الملف السياسي

مجلس الشورى نموذجا يحتذى به في المشاركة السياسية

30 سبتمبر 2019
30 سبتمبر 2019

د. أحمد سيد أحمد -

تعد انتخابات مجلس الشورى العماني (الفترة التاسعة 2019-2023) والتي تجرى في السابع والعشرين من أكتوبر، لبنة جديدة في جدار التجربة الديمقراطية والسياسية العمانية والتي تمثل نموذجا فريدا يحتذى به في مضامينه وتفاعلاته وتطوراته ويختلف عن التجارب البرلمانية في الكثير من دول العالم، كما تحمل انتخابات الفاترة التاسعة العديد من الدلالات وتكتسب أهمية كبيرة من عدة زوايا:

أولا: إن تجربة مجلس الشورى العماني تأتي في سياق الخصوصية التي تتسم بها التجربة السياسية العمانية والتي ترتكز بشكل أساسي على المزج بين الأصالة والقيم والخصوصية العمانية التي تجسد هوية المجتمع وعاداته وحضارته الراسخة عبر العصور، وبين المعاصرة والانفتاح على التجارب السياسية والديمقراطية في العالم والأخذ منها بما يتواكب والخصوصية العمانية وبما يساهم في تحقيق النفع والصالح العام.

ثانيا: كما أن تجربة مجلس الشورى تسير بشكل متدرج ومتطور يتلاءم وتطور المجتمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث شهدت عمان تأسيس المجلس الاستشاري للدولة عام 1981 واستمر إلى عام 1991، وفى عام 1997 تم إنشاء مجلس عمان الذي يضم مجلس الشورى ومجلس الدولة، كما شهد مجلس الشورى تطورا في صلاحياته وآليات تشكيله، حيث تدرج من التعيين إلى الانتخاب، كما أصبحت المرأة لها حق الترشح إضافة إلى حق الانتخاب بشكل متساو مع الرجل، كما شهد المجلس تطورا في صلاحياته بعد التعديلات التي أجراها السلطان قابوس بن سعيد في عام 2011 وقيامه بإعطاء المجلس صلاحيات تشريعية ورقابية، كما شهد المجلس تطورا على مستوى المشاركة السياسية وتزايد أعداد من لهم حق الانتخاب والذين وصل عددهم إلى 611 ألف ناخب، كذلك تطور على مستوى دوره في إعداد القوانين والتشريعات والتعاون مع مجلس الدولة، كذلك حدث تطور على مستوى تطور البرامج ونظام الانتخابات، حيث أصبح التصويت الإلكتروني متاحا في الانتخابات، ولذا فإن انتخابات 2019 لمجلس الشورى تختلف بشكل كبير عما سبقها من الفترات السابقة خاصة فيما يتعلق بصلاحيات ودور المجلس وأعداد الناخبين والمرشحين.

ثالثا: إن تطور تجربة مجلس الشورى يعكس حرص القيادة العمانية على تدعيم وتفعيل المشاركة المجتمعية في اتخاذ القرار وبناء مستقبل عمان في مختلف المجالات، عبر المشاركة الفاعلة للمواطنين سواء الناخبين أو المرشحين، وذلك في إطار الدور المهم الذي يلعبه مجلس الشورى في مجال سن التشريعات التي تلبى تطلعات المواطنين في مختلف المجالات والقطاعات وأمور الحياة اليومية وتستهدف أن تكون مخرجات القرارات الحكومية متوافقة مع متطلبات التنمية واحتياجات المواطنين، ولذلك تأتي التشريعات والقوانين في إطار تحقيق الصالح العام ووفقا لسلم الأولويات المجتمعية وكذلك أولويات التنمية والنهضة الشاملة التي تشهدها عمان في كافة المجالات، ولذلك فإن مسار ترسيخ المشاركة المجتمعية في صنع القرار عبر مجلس الشورى تسير مع مسارات النهضة العمانية الأخرى بشكل متواز ومتكامل، حيث ينطلق قطار التنمية والنهضة والتطور الاقتصادي وهو ما انعكس في الطفرة التنموية الكبرى العمانية في كافة المجالات والقطاعات الاقتصادية والمشروعات العملاقة في الدقم وصلالة وسحار وغيرها، مع مسار النهوض بالإنسان العماني خاصة في مجال التعليم والصحة، وتوفير كافة الخدمات المختلفة من كهرباء وبنية أساسية وغيرها، لتؤكد خصوصية وميزة التجربة العمانية، ولذا فإن مجلس الشورى يلعب دورا مهما في الحياة العمانية وفي تدعيم النهضة الشاملة والتنمية المستدامة.

