بها. مع العلم أن ذلك يتم إذا توافرت في المحكوم عليه بعض الاشتراطات، من ضمنها أن يكون قد أمضى نصف مدة العقوبة أو العقوبات المحكوم بها، أن يكون حسن السيرة والسلوك، ألا يكون في الإفراج عنه خطر على الأمن العام، وأن يكون قد أدى الالتزامات المالية المحكوم بها عليه من المحكمة الجنائية ما لم يكن من المستحيل عليه الوفاء بها. وفي جميع الأحوال، يفصل قاضي تنفيذ العقاب في الطلب بعد سماع أقوال النيابة العامة.

إنَّ استبدال العقوبات، وفق الإطار القانوني المبين أعلاه، له مزايا لا حصر لها وبدون أي أضرار. وهناك من يقول أن ترتيب بدائل العقوبة يقفل باب «الشر» أمام الكثير من الشباب لأن مجرد دخولهم في السجن قد يعني إضافة شخص جديد لقائمة مرتادي الإجرام ومترددي السجون؛ لأن فترة البقاء الأولى قد تفتح الذهن الإجرامي والملكات الإجرامية التي ربما يستهويها وتجد عنده القبول بسبب النصائح الخطيرة التي وجدها داخل الزنزانات. وقفل هذا الباب مفيد ومريح ويعود بالفائدة لكل المجتمع وفق أحكام القانون والممارسات القضائية السليمة.‌