أفكار وآراء

إفلاس شركة «توماس كوك»

09 أكتوبر 2019
09 أكتوبر 2019

د. عبدالقادر ورسمة غالب -

في الآونة الأخيرة كثرت دعاوى الإفلاس حتى وسط الشركات والبيوتات العريقة والمعروفة للجميع. وموضوع الإفلاس يحتاج للدراسة المتأنية لمعرفة الأسباب والمبررات، وأيضًا للاستفادة من تجارب وهفوات الآخرين. إنَّ إفلاس الشركات يسبب مضايقات عديدة لعدة جهات على رأسها الشركة نفسها والعاملين فيها وأصحاب المصالح المرتبطة. وبالرغم من تطور القانون في ما يتعلق بأمور الإفلاس وطرح العديد من المعالجات لتدارك الأوضاع، إلا أن الإفلاس عندما يأتي قد يأكل الأخضر واليابس ويسبب أضرارًا جسيمةً لا حصر لها.

قبل أيام تفاجأ العالم عندما أعلنت شركة السفر والسياحة البريطانية «توماس كوك»، المصنفة من أقدم شركات السفر والسياحة في العالم، انهيارها وإفلاسها. هذا تم -ويا حسرة- بعد محاولات عديدة وجادة لإنقاذ الشركة من ديون ومتأخرات مستحقة عليها من عدة بنوك وجهات أخرى. وفي بيان صريح، قالت الشركة: إن عدة محاولات جرت بين مساهمي الشركة ومجموعة ممولين لإنقاذها من الانهيار، إلا أنه كان لا بد من إشهار إفلاس الشركة بسبب تعثر الوصول لنتائج مرضية لجميع الأطراف المعنية وربما تعنت بعضهم وعدم تعاطفهم مع الشركة وظروفها.

وفي بيان الشركة الذي أحدث دويا كبيرا في صناعة السياحة والطيران والعطلات، ذكرت أنها قررت الإعلان عن تصفية إلزامية إجبارية يبدأ تنفيذها على الفور وفق القانون، باعتبار أن هذا يعتبر من أفضل الحلول المطروحة على المساهمين. وورد في الأخبار، أن مساهمين وممولين عقدوا اجتماعًا، لتوفير تمويل في حدود 250 مليون دولار لإنقاذ الشركة من التعثر، ولكن دون فائدة تذكر. مع العلم أن شركة «توماس كوك» العريقة طلبت إجراءات إنقاذ مالي من الحكومة البريطانية دون التوصل إلى اتفاق بين الطرفين. ونستغرب لهذا التصرف لأنه، وفي حالات عديدة مشابهة، تتدخل الحكومات لإنقاذ شركاتها ذات الشهرة العميقة لأنها تمثل جزءًا من تراث وثروات البلد.

شركة السفر العالمية «توماس كوك» تأسست عام 1841 وتتجاوز مبيعاتها السنوية المليارات من الدولارات لأنها تقدم الخدمات لملايين الزبائن من كل أرجاء لعالم. وهذا الإفلاس «يزيد الطين بلة» لأنه يأتي في وقت تشهد فيه شركات الطيران العالمية العديد من التحديات المالية بسبب ازدياد المنافسة بين الشركات، وارتفاع أسعار الوقود، إضافة لأسباب أخرى لها علاقة بتذبذبات أسعار الصرف. ولكل هذا آثار ضارة جدًا على حركة السياحة العالمية التي تعتمد عليها الكثير من البلدان لدعم مراكزها المالية وزيادة الدخل وتحريك العمالة وغيره.

وبسبب التطورات الخاصة بالإفلاس، طلبت الشركة تعليق أسهمها من الإدراج والتداول في بورصة لندن على الفور، وهذا إجراء قانوني سليم لحماية المستثمرين في الأسواق المالية والبورصات ولتجنب انتقال العدوي للآخرين المحتملين وحماية أموالهم من الضياع. وقال الرئيس التنفيذي إن الشركة عملت لحل المشكلات العالقة لتأمين مستقبل الشركة إلا أن الأمور ساءت، وأنه يتأسف لهذا ويقدم الاعتذار للزبائن والموظفين والموردين والشركاء الذين ساعدوا لشركة منذ سنوات عديدة. والإفلاس سيطوي كل التاريخ الناصع لهذه الشركة التي جابت كل أطراف العالم في خدمة السياحة والسفر وساهمت في ربط كل العالم مع بعض في مشاعر جميلة وعطلات لا تنسى. ولتتعظ الشركات الأخرى من هذه الحالة حتى لا تجد نفسها أمامها دون استعداد.