1318536
1318536
المنوعات

جدلية المرأة والتنمية بين إعاقة العادات الثقافية الاجتماعية والتحديث والتمكين

27 سبتمبر 2019
27 سبتمبر 2019

«المرأة والتنمية» لجمال السويدي يبحث في:-

د.أم السعد مكي -

يبحث كتاب «المرأة والتنمية» للدكتور جمال سند السويدي، مدير مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، عن ميكانيزمات لفض علاقة الاشتباك بين هذه الثنائية، والتي في حال نجحت صنعت «الفرق» الاقتصادي والاستراتيجي، وفشلها يشكل عبئا مجتمعيا، ويذهب عميقا لتجلية رواسب الموروث الاجتماعي- الثقافي كمثبط لدور المرأة، وكذا نظرة «الأصوليين» الذين كبلوها بقيود رفعها الإسلام منذ خمسة عشرة قرنا، ومع ذلك يتطلع بتفاؤل كبير إلى متغيري التعليم، والقيادات السياسية بأن تصنع الفرق، بالنظر لما يشهده الخليج العربي من مشاركة فعَّالة للمرأة، متجاوزة «نصف المجتمع» إلى صانعة «التمكين».

التنمية والمرأة بين

العالم الثالث والخليج العربي:

حمل كتاب «المرأة والتنمية» هاجس البحث في العلاقة التبادلية بين المرأة وعملية التنمية، وانعكاسات جهود التنمية مع ما شهده العالم من تحديث وتطور، وتظهر العلاقة وثيقة جدا بينهما بناء على ما توصل إليه الدارسون كنتيجة حتمية مفادها «أن لا تنمية حقيقية دون مشاركة فاعلة للمرأة»، وبالمقابل «لا توجد تجربة تنموية دون استفادة المرأة من ثمارها لتحسين أوضاعها، ومنه انعكاس ذلك في عمليات التطوير والتحديث، على اعتبار أن التنمية تتطلب تضافر جهود جميع فئات المجتمع ومن الجنسين.

قارن الدكتور السويدي تشخيص واقع المرأة بين الدول النامية، المتقدمة، والخليج العربي، واستند لتقارير منها المؤتمر العالمي للسنة الدولية للمرأة الذي كشف عن أن «ثلثي أرباع البشر أكثرهم نساء يواجهون مشكلات اجتماعية واقتصادية، وهي أكثر تأثرا بالتنمية المتفاوتة السائدة في العلاقات الاقتصادية الدولية»، لذلك «لا بد أن تكون جزءا من المشروع العالمي لإقامة نظام اقتصادي جديد، خاصة وان 46 بالمائة يشكلن جزءا من القوى العاملة، وأن 65 بالمائة منهن بالدول النامية، وهي أرقام حافظت على معدلها منذ منتصف السبعينيات، واللافت أن إسهامها «كبير» في الاقتصاد الوطني والتنمية، «غير أنه غير مُعترف به».

اعتبر أن القيود الثقافية، والمسؤوليات الأسرية مثبط لتوظيف الإناث، ومعاناتهن في ربع الشقاء الدائم، مستدلا بكون «النساء في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء يقضين ما يقارب 40 مليار ساعة سنويا لجلب الماء»، دون احتساب زمن إنجاز باقي الأعمال «الشاقة»، و«غير المدفوعة الأجر»، ويتطلع لدور التعليم والإعلام الجماهيري في إحداث تغيير اجتماعي، والمواقف التقليدية، وصورة المرأة «المهينة».

«خصوصية» التجارب التنموية تحد من إطلاق أحكام شاملة:

ناقش الكتاب ما أسماه «خصوصية التجربة التنموية»، النابعة من كل مجتمع المُطبَق لها، وما تفترضه عملية البحث للوقوف على جهود الدول في تحقيقها من ضرورة إجراء دراسات مقارنة بين المجتمعين التقليدي والحديث، لمعرفة معيقات التنمية من حيث «مشاركة المرأة»، حيث بيَّن أن «المقاربات التنموية في الدول الغربية لا تتكرر في أجزاء العالم، وأن جوهر الإشكال التنموي، ومسببات إعاقة مشاركة المرأة في سيرورة التطوير والتحديث المجتمعي تكمن فيما «إن كان ثمرة تقبُل ثقافي- اجتماعي لمشاركة المرأة ، وانعكاس ذلك في سلوكيات المجتمع، مشيرا إلى تجاوز هذا العائق بالمجتمع الخليجي، محققا خطوات معتبرة وواضحة وسريعة، ومرد ذلك للقيادات السياسية.

المرأة وإشكالية القوى العاملة:

اعتبر السويدي، بأن الاهتمام بمشاركة المرأة في «القوى العاملة» يذكيه دافع اقتصادي، حيث تطمح الحكومات الخليجية إلى تقليص القوى العاملة الأجنبية، ما جعل تمكين المرأة «ضرورة»، وبلغة الأرقام يجلي ذلك من حيث أنها أولاً تسجل (أدنى) المعدلات عالميا، رغم التطورات والتحديث، وفقا لمؤشر صندوق النقد العربي الذي لم يزد عن 21 بالمائة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بسبب طبيعة المجتمع، وإسناد مهام لا تُؤجر المرأة عليها وفاقدة للعوائد الاقتصادية.

