أفكار وآراء

أوجاع العالم على منصة الأمم المتحدة

01 أكتوبر 2019
01 أكتوبر 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

مثلت كلمة السلطنة في الدورة الرابعة والسبعين للأمم المتحدة المبادئ والثوابت الراسخة التي تسير عليها السياسة الخارجية ما يقارب من نصف قرن وهي تتمثل في ضرورة إحلال السلام وفض المنازعات من خلال آلية الحوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين والتعاون وتبادل المصالح وهي مبادئ أن طبقت يمكن أن نتحدث عن اختفاء وحل الكثير من أوجاع العالم خاصة وأن هذه الثوابت تنسجم مع ما تدعو إليه مبادئ الأمم المتحدة.

شهدت الدورة الرابعة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة مثل كل عام حشدا كبيرا من قيادات العالم وديبلوماسييها من خلال استعراض مواقف الدول السياسية تجاه مختلف قضايا العالم وخاصة مناطق النزاعات والحروب التي لا تزال تمثل أوجاعا للعالم وحضارته الحديثة كما أن الاجتماعات الجانبية بين القيادات مثلت زخما كبيرا لإيجاد حلول لتلك النزاعات أو التوترات التي أصبحت تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين.

اذكر لحظات الانبهار الأولى عندما دخلت هذه المنظمة الدولية في نيويورك كصحفي عام 1989 ومسؤولي الأمم المتحدة يشرحون لنا مبادئ الميثاق خاصة دور مجلس الأمن الدولي والأجهزة الأخرى ذات العلاقة بالعمل الإنساني والاجتماعي وقضايا حقوق الإنسان ومع مرور السنوات ولأكثر من ثلاثة عقود نرى أن دور الأمم المتحدة تضاءل كثيرا من خلال تزايد الصراعات والحروب في أجزاء عديدة من العالم خاصة في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط مع وجود التوتر في منطقة الخليج والتنافس على النفوذ بين القوى الدولية.

وعودة إلى منصة الأمم المتحدة فإن كلمة السلطنة التي ألقاها معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية مثلت المبادئ والثوابت الراسخة التي تسير عليها السياسة الخارجية ما يقارب من نصف قرن وهي تتمثل في ضرورة إحلال السلام وفض المنازعات من خلال آلية الحوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين والتعاون وتبادل المصالح وهي مبادئ أن طبقت يمكن أن نتحدث عن اختفاء وحل الكثير من أوجاع العالم خاصة وأن هذه الثوابت تنسجم مع ما تدعو إليه مبادئ الأمم المتحدة.

التناقضات الدولية

لا شك أن الخطب والكلمات التي يلقيها قادة الدول وممثلوها تعكس مواقف تلك الدول وتوجيه رسائل إلى الدول الأخرى ومع ذلك فإن المحصلة النهائية وتأثيرها أحيانا قد لا يتعدى منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة لأن الجميع تحدث عن السلام ولكن دون تطبيق وليس هناك آليات في الأمم المتحدة لمتابعة ما قيل من مرئيات حول عالم خاليا من الصراع وإنهاء أوجاع العالم والتي تحتاج إلى حلول واقعية.

فالمنطقة العربية الآن هي الأكثر اشتعالا بالحروب من اليمن وسوريا وليبيا مرورا بالتطورات الخطيرة في منطقة الخليج من خلال المواجهات البحرية وتهديد الملاحة ومن هنا فإن تناقض الدول الكبرى يبقى واضحا من خلال عدة محطات لعل في مقدمتها تدفق السلاح على منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير من خلال الأرقام فدول المنطقة الغنية أنفقت أكثر من ثلاثة تريليونات دولار خلال النصف القرن الماضي وهو مبلغ ضخم كان من الممكن استثماره في قضايا التنمية للمنطقة وللدول النامية ومن هنا فإن المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة لا يمكنه التوقف عن بيع السلاح لأسباب اقتصادية ووظيفية كذلك الحال في بريطانيا وفرنسا ومن هنا فإن تناقض الدول الكبرى يبقى واضحا فهي من جانب تتحدث من على منصة الأمم المتحدة عن ضرورة وقف الصراعات والحروب بهدف إرسال إشارة إيجابية إلى منظماتها المدنية والحقوقية والبرلمانات ومن ناحية أخرى فهي تقول للعالم بأنها تبذل جهودا سياسية لفض النزاعات في العالم.

ولقد عانت القضية الفلسطينية الأمرين من خلال مواقف واشنطن السلبية حيث تم ربط الموقف السياسي الفلسطيني بتدفق المساعدات على منظمة غوث اللاجئين المعروفة باسم الأنروا وعلى ضوء ما حدث في نيويورك فإن الصورة تبدو رمادية وسوف تستمر أوجاع العالم مرورا بالحروب في المنطقة العربية مرورا بمشاكل الأقلية المسلمة في شرق الصين ومينامار وانتهاء بالصراعات في أفريقيا وأمريكا اللاتينية والتوتر بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير كما ستظل قضية العرب المركزية تراوح مكانها في ظل اقتراب الانتخابات الأمريكية العام القادم وفي ظل المشكلات الداخلية التي تواجه الرئيس الأمريكي ترامب.

