المنوعات

محمد الرحبي يوثق جديد رحلاته عبر تذكرة سفر

16 سبتمبر 2019
16 سبتمبر 2019

مسقط- «العمانية»: يواصل الروائي والكاتب محمد بن سيف الرحبي مشروعه في أدب الرحلات عبر كتابه الجديد «تذكرة سفر.. من كانتون إلى طشقند»، ويعد الكتاب الثالث للرحبي في مجال أدب الرحلات، بعد كتابيه السابقين (على حين سفر) و(شذى الأمكنة).

في هذا الكتاب يوثق محمد الرحبي بلغة شعرية عالية رحلاته لمجموعة من المدن والأقاليم التي زارها، نقرأها عبر عناوين مثل (جوانزو.. أو «كانتون».. مصنع العالم ودكانه)، و(خلف بحر الصين العظيم.. من مناخ بكين إلى طقوس كونفوشيوس)، و(من الأقصر إلى أسوان: رحلة نيلية على مراكب الشمس)، و(قشم.. المسافة زرقاء.. على مرمى بصر)، و(المغرب.. حيث لا تستغرب)، و(ميونخ.. للمدينة ألف وجه.. وحسن)، و(من الريف إلى فيينا: النمسا تبتسم في ليالي الأنس) و(بودابست.. ربيع أوروبي على ضفاف الدانوب)، و(أوزبكستان: حكاية من ألف ليلة وليلة في « جوهرة» آسيا الوسطى).

عن مدينة كانتون يقول الرحبي: «فيما كان الليل يهبط على أول يوم أبدأ فيه استكشافي مدينة جوانزو أو غوانزو الصينية. عرفت متأخرا أنها ذاتها مدينة كانتون التي ارتبطت لدينا ذهنيا برحلة السفينة صحار من عمان إلى الصين كعلامة على الحضور العماني المبكر في هذه البلاد».

أما عن مشاهداته خلف بحر الصين العظيم فيكتب محمد الرحبي قائلا: «كانت الساعات طويلة في بكين، بين وصولي إليها قادما من جينان في الصباح الباكر، وموعد مغادرتي الصين آيبا إلى وطني الأم عمان، والمسافة إلى حيث السور تبدو بعيدة، مغلفة بزحام تسبب فيه المطر أو حادث ما في مدينة مكتظة بالبشر والصناعة، الشاحنات بأشكال تبدو كأنها على ورق «كتالوج» لصناعة السيارات العملاقة، وفي ما تسمح به السحب من رؤية، أو الضباب المتكاثف نتيجة المطر الغزير كنت أبحث في الجبال عمّا يطمئنني إلى أن السور يبدو ولو على البعد قريبا، حيث الساعات تمضي والقلق يزحف أيضا من وصول الليل قبلنا ليضم السور في عتمتين، ظلامه المعتاد وما تتركه السحب الثقيلة من كآبة على ليل المكان، فكيف للرؤية أن تصل لهكذا جمال إذا تخلت الشمس عن آخر ضوء لها»؟ وعن رحلته النيلية من الأقصر إلى أسوان يقول محمد الرحبي: «عرفت مدن مصر المعروفة، وسرت إلى الإسكندرية ودمياط والمنوفية والغردقة وغيرها، لكن بقيت صورة الأقصر محفورة في ذهني منذ أن رأيتها قبل عشرين عاما، وكانت صورتي أمام معبد حتشبسوت تستنطق مرحلة من الزمن تكدس فوقها عقدان، وتجارب، ومياه كثيرة مرّت من تحت جسر السنين المتلاحقة على أجندة الحياة.. والمتناقصة من أوراق العمر».

