الملف السياسي

بين تصريحات نتانياهو والمأزق السياسي

23 سبتمبر 2019
23 سبتمبر 2019

عوض بن سعيد باقوير صحفي ومحلل سياسي  -

في ظل تاريخ الشعوب فإن الشعب الفلسطيني هو الذي يقرر مسار قضيته العادلة وسوف يكون ترامب ونتانياهو جزءا من الماضي السلبي بعد سنوات قليلة وسوف يبقى الشعب الفلسطيني مناضلا ومدافعا عن ثوابته الوطنية، ومن هنا فإن سياسة التصريحات الجوفاء التي تطلق من تل أبيب وواشنطن لا قيمة لها على ضوء معايير القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام.

قبل الانتخابات الاسرائيلية التي انتهت مؤخرا بنكسة سياسية لنتانياهو كان من الطبيعي ان تكون هناك دعايات انتخابية غير مألوفة تتعلق بدغدغة مشاعر الناخبين في إسرائيل وهو الحديث عن ضم غور الأردن وجزء مهم من الضفة الغربية وكان نتانياهو على ثقة بأن ذلك كفيل بإعطائه فوزا مريحا يضمن له تشكيل الحكومة الإسرائيلية ومع ذلك تفوق رئيس حزب ابيض ازرق على حزب الليكود بفارق عدة أصوات، كما حصلت القائمة العربية على 12 صوتا مما جعل الليكود الذي يترأسه نتانياهو في مأزق حقيقي.

ان ضم غور الأردن وجزء من الضفة الغربية في فلسطين المحتلة يتطابق مع إجراءات تمثلت في قرارات للرئيس الأمريكي في جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة أبدية لإسرائيل وايضا ضم الجولان السوري المحتل للكيان الإسرائيلي، وكان هدف تلك الإجراءات النظرية الأمريكية هو مساعدة نتانياهو للفوز بالانتخابات السابقة والتي فشل من خلالها في تشكيل حكومة يمينية متطرفة وهو الآن يواجه نفس المأزق السابق وقد ينتهي الأمر بتشكيل حكومة وحدة وطنية يتقاسم فيها حزبا الليكود وابيض وازرق رئاسة الحكومة الإسرائيلية بالتناوب.

لقد سجل نتانياهو فشلا ذريعا في التصريحات التي تهدف الى جذب الناخب الإسرائيلي من خلال إطلاق وعود واهية لا تنسجم وقرارات الشرعية الدولية ولا حتى اتفاق اوسلو الذي وقعت عليه إسرائيل، ومن هنا فإن تلك التصريحات جاءت عكسية من خلال نتائج الانتخابات الأخيرة في إسرائيل.

هل انتهى نتانياهو سياسيا؟

بصرف النظر عن خيبة الأمل التي يشعر بها نتانياهو من جراء نتيجة الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ومن خلال التصريحات الاخيرة حول ضم غور الأردن التابع للسيادة الأردنية والضفة الغربية وهي جزء من فلسطين المحتلة وفي ظل الصراعات بين القوى السياسية في إسرائيل وظهور حزب منافس شرس وهو حزب ابيض ازرق ووجود ليبرمان الذي حصل حزبه إسرائيل بيتنا على 8 مقاعد حاسمة فإن نتانياهو يعيش مأزقا سياسيا قد ينهي مستقبله السياسي حتى لو شارك بحكومة وحدة وطنية وتقاسم رئاسة الوزراء مع رئيس حزب ازرق ابيض مع مجموعة الأحزاب الدينية واليمينية، ومن هنا فإن وضع نتانياهو أصبح على كف عفريت كما يقال فهو أمام إمرين اما الرضوخ لحكومة موسعة يتم تبادل رئاسة الوزراء أم يتم الإعلان عن اجراء انتخابات مبكرة ثالثة.

واذا تم إجراء الانتخابات للمرة الثالثة فقد تكون هي الانتخابات الاخيرة وانتهاء مستقبل نتانياهو السياسي خاصة وان هناك دعوات من القوى السياسية في إسرائيل بضرورة ان يقدم الليكود شخصية سياسية جديدة بعد ان استهلك نتانياهو نفسه وفي ظل ملاحقات قضائية تتهمه بالفساد وعلى ضوء ذلك فإن تصريحاته حول ضم غور الأردن والضفة الغربية جاء سلبيا على حملته الانتخابية وكان صداها سلبيا عكس ما توقعه نتانياهو.

الأراضي المحتلة

كل تصريحات ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وكذلك الجولان السوري المحتل هي تصريحات لا قيمة لها وتم رفضها من المجتمع الدولي بشكل قاطع وكان نتانياهو يدرك تلك الحقيقة ولكنه إراد الاستفادة من الأجواء السياسية والزخم السياسي المؤيد له من قبل إدارة الرئيس الأمريكي ترامب خاصة من قبل مستشار الأمن القومي بولتون والذي عزله ترامب مؤخرا.

