mahmod
mahmod
أعمدة

بيئة موبوءة ببحوث منقولة

16 أكتوبر 2019
16 أكتوبر 2019

د. محمود البلوشي -

[email protected] -

لم تعرف البيئة التعليمية في تاريخها الطويل أزكى وأرقى من البحوث العلمية التي تعد حاليا العنصر الرئيسي في عملية تقييم المتعلمين، وقدرة هذه البحوث في الكشف عن شخصية وهوية وثقافة المتعلم، ومقدرتها أيضا في رفد سوق العمل بخريجين قادرين على التحدث بلباقة ووضوح وثقة، وقادرين أيضا على صياغة وتركيب جمل وعبارات متناسقة ومنمقة.

وقد قرأت في ما مضى من أعوام كيف اصبح القطاع الحكومي العماني والخاص مشبعا بالعديد من الخريجين العمانيين في شتى الوظائف منهم المهندس والطبيب والمعلم والضابط والطيار والممرض الذين وغيرهم يعملون بجد واجتهاد وإخلاص وتفان في دعم المسيرة التنموية العمانية بدأ من عام السبعين إلى اليوم في ظل القيادة السامية لجلالة السلطان قابوس- حفظه الله-، وقد كنت واحدا من المعلمين العمانيين الذي عملوا في وزارة التربية والتعليم خلال عام التسعين أيام الكلية المتوسطة للمعلمين والمعلمات، فكل الشكر والتقدير والاحترام لكافة المعلمين والمعلمات العمانيين والوافدين الذين ساهموا وبجدارة في رفد سوق العمل بمخرجات ذات جودة عالية.

واذكر من ضمن اجتهادات التربويين الأوليين في تدريس مادة اللغة العربية التي كانت تحتوي على فرع من فروعها وهو التعبير، وكانت هناك حصة أسبوعية واحدة يتم فيها تعليم الطلاب على المبادئ والقواعد الصحيحة لكتابة موضوع التعبير الذي كان لا يتجاوز الصفحة الواحدة في الدفتر المدرسي، ويختلف طبعا باختلاف الصف الدراسي، ولكنه كان تعبيرا يمتاز بالسلامة اللغوية والإملائية والدقة في كتابة الحروف باللغة العربية الصحيحة، ولكن تلك الورقة الواحدة سابقا كانت تعمل على تعليم المتعلم بقواعد كتابة التعبير والتأليف، فلا تجد فيها المنصوب مرفوعا والمرفوع مجرورا، بل كانت ورقة تعبيرية تعد من قبل المتعلم نفسه وليست بحثا تم شراؤه من المكتبة بقيمة معينة من الريالات، وهي بحوث عديمة النفع للمتعلم، بل إنها تثقل كاهل ولي الأمر من الناحية المادية وهذا هو الواقع فعلا.

كنت في زيارة لإحدى المكتبات لشراء غرض ما وكانت المكتبة مليئة بالعديد من الزبائن تعرفهم من هيئتهم بأنهم أولياء أمور، حيث تجد كل أب معه ابنه أو كل أم معها ابنتها، فمنهم من يريد بحثا في العلوم وآخر يريد بحثا في التاريخ وآخر يريد بحثا في الجغرافيا وكأنهم في سوق السمك، وصاحب المكتبة يدخل على جوجل ويدخل الموضوع ويعمل له قص ولزق ويقوم بتغيير البيانات ويضع بيانات المشتري الجديد، ويتقاضى عن كل بحث خمسة ريالات، ويأخذ الطالب البحث إلى مدرسته ويسلمه إلى المعلم الذي بدوره يضع العلامة المحددة للبحث!

هكذا هي العملية الحالية تسير وفق هذه الآلية، والعملية مستمرة ومستمرة، سؤالي: أين حراك وزارة التربية والتعليم عن هذا الموضوع؟ إن البيئة التعليمية الحالية بيئة سقيمة عليلة بمخرجات في الصف الثاني عشر لا تجيد القراءة ولا الكتابة، البيئة التعليمية العمانية موبوءة بمخرجات منهارة، ولا أعمم الكلام على الكل، فهناك الصالح والطالح في كل مكان وزمان.

أتذكر أيام زمان كنت أدرس مادة اللغة العربية للصف الرابع، وكنت عندما أخبرهم بأن غدا ستكون لدينا حصة قراءة أجد معظم الطلاب يعيشون في حالة من القلق والخوف من تلك الحصة، كان عدد الطلاب أيامها في الصف الواحد لا يتعدى 34 طالبا، وعندما تبدأ حصة القراءة أكلف اضعف طالب بالقراءة ليمسك الكتاب بيده ويبدأ بالقراءة، وعندما أسحب الكتاب من بين يديه أجده بأنه حافظ الدرس عن ظهر قلب مع العلم بأنني لم أطلب منه حفظ الدرس! ولكنه حفظه بأكمله من شدة خوفه، وخلال يومين أجد كل طلاب الصف يقرأون الدرس قراءة سليمة جهرية بالتشكيل السليم، وهكذا الحال مع بقية المواد الأخرى.

إنني لا أتطرق لعمل مفارقة بين السابق والحالي، فالحالي ممتاز وفوق الممتاز، ولكن هناك العديد من الشوائب التي يجب على الأسرة التربوية في الوزارة التطرق إليها ومعاودة النظر فيها حتى نعمل يدا بيدا لمكافحة تفشي الأوبئة في البيئة التعليمية الحالية.