وعلى ضوء اجتماعات نيويورك فإن العلاقات الثنائية بين الدول من خلال الاجتماعات قد تكون هي الخطوة الأهم خاصة بين الدول ذات الواقعية السياسية كالسلطنة والتي ترسخ علاقاتها مع دول العالم وأصبحت من الدول التي يشار لها بالبنان وهي تبذل جهودا سياسية متواصلة لإحلال الاستقرار في منطقة الخليج وفتح حوار مجدد بين طهران وواشنطن وأيضا إيجاد المزيد من الشراكات الاقتصادية مع المجموعات الدولية.

الأمم المتحدة إلى أين

لابد من الاعتراف بأن النظام الدولي الحالي قام على أساس الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وهي التي تحتل الآن العضوية الدائمة في مجلس الأمن علاوة على الصين وعلى ضوء ذلك فإن هاجس التفوق لا يزال حاضرا في أهم جهاز للأمم المتحدة حيث يتم تشكيل القرار السياسي حول مختلف القضايا والنزاعات التي تمثل وجعا للشعوب وعلى ضوء الخلافات بشكل خاص بين واشنطن وموسكو تصطدم تلك الخلافات بالوصول إلى قرارات ملزمة تنهي تلك الصراعات وهذا ما جعل فاعلية مجلس الأمن خلال السنوات الأخيرة غير فاعلة عكس الأمر في الجمعية العامة والتي يمكن الوصول إلى الأغلبية خاصة من خلال حشد أصوات أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والمندرجة تحت اسم مجموعة 77 أو عدم الانحياز وقد حققت هذه المجموعة اختراقا كبيرا لعدد من القضايا الأساسية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وصدرت عدد من القرارات ضد الكيان الإسرائيلي ولكن كما هو معروف فان قرارات الجمعية العامة ليست ملزمة ويعج أرشيف الأمم المتحدة بمئات القرارات غير النافذة وهو أمر أضعف هذه المنظمة الدولية كثيرا.

وهناك جدل كبير يدور حول صلاحية النظام الدولي الحالي ودور الأمم المتحدة الذي لم يستطع خلال أكثر من سبعة عقود أن يجد حلا عادلا للقضية الفلسطينية من خلال تطبيق قرارات مجلس الأمن الملزمة وهذا الأمر يثير المزيد من الشك حول مستقبل هذه المنظمة الدولية وقد تتحول إلى منتدى حواري في نهاية المطاف لتسجيل المواقف ومن ثم المغادرة علاوة على ذلك فإن الولايات المتحدة وهي بلد المقر أصبحت تستغل المنظمة الدولية من خلال التضييق في إعطاء التأشيرات للوفود الديبلوماسية وحتى تحركاتها في مدينة نيويورك ولعل هناك أمثلة في الإطار واجهتها إيران وروسيا وفنزويلا.

حسب اتفاقية المقر فإن الأمم المتحدة هي أرض دولية بعد أن تم منح الأرض من قبل الملياردير الأمريكي روكفللر ومن هنا لا يمكن للولايات المتحدة أن تخلط بين مواقفها السياسية وحرية الحركة للوفود خلال انعقاد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي تصوري أن تكرار ذلك قد يحفز عددا من الدول إلى نقل المقر إلى دول محايدة كسويسرا مثلا.

التغطية الإعلامية

من المشاهد التي تم رصدها في الدورة رقم 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة هي التغطية الواسعة والأحاديث الصحفية لرؤساء الوفود وقد برزت القنوات الإخبارية الدولية في هذا المجال علاوة على دور شبكات التواصل من خلال إيصال الرسائل حيث التغريدات التي يطلقها ترامب وآخرون ولعل المشهد الأكثر إثارة الذي حدث في نيويورك هو إثارة موضوع المكالمة الهاتفية المسربة من رجل المخابرات الأمريكية بين الرئيس ترامب والرئيس الأوكراني وهو الأمر الذي أشعل وسائل الإعلام الأمريكية.

لقد كان الأمر مزعجا للرئيس ترامب خلال مؤتمره الصحفي في نيويورك وهو يتحدث عن الاتفاق الزراعي مع اليابان لتأتي تلك الأخبار السيئة من واشنطن حيث يتربص الديموقراطيون بأي هفوة من ترامب في إطار الصراع الحزبي ليتحول المشهد الإعلامي المثير من نيويورك إلى واشنطن حيث أعلنت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي عن إجراءات التحقيق مع الرئيس التي قد تفضي إلى عزله. وهذا الموضوع أصبح حديث الأوساط السياسية والإعلامية في واشنطن والعالم وقد يتجه تدريجيا إلى نفس سيناريو ووترجيت مع الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون والذي استقال في نهاية المطاف قبل إعلان عزله من قبل الكونجرس. وسوف تظل الأمم المتحدة رغم عدم فاعليتها الأمل الذي من خلال إعادة هيكلتها ودورها وتوسيع عضوية مجلس الأمن قد تتجه إلى مزيد من الفاعلية لإيجاد عالم مستقر بعيدا عن الأنانية السياسية في ظل تواصل أوجاع العالم خاصة في الدول النامية والتي تبحث شعوبها عن حياة أفضل.