ان قرارات الشرعية الدولية ستبقى هي المرجعية لإيجاد أي حل سياسي في المنطقة وسوف يرحل نتانياهو من المسرح السياسي غير مأسوف عليه لأنه لم يسع الى السلام الحقيقي بل كان همه قضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وتواصل الانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني وإشعال الحروب ضد قطاع غزة وإيجاد التوتر مع إيران والتحريض على شن الحرب عليها لإشعال المنطقة والقضاء على مقدراتها ومن هنا فان تلك التصريحات جاءت سلبية على حملة نتانياهو الانتخابية وهو الآن يعيش مأزقا سياسيا خاصة وان الرئيس الإسرائيلي سوف يقرر شكل الحكومة القادمة وبالتأكيد لن يشكلها نتانياهو بحزبه الليكود ولكن حزب ابيض ازرق سوف يكون الشريك الأساسي في مسألة تبادل الرئاسة وهو أمر سوف يضعف نتانياهو سياسيا وشعبيا ويجعل وضعه السياسي ضعيفا، كما ان الدعوة لإجراء انتخابات إسرائيلية مبكرة سوف تدخل نتانياهو في مأزق قد تكون نتيجته خروجه بشكل كامل من المشهد السياسي في إسرائيل وانتهت حقبته والتي تعد الأطول في تاريخ الحكومات الإسرائيلية.

ان التوقعات السياسية شيء مهم ولم يكن نتانياهو مدركا لهذه الحقيقة وذهب بعيدا في إطلاق الوعود الهلامية وغير القابلة للتطبيق وفي ظل وجود قرارات الشرعية الدولية وفي ظل وجود الشعب الفلسطيني المتمسك بأرضه وثوابته الوطنية ومن هنا جاءت نتيجة اطلاق تلك الوعود كارثية على مستقبل نتانياهو السياسي.

الثوابت الوطنية

كل تلك الوعود سواء تلك التي اطلقها الرئيس ترامب فيما يخص مدينة القدس المحتلة او فيما يخص موضوع الجولان السوري المحتل واخيرا تصريحات نتانياهو الواهية التي سبقت الانتخابات الإسرائيلية الاخيرة حول ضم غور الأردن وجزء من الضفة الغربية سوف تتكسر أمام إرادة الشعب الفلسطيني والذي يناضل من أجل حقوقه المشروعة منذ اكثر من سبعة عقود.

وفي ظل تاريخ الشعوب فإن الشعب الفلسطيني هو الذي يقرر مسار قضيته العادلة وسوف يكون ترامب ونتانياهو جزءا من الماضي السلبي بعد سنوات قليلة وسوف يبقى الشعب الفلسطيني مناضلا ومدافعا عن ثوابته الوطنية ومن هنا فإن سياسة التصريحات الجوفاء التي تطلق من تل ابيب وواشنطن لا قيمة لها على ضوء معايير القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام.

وامام تلك التصريحات لنتانياهو والتي جعلته في المأزق السياسي الحالي فإن الحالة العربية ينبغي ان تتغير في ظل المشكلات الحالية وفي ظل الصراعات والتي حان الوقت لإيقافها في اليمن وسوريا وليبيا حتى يمكن ان يتفرغ الجهد السياسي العربي لصالح القضية الفلسطينية والتي تواجه وقتا عصيبا بسبب السياسات الإسرائيلية والامريكية المتهورة في اطار ما يحاك من مشاريع تسوية لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني وايضا تهدر تلك المشاريع كل الجهود السياسية العربية والدولية لإيجاد دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وايضا عودة اللاجئين الى ديارهم وإرجاع حقوقهم المشروعة.

ان نتانياهو يريد ان ينهي القضية الفلسطينية من خلال التصريحات وهو أمر لا يمكن ان يتحقق فالشعوب المكافحة لاسترداد حقوقها الوطنية لا تستسلم ابدا ولنا في التاريخ البعيد والقريب عبرة ومن هنا فإن تلك التصريحات جاءت ضد توقعات نتانياهو حتى من قبل الناخب الإسرائيلي وهناك اصوات في إسرائيل تدعو الى إنهاء حقبة نتانياهو، حيث ان صمود قطاع غزة وردع الصواريخ جعل نتانياهو في وضع اضعف وهو الامر الذي ينطبق على الوضع في جنوب لبنان حيث الردع من قوات حزب الله اللبناني وعلى ضوء تلك الرؤية فان نتانياهو اصبح لا يدرك حقيقة التاريخ ويريد ان يضم أراضي الغير من خلال التصريحات.

ان وضع نتانياهو الحالي في إسرائيل جاء نتيجة تقديراته الخاطئة ومبالغته في تحقيق أمور لا يستطيع ان يحققها وهناك مراجعة الآن في واشنطن حول مسار نتانياهو ومستقبله السياسي خاصة بعد خروج بولتون من البيت الابيض وعلى ضوء ذلك فإن وضع نتانياهو في المشهد السياسي الإسرائيلي اصبح اكثر تعقيدا وسوف نرى وضعه من خلال شكل الحكومة القادمة او ربما تشهد إسرائيل انتخابات مبكرة للمرة الثالثة، وهو الأمر الذي قد يعجل بانتهاء نتانياهو سياسيا.