أفكار وآراء

الصين.. «الديمقراطية الاشتراكية» حطمت المعايير الغربية

16 أكتوبر 2019
16 أكتوبر 2019

مروى محمد إبراهيم -

«لن تتمكن أي قوة من الوقوف في طريق تقدمنا، سنواصل مسيرتنا إلى الأمام» بهذه الكلمات أطلق الرئيس الصيني تشي جينبينج الاحتفالات التاريخية الضخمة بمرور 70 عاما على قيام جمهورية الصين الشعبية.

الاحتفالات شارك فيها أكثر من 15 ألف جندي وعشرات الدبابات المتطورة والعديد من الصواريخ والأسلحة العسكرية المتطورة، فيما يعتبر أضخم استعراض للقوة في تاريخ الصين الشعبية. وتأكيدا لقوة الصين العسكرية التي تعد ثالث أضخم قوة عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا. الأكيد، أن الصين على مدار الـ70 عاما الماضية حققت إنجازات عسكرية واسعة ووضعت أسسا لاستقرار سياسي في الأرض الأم، بالرغم من صداع هونج كونج وتايوان.

يؤكد مارتن جاك الصحفي البريطاني والمعلق السياسي أن القيادات الصينية على مدار 70 عاما نجحت في بناء دولة مستقرة سياسيا تتمتع بحكم جيد ومجتمع موحد ثقافيا، خاصة بعد نجاحها في انتشال حوالي 800 مليون شخص من براثن الفقر والقضاء على الأمية.

احتفالات الصين بالعيد الـ70 لتأسيس الجمهورية حمل طابعا فلكلوريا، فالرقصات والملابس التي تميز الثقافة الصينية القديمة سيطرت على المشهد، وذلك بالتضامن مع حشد ضخم من الجنود الذي يعكس قوة العنصر البشري في الصين، إلى جانب الاستعراض العسكري، لتحمل الاحتفالات رسائل مبطنة للعالم مفادها أن الصين كانت ولاتزال قوة عسكرية لا يستهان بها، كما أنها تحمل تهديدا للخصوم الغربيين من عواقب التدخل في الشؤون الصينية، وخاصة في بؤر التوتر في هونج كونج وتايوان.

الاحتفالات تؤكد أيضا على الطبيعة الخاصة للصين، فهي كما يصفها الحزب الشيوعي الحاكم الصيني بأنها «ديمقراطية استشارية اشتراكية»، وهذا المصطلح يعبر عن نظام الحكم الصيني الذي يعتبر شكلا من أشكال الديمقراطية الاشتراكية. فهي لا تمثل فقط الالتزام بالمبادئ التنظيمية ووضع القيادة للمركزية الديمقراطية، بل تؤكد أيضًا دور عامة الناس في هذه الديمقراطية الفريدة، فهي مظلة سياسية تضم كافة الحركات والتنظيمات السياسية وكافة الطوائف الشعبية.

ووفقًا لمقال نشرته صحيفة «تشاينا توداي» الصينية «تضمن الديمقراطية الاستشارية مشاركة واسعة وفعالة في السياسة من خلال المشاورات التي تجريها الأحزاب السياسية والمجالس الشعبية والإدارات الحكومية ولجان المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني والمنظمات الشعبية والمجتمعات والمنظمات الاجتماعية.

في عام 2012، قال لي تشانج جيان عضو اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب، أعلى هيئة استشارية سياسية في الصين، إنه يجب إعطاء الديمقراطية التشاورية أولوية أكبر في الإصلاح السياسي في الصين، خاصة وأن من السمات المهمة لهذه الديمقراطية الاشتراكية التشاور مع القطاعات المختلفة من أجل تحقيق أقصى توافق في الآراء.

ومع ذلك، فإن الانتخابات هي أيضًا عنصر في الديمقراطية الاشتراكية، على الرغم من أن جمهورية الصين الشعبية غالبا ما يتم انتقادها عن طريق الخطأ في الغرب لعدم إجراء انتخابات، وهذا الخطأ ينبع من سوء فهم للنظام الانتخابي لجمهورية الصين الشعبية.

إذن، فجمهورية الصين الشعبية هي جمهورية اشتراكية يديرها حزب واحد هو الحزب الشيوعي الصيني، برئاسة الأمين العام. تمارس سلطة الدولة داخل جمهورية الصين الشعبية من خلال الحزب الشيوعي والحكومة الشعبية المركزية (مجلس الدولة) وتمثيلها على المقاطعات المحلية.

يتم انتخاب أعضاء مجلس الشعب على مستوى المحافظة من قبل الناخبين، حيث تتحمل المؤتمرات الشعبية على مستوى المحافظة مسئولية الإشراف على الحكومة المحلية وانتخاب أعضاء لمجلس الشعب في المقاطعة (أو البلدية في حالة البلديات المستقلة).