كشف الدكتور السويدي، عما اسماه «أنشطة تزيد من رخاء الأسرة» على حساب اقتصاد الدول، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها المرأة العربية، والساعات الطويلة التي تصرفها في أعمال «غير مدفوعة لأجر»، مشيرا إلى أن «المرأة تنفق بين ضعفين إلى 10 أضعاف وقت الرجل في أعمال غير مدفوعة الأجر»، وهو هدر كبيرا لطاقتها، ومسبب لغياب أي اثر لها في اقتصاد الدولة.

ولفت الانتباه إلى التركيز على إطارين لنظريات التنمية: «المرأة في التنمية» و«المرأة والتنمية»، إغفال كبير لنظرية «الجنس والتنمية» ميدانيا، رغم أنها تعتبر أساس «التمكين»، وما تتسم به من شمولية، ومسعاها لتحقيق «المساواة»، ولذلك قال بأن «النساء وكيلات تغيير ولسن مجرد متلقيات سلبيات»، بالموازاة مع ما جاء به النظام الاقتصادي من أفكار تشير إلى «تأنيث الفقر» عالميا وعربيا، نتيجة التقاليد وتشجيع الفجوة بين مشاركة المرأة والرجل اقتصاديا، مضاف له حُظوة الرجل من المسؤولية مقابل تبعية المرأة له.

فضلا عن ذلك فإن تشخيصه لحالة الدول العربية بين أن عدم إحداث هيكلة أسرية، وإعادة توزيع الأدوار لدمج المرأة بسوق العمل، مكامن الخلل بالمجتمع، مع ما تعانيه المرأة من فقر، أمية، وتدني المكانة الاجتماعية، مع خصوصية الحواجز الثقافية بالخليج العربي «سابقا» وما سببته من تدني مشاركة المرأة، غير أن القيادات السياسية استدركت ذلك، وبقيت حسبه عملية دمج المرأة في القوى العاملة غير حاسمة لتحسين وضعها، ومرهونة بإزالة مختلف العقبات الاجتماعية والثقافية.

التقنية ودعم مشروع

«التنمية المؤنث»:

ربط المؤلف أهمية جهود المرأة بعصر التقنية كحتمية ورافد مساعد على دمجها بالمشروع الاقتصادي، وربطها بقوة بتحسين ظروف التعليم، وإكساب المرأة مهارات لتحقيق مشاركتها اقتصاديا، سياسيا واجتماعيا، وطالب المرأة أن تناضل «بوعي» لتحقيق التساوي في الفرص والمكافآت المالية، وتتجاوز مخاوف إنقاص تمثيلها خاصة في«اتخاذ القرار»، وربط تحسين واقعها بالنضال من اجل التغيير.

ركَز الدكتور السويدي على تأثير عملية «التحديث» في واقع المرأة، والتغييرات المرجو أن تحصل متكئا على متغيرات: التعليم، الدين، العمل، العادات الاجتماعية والدينية، للوصول إلى نتائج تؤكد أو تنفي إذا ما كانت ستسهم في زيادة مشاركة المرأة في مختلف الأنشطة، وعلى رأسها الاقتصادية، أو في انخفاضها.

الإسلام حرر المرأة منذ 15 قرنًا والأصوليون أعادوا تقييدها:

اعتبر الدكتور السويدي (الدين) متغيرا رئيسا يبرز دور المرأة متصلا بسياق تاريخي ممتد، وكذلك مرهونا بالهويات التي لم تظهر بدافع التنمية الاجتماعية بما فيها تنمية المرأة، مسجلا رفضا قاطعا لتبني النظريات الغربية مما تسبب في عدم تحقيق التنمية، نتيجة «الايديولوجيا الرومانسية بالحنين إلى الماضي خاصة في عهد النهضة الإسلامية.

أما مسألة (التمكين) كمؤشر قوى على تقدمية المجتمع، فدعت لإجراء مقارنة بين فترة صدر الإسلام، وتعامله مع المرأة والمكانة التي احتلتها، وبين الفترات التالية والتي جانبت التقاليد ما نص عليه القرآن والسنة، متسائلا إن أسهم الإسلام في تشكيل مواقف المجتمع تجاه المرأة، أو أعاق مشاركتها، وإن شجعتها التقاليد الدينية على أداء دورها الاقتصادي- الاجتماعي، أم أعاقتها، وخلص للقول بأن عدم المساواة بين الجنسين سببها تشويه لفحوى الدين باستغلال «الأصوليين»، ومن نشروا مفهوم «خصخصة الدين»، مميزًا بين مكانة أهّلها إياها الإسلام منذ نحو 15 قرنا، وتحريرها من القيود، وتفسيرات رجال الدين الذين أعادوا تكبيلها بقيود، وروجوا صورة سلبية لها.