ويضيف الرحبي: «لكني أجيء هذه المرة أسحب نصف قرن من الزمان على مفرقي، أتأمل بعينين مختلفتين، أنظر لمجريات الزمان كما يليق به أكثر من نظرة سابقة بدت لي، الآن، متعجّلة، وغير معنيّة، كما ينبغي، بحوادث الدهر، وهي تتدافع آلاف السنين، كأنما الحكاية متوارثة، رجال الدين يفصّلون للسياسيين ما يناسبهم، يخترعون الأساطير من أجل عروشهم، وصولهم إليها وبقائهم عليها، لينعم الطرفان بمجد الحياة الدنيا، وينتظر الناس البسطاء.. نعم الحياة الآخرة»! وفي معرض حديثه عن جزيرة قشم يكتب محمد الرحبي قائلا: «لا أعرف قشم ولا الطريق إليها.. ولولا مسودات التاريخ لما عرفت أنها جزيرة إيرانية تطل على خليج يسمونه الفارسي ونراه عربيا.. كل حسب الساحل الذي يطل عليه. ولولا حسابات الجغرافيا لما اقتربت منها، لأن المدن تبدو لي أجمل حيث فعل الحياة قادر على تقديم المختلف بكثافة في سحنات البشر وتقاسيم الحجر. لكن صدفة جميلة قادتني إلى قشم وحملتني إليها «الحلانيات».. العبّارة التي تقطع المسافة بين ميناء خصب وتلك الجزيرة في ظرف ساعة تمر سريعا على سطح أزرق.. وهناك غموض المكان وفضول الاكتشاف».

ولا يخفي محمد الرحبي دهشته المتجددة واحتفاءه بالمغرب ومدنها التي تنبض بالحياة والجمال، إذ يقول: «لم يكن اللقاء الأول بتلك الأمكنة.. ولن يكون الأخير، كما تشتهي الروح.. لكن بعض المدن قادرة على أن تهبك جمال اللقاء الأول مهما تعددت اللقاءات قبله، قابلة للاكتشاف في كل مرة».

وحين يدلف محمد الرحبي بالقارئ إلى مدينة ميونخ يقول: «عرّفتني ميونخ على نفسها من خلال ناديها العريق، ومنذ عشرات السنين، منذ أن وعيت على عالم المستديرة خارج حدود قريتي، وحيث يقال البايرن فإن مفردة مينونخ تطلّ برشاقة الرياضي المعتاد على منصات التتويج، لكني لم أعرف أنها أهم من ذلك بكثير، كما يجدر بأحلامي معها» . وكتب عن رحلته إلى فيينا عبر رحلته التي قطع فيها الريف النمساوي الذي وصفه قائلا: «كان الريف النمساوي يبسط ورقته الخضراء حتى على التلال، كأنما يغويك أكثر لإمعان عينيك في الجمال المكتوب على امتداد البصر، فتكاد تكذّب هاتان العينان نفسهما حيث ما تراه ليس إلا لوحة وضعها مكبرة أمامك أحد فناني الطبيعة، وليس الطبيعة كما تتجلى واقعا أمام عينيك، كما أرادها الخالق في هذه البقعة من الدنيا». وعن بودابست الربيعية يقول محمد الرحبي: «انحزت للمدينة منذ الساعات الأولى، مكتشفا المزيد من ملامح وجهها الذي سمعت عنه من عشاق سبقوني إليها، غنّوا مع الدانوب، والتلال الخضراء، والبيوت الأنيقة القادمة من زمن الأسلاف، ومقاهيها الدافئة كأنها لا تسمح إلا للموسيقى بنشر الجمال الصوتي في مدينة لا يليق بها إلا كل جميل». ويختتم محمد الرحبي جولته في هذا الكتاب عند أوزبكستان التي قال عنها: «أوزبكستان أرض الاستكشاف العظيم، بلد سيضع قدمه بقوة على خارطة السياحة العالمية مستقبلا، فمدن كطشقند وبخارى وسمرقند وخيوة ومرغلان وشهرسبز وترمذ مستحقة أن تكون حاضرة على أجندة السائح، خاصة من دولنا العربية والإسلامية، ليقرأ صفحات من تاريخ حضارته المسافر إلى تلك البلاد، واضعا بصمة إنسانية عظيمة». يشار إلى أن الكتاب صدر عن مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر والإعلان، ويقع في 109 صفحات من القطع المتوسط.