1179935
1179935
عمان اليوم

سلسطام.. حكاية بلدة تاريخية حولت البيئة القاسية لحياة ممتعة وهادئة

13 سبتمبر 2019
13 سبتمبر 2019

بخاء- تغطية وتصوير :أحمد خليفة الشحي -

تعد المناطق الجبلية في محافظة مسندم وتلك التي تتميز بسطح مستو أو عبارة عن مصاطب صخرية واسعة أقدم مناطق الاستيطان في المنطقة تميزت في فترة ازدهار الحياة السكانية فيها قبل خمسين عاما بالحياة اليومية المستمرة المليئة بالنشاط والحيوية من قبل سكانها الذين كانوا يعملون في معظمهم بزراعة الحبوب ومختلف المحاصيل الرئيسية كالنخيل وبعض محاصيل الخضراوات التي تعد من المقومات الرئيسية للحياة وكمثال على هذه المناطق الجبلية القديمة تلقي (عمان) الضوء اليوم على منطقة جبلية في محافظة مسندم وتحديدا في ولاية بخاء، وهي منطقة سلسطام الجبلية التي تشرف على السهل الساحلي الضيق لولاية بخاء والمناطق التابعة لها .

واحة جبلية

تمثل سلسطام الواقعة في ولاية بخاء واحة جبلية ترتفع مئات الأمتار عن سطح البحر وتتميز بهوائها النقي ومناخها المعتدل صيفا والبارد شتاء، وكانت تمثل بيئة تحد للإنسان منذ القدم كون هذه المنطقة لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق تسلق الجبال الوعرة وتستغرق العديد من الساعات خاصة لمن لا يعرف مسالكها ويتم الوصول إليها اليوم جوا عن طريق الطائرة العمودية التابعة لقاعدة خصب الجوية التي تعمل على نقل السلع الضرورية إلى المنطقة التي تكاد تكون خالية من السكان ولكن لا تزال مزارعهم وحيواناتهم موجودة هناك مما يضطرهم إلى زيارة المنطقة بين الحين والآخر .

بساطة الحياة الاجتماعية

ويتحدث بعض من كبار السن ممن كان يقطن هذه المنطقة قديما عن ذكرياتهم وحياتهم التي يرونها كشريط متكامل يمر أمامهم في لحظتها بكافة التفاصيل التي يستمتع كل من يجالسهم بما يسمعونه ولا يسأمون سماعه مرة تلو مرة، حيث إنه بالرغم من قساوة الحياة -كما يتخيلها السامع اليوم- إلا أنها كانت تمثل بالنسبة لهم في تلك الفترة حياة هادئة وجميلة وبسيطة، حيث يسكن الناس فيها متجاورين في بيوت القفل المنخفضة المنسوب عن سطح الأرض والمتميزة بأبواب صغيرة الحجم ولبعض هذه البيوت أسوار والأخرى يجاور فيها الجار جاره دون أي حواجز. تميزت حياتهم الاجتماعية بالبساطة والتعاون والتبادل في الأساسيات من مقومات الحياة وكانت الجرار الفخارية الكبيرة المعروفة محليا «الخرس» هي مستودعات لأطعمتهم الرئيسية من التمور والحبوب وكانت في نفس الغرفة المعروفة ببيت القفل، حيث كانت هذه الغرف تمثل بيتا متكاملا في مساحة صغيرة خصص جزء منه كمطبخ يضم موقدا للخشب وركن أخر كمستودع يضم الجرار الفخارية بمؤونتها من طعام أهل البيت، بالإضافة إلى ركن ثالث لأهل البيت ورابع لاستقبال الضيوف، فالرغم من صغر مساحة هذه البيوت، إلا أنها برواية أهلها كانت تتسع برحابة صدر ساكنيها لجميع الجيران الذين يتعاونون في الأفراح والأتراح، فقد تميزت بالبساطة في جميع النواحي.