رابعا: ساهم مجلس الشورى منذ إنشائه في 1997 وعلى مدار أكثر من عقدين من الزمن في تطور الحياة السياسية العمانية وفى إصدار العديد من التشريعات المهمة التي تمس عصب الحياة اليومية العمانية وهموم وقضايا وطموحات المواطنين، كما لعب دورا مهما في إطار دوره الرقابي على القرارات والسياسات الحكومية وإقرار الميزانيات المختلفة ومناقشة أولويات العمل التنموي والاجتماعي والمساهمة في تعظيم الاستفادة من موارد الدولة، كما اتسمت مناقشاته بالهدوء والرزانة وإعلاء المصلحة العليا على أية اعتبارات شخصية أو فئوية أو جهوية، وهنا يمكن القول أن تجربة مجلس الشورى العماني تعتبر نموذجا فريدا لأنها تحقق الهدف الحقيقي من التجربة البرلمانية وهو تعظيم المشاركة المجتمعية ومشاركة المواطنين في صنع القرار وفى صنع مستقبل بلدهم، ولذلك اتسمت التجربة بالهدوء والحكمة والعقلانية والابتعاد عن الصخب والجدل الذي تشهده التجارب البرلمانية الأخرى في العالم بما فيها الدول الديمقراطية الغربية، التي غالبا ما نشهد فيها ظواهر سلبية عديدة من العراك السياسي بين المرشحين أثناء الحملات الانتخابية والذي يصل إلى حد السباب والشتائم والخروج عن القواعد والأعراف المعروفة وتطال الأمور الشخصية للمرشحين، كذلك العراك بين أنصار المرشحين خاصة في ظل خطابات سياسية وإعلامية تغذى الاستقطاب والانقسام بين المواطنين ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى سقوط قتلى وجرحى أثناء الانتخابات وقبلها، كما تشهد هذه التجارب الغربية ظواهر سلبية مثل ظاهرة المال السياسي والتأثير على اختيارات المواطنين. أما التجربة العمانية فإنها تحقق فلسفة الانتخابات وهي أنها وسيلة وليست غاية، فالانتخابات وسيلة وأداة لتحقيق مشاركة المواطنين في مستقبل بلدهم، ولذا تنعدم الظواهر السلبية التي تشهدها الانتخابات البرلمانية في الكثير من دول العالم وتسيئ إلى الديمقراطية وتعتبرها غاية في حد ذاتها، فقد أظهرت تجربة الفترات الثمانية السابقة تنافسا حميدا وإيجابيا بين المرشحين وأنصارهم بما يعكس الرشادة السياسية والنضج لدى المرشحين والناخبين خاصة في ظل توفير الدول العمانية كل المقومات والمتطلبات التي تساعد في إخراج العملية الانتخابية في أبهى صورة ليعبر بحق عن عرس ديمقراطي يساهم في تطور المجتمع ويدعم نهضته التنموية والاقتصادية.

خامسا: عكست أيضا تجربة السنوات السابقة لمجلس الشورى وعيا مجتمعيا متزايدا سواء من جانب المرشحين أو من جانب الناخبين، ومن المهم أن تستمر حالة الوعي المجتمعي من الجميع، فمن ناحية المرشحين تبرز أهمية أن يرتقي المرشحين لمستوى المسؤولية وإدراك أهمية مجلس الشورى ودوره السياسي والتشريعي والرقابي وان يدرك المرشح أن مجلس الشورى يختلف عن المجلس البلدي، الذي يتناول قضايا محلية وتفاصيل ترتبط بالمناطق واحتياجاتها وهي تختلف من منطقة لأخرى، بينما مجلس الشورى يعالج القضايا الاستراتيجية الخاصة بالدولة العمانية، كذلك أهمية إعلاء المصلحة العليا على أية مصالح شخصية أو فئوية، كذلك من المهم التزام المرشحين بالقواعد التي تحكم العملية الانتخابية خاصة فيما يتعلق بالدعاية الانتخابية وأماكن وضع ملصقات الدعاية واستخدام الميكرفونات وغيرها، كذلك تحرك مواكب المرشحين في الشوارع والأماكن العامة. وفى المقابل فإن المواطن أو الناخب يقع عليه العبء الأكبر في اختيار المرشح الذي تتوافر فيه الشروط التي تحقق المصلحة العامة سواء فيما يتعلق بكفاءته ونزاهته وأخلاقه وكذلك سجل إنجازات وبرنامجه الانتخابي وقدرته على توليد الأفكار والمساهمة بإيجابية في مناقشات مجلس الشورى، كذلك تنحية الاعتبارات والانتماءات القبيلة والجهوية وإعلاء المصلحة القومية والعامة في عملية اختيار المرشحين، كذلك التأكيد على القيم التي سادت خلال الانتخابات السابقة المتعلقة بالحفاظ على مفاهيم وقيم التنافس والاختلاف وليس الخلاف الذي يصل للصدام، وإنما التنافس الحر الذي يثري التجربة الانتخابية ويساعد في اختيار أفضل العناصر في مجلس الشورى بما يعزز مسيرة التنمية والنهضة الشاملة التي تسير فيها عمان وشكلت نموذجا فريدا يحتذى به في كثير من دول العالم سواء في بعده الاقتصادي والتنموي أو في بعده السياسي وتجربة مجلس الشورى أو في بعده في السياسة الخارجية العمانية، وكلها تؤكد أهمية انتخابات الفترة التاسعة لمجلس الشورى والتي تتزامن مع العيد الوطني التاسع والأربعين في الثامن عشر من نوفمبر المقبل والذي يتوج مسيرة نصف قرن من التجربة التنموية والنهضة الشاملة العمانية.