مجلس الشعب بالمقاطعة، بدوره، ينتخب أعضاء في المجلس الوطني لنواب الشعب الذي يجتمع كل عام في شهر مارس في العاصمة بكين. تلعب لجنة الحزب الشيوعي الحاكم في كل مستوى دورًا كبيرًا في اختيار المرشحين المناسبين للانتخاب في المجالس المحلية وما هو أعلى منها.

رئيس جمهورية الصين الشعبية هو أعلى منصب في الدولة. وبموجب دستور البلاد، فإن الرئاسة هي منصب شرفي إلى حد كبير مع سلطة محدودة. ومع ذلك، فمنذ عام 1993، وبشكل توافقي، أصبح رئيس الدولة هو نفسه الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، ليصبح الزعيم الأعلى في نظام الحزب الواحد. وتعتبر الرئاسة رسميًا مؤسسة تابعة للدولة وليست منصبا إداريا ؛ من الناحية النظرية، يخدم الرئيس المؤتمر الوطني لنواب الشعب، وهو المجلس التشريعي، ولا يخوله قانونا اتخاذ إجراء تنفيذي بصلاحياته الخاصة.

منذ عام 1993، أصبح القائد الأعلى للبلاد هو نفسه رئيس الدولة وزعيم الحزب الحاكم والقائد الأعلى للجيش. فهو رجل واحد يقوم بواجبات مختلفة تحت مسميات منفصلة. على سبيل المثال، يلتقي القائد شخصيات أجنبية ويستقبل السفراء بصفته رئيسًا، ويصدر التوجيهات العسكرية كرئيس للجنة العسكرية المركزية، ويدعم حكم الحزب باعتباره الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني.

تم استحداث منصب الرئيس لأول مرة في دستور جمهورية الصين الشعبية في عام 1954، وشغل هذا المنصب كل من ماو تسي تونج وليو شوقي على التوالي، إلا أن ليو كان محور أزمة سياسية خلال الثورة الثقافية، وبعد ذلك أصبح منصب الرئاسة شاغرا. ألغيت الرئاسة بموجب دستور عام 1975، ثم أعيد العمل بها في دستور عام 1982، ولكن بصلاحيات مخفضة.

بين عامي 1982 و 2018، نص الدستور على أنه لا يمكن للرئيس أن يخدم أكثر من فترتين متتاليتين، إلا أنه تم إقرار تعديل دستوري عام 2018 يسمح لرئيس الدولة أن يكون رئيسا مدى الحياة. ففي عهد ماو، وأيضًا منذ عام 2018، لم تكن هناك حدود زمنية تحد من هذا المنصب.

الصين نجحت على مدار الـ 70 عاما الماضية في إرساء خريطة تحالفات ضخمة في آسيا والعالم كله. فعقليتها التجارية والاقتصادية والعسكرية سمحت لها بتشكيل تحالفات ضخمة في المنطقة. وتحالفت مع كافة الدولة التي تعتبر مارقة من وجهة نظر الولايات المتحدة، الخصم الأول والأكبر للصين. فروسيا وإيران من أبرز الدول الصديقة، فلم تعبأ الصين يوما بالعقوبات الاقتصادية والعسكرية التي تفرضها الولايات المتحدة على الدولتين. وما كان منها إلا أن تحالفت معهما عسكريا وسياسيا مما دعم نفوذها في الشرق الأوسط وآسيا. أما تحالفها مع كوريا الشمالية فساعد على دعم نفوذ الصين الإقليمي بعد أن نجحت في ترويض كيان لم تنجح أمريكا في استقطابه، وطالما شكل تهديدا للحلفاء الأمريكيين في المنطقة، وذلك إلى جانب تحالف ودعم الصين المستمر لباكستان.

كما حرصت أيضا على الحفاظ على الروابط الوثيقة مع الدول العربية، فيؤكد السفير محمود حسين الأمين، رئيس بعثة الجامعة العربية ببكين: إن العلاقات بين الجانبين العربي والصيني ومنذ انطلاق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين شهدت تطورًا مذهلًا في كافة المجالات. وتم إطلاق المكتبة الرقمية العربية- الصينية في 2017.

لقد نجحت الصين على مدار العقود الماضية في إرساء نموذجها الخاص، وكتابة قصة نجاح عالمية وتاريخية تضرب بعرض الحائط كافة المعايير الغربية. والأفضل من ذلك، أنها أثبتت أن كل حضارة قادرة على النجاح بمعاييرها ومفاهيمها الخاصة بدون تبني أفكار لا تنتمي لها. النموذج الصيني، حطم معايير الديمقراطية الغربية ووضع نموذجا سياسيا طالما انتظر الغرب انهياره ولكنه نجح في إحباط الغرب وحقق استقرارا نجاحا استمر على مدار عقود طويلة، بل ربما يتجاوز في نجاحه النماذج الأوروبية والأمريكية.