تطويع التضاريس الوعرة

أما بالنسبة لحياتهم الاقتصادية ومصادر رزقهم، فبالرغم من أن البيئة الطبيعية والتضاريس الوعرة تمثل بيئة تحد، إلا أن سكانها انسجموا معها بكل أريحية وتعاملوا مع مفرداتها بحب طوعوا فيها هذه البيئة حسب احتياجاتهم، فاستخدموا صخورها في بناء أشهر بيوتهم التاريخية المعروفة ببيت القفل، معتمدين على الزراعة والرعي وبعض الصناعات الحرفية البسيطة المعتمدة على أشجار المزج الجبلية التي صنع منها سكان هذه المناطق جروزهم المشهورة وكانوا يزرعون أماكن معينة يطلق عليها محليا « الوأب» بمعنى المساحة المغلقة المخصصة لزراعة محاصيل الحبوب الرئيسية وبعض النباتات الورقية مستفيدين من مياه الأمطار، ويقوم السكان بتجميع مياه الأمطار في برك كبيرة مغطاة لتتم الاستفادة منها في الشرب وري المزروعات خاصة زراعة محاصيل الحبوب وبعض أشجار التين والنخيل إضافة إلى استخدام المياه في سقي الحيوانات، حيث قام السكان بتصميم هذه البرك في بناء هندسي متميز بحيث تحتجز أكبر قدر ممكن من مياه الأمطار ومياه الشعوب والأودية للاستفادة منها وقت الحاجة، فلم تكن الآبار منتشرة بكثرة لوعورة هذه المناطق الجبلية فكانت الحاجة إلى هذه المياه التي توزع على السكان بالتساوي حسب المساهمين في بنائها للاستخدامات الرئيسية ولري محاصيل الحبوب التي تعد المحاصيل الرئيسية، فلم يكن سكان هذه المناطق يعرفون الأرز بل كان جل طعامهم متركزا على الحبوب واللحوم من حيوانات الماعز التي يربونها ويقومون بتمليح اللحوم وتجفيفها والأخذ منها عند الحاجة وفي حالة الحاجة إلى سلع أخرى غير متوفرة كان ينزل بعضهم إلى الساحل لشراء المستلزمات الضرورية من أوان أو أقمشة وبعض الأثاث البسيط من المراكب التجارية التي ترسو على ساحل الولاية آنذاك ليعودوا محملين بها إلى مناطق سكناهم في الجبل.

أهمية استراتيجية

كان لمنطقة سلسطام أهمية استراتيجية في الماضي وقبل دخول خدمات التنمية مع عصر النهضة المباركة لمركز الولاية والمناطق التابعة لها إذ مكن الارتفاع الكبير عن سطح البحر سكان هذه المنطقة من رؤية الهلال ومعرفة المواقيت، حيث كان يستعان بهم قديما لتحري الرؤية خاصة رؤية هلال رمضان والعيدين، فيقوم السكان في حالة ثبوت الرؤية بإضرام النار على قمة الجبل لتكون دليلا على غرة رمضان أو ذي الحجة ليتم بعد ذلك إعلانه في مركز الولاية وإعلام القاطنين في المناطق المجاورة .

استعادة الذكريات

واليوم تكاد منطقة سلسطام أن تكون خالية إلا من مجموعة من البيوت القديمة وبعض البيوت التي تم ترميمها التي عمل بعض أصحابها على تطويرها لتكون مصايف مؤقتة ومشاتي أحيانا خاصة في أوقات الإجازات إضافة إلى احتفاظ بعض سكانها إلى اليوم بحرفة تربية الماشية فظلت بعض الحظائر إلى يومنا هذا موجودة يراودها أصحابها بين الفينة والأخرى مستعينين بالطائرات العمودية التي توفرها قاعدة خصب الجوية لحمل السلع والمؤن الضرورية إلى المنطقة، كما تم شق طريق ترابي من ولاية خصب عبر المناطق الجبلية المرتفعة لتصل إلى هذه المنطقة الوعرة في تضاريسها والرائعة في مناظرها الخلابة التي ما زالت إلى يومنا هذا قبلة لكثير من أبناء الولاية وغيرها من الولايات لزيارتها والاستمتاع بهوائها النقي ومناظرها الجميلة المطلة على البحر من جهة وعلى السهول والهضاب والجبال المجاورة من جهة أخرى وبالرغم كما قلنا من خلوها اليوم من السكان، إلا أن أهاليها ممن يسكنون الساحل يُمنون أنفسهم بالعودة إليها والسكن واستعادة ذكرياتهم الجميلة فيها .