رندة_صادق
رندة_صادق
أعمدة

عطر : هيبة سي السيّد

11 سبتمبر 2019
11 سبتمبر 2019

رنـــــدة صـــادق -

[email protected] -

لن تجد شخصية روائية تمتعت بشهرة واسعة في كل الروايات العربية كشخصية (سي السيّد) التي أبدع الروائي الكبير (نجيب محفوظ) في تصويرها في ثلاثيته «بين القصرين، قصر الشوق، السكرية» هذه الشخصية لم تعد من خامة الورق والحبر، بل تشكلت من لحم ودم وشرايين وأخذت شكلا وأصبح لها صوتا، حين جسدها الممثل الكبير (يحي شاهين) في ثلاثية (بين القصرين).

شخصية تركت أثرا سلبيا، بل ونقمة عارمة عند النساء في مجتمعنا العربي، وليس في المجتمع المصري فقط، لأنها شخصية مركبة ومتناقضة عاشت ازدواجية أخلاقية مرضية، حيث كونها شخصية صارمة تتبع التقاليد وتحرص على النهي وإبداء الرأي في كل صغيرة وكبيرة من جهة، ومنحلة من جهة أخرى. (سي السيّد) يهابه أبناؤه ويفرض احترمه على أهل بيته، زوجته تطيعه دون أن تعترض على قراراته أو تبدي رأيا ما في حياتها أو حياة أولادها. وكذلك شخصية (أمينة) زوجته التي تحولت الى نموذج للمرأة الضعيفة المنكسرة التي لا تجيد الدفاع عن نفسها والتي تطيع زوجها طاعة عمياء.

الشخصيتان مستفزتان وبهما تطرف غير مقبول، ومع هذا هناك ريبة لقد تم قتل (سي السيّد) في ظروف اجتماعية تم وصفها: بأنها حالة من الوعي الاجتماعي القادر على فرض أنماط جديدة من الشخصيات أكثر لينا وأقل صلابة، لقد انقرضت تقريبا هذه الشخصية، وتم طمس معالمها بحكم هذا التطور، لكن هناك من يشتاق لسي السيّد ويبحث عن بعض صفاته التي كانت ضرورة طبيعية في تلك الحقبة.

مثلا هل يمكن أن تتخيل كيف كان سيتصرف ان سهرت ابنته كل الليل تتحدث الى رجال غرباء هربوا من ضغط الحياة وربما من فشل قصصهم وتعثر حكاياتهم بحثا عن فتاة تسمع همومهم بداية ثم يتم إغواؤها في نهاية الأمر؟.

ان التطور في علم النفس الحديث شدد على ضرورة كسر الحاجز بين الآباء والأبناء واضمحلال الحدود بينهما، طبعا نظريا الأمر مثالي ولكن تطبيقيا هذا الأمر أدى الى انهيار الهرمية الأسرية وزعزعة بنيتها وظهور خلل كبير في احترام الزوجة للزوج والأبناء للآباء، بتنا فعلا نشتاق إلى (السي السيّد)، نشتاق إلى أن نرى رجلا زوجا وأبا يفرض احترامه في بيته دون استخدام العنف أو التعسف في فرضه، وإلغاء مشاركة الآخر في اتخاذ القرار كتطور مقبول لصورة الأب في تلك الشخصية.

من جهة أخرى، بعض الزوجات تتصرفن بخشونة وتحد، وتبررن ذلك بأنهن لم يعدن تابعا للرجل بل ندا له، على قاعدة أن المرأة اليوم قد تنتج أكثر وتكد وتتعب مثل الرجل وأكثر، وقد تتهمه أحيانا باستغلالها ماديا، طبعا لا يمكن نفي أن بعض الرجال يستغلون نساءهم ماديا ومعنويا بل وأسوء من ذلك، ولكن حتما يوجد جانبا في شخصية (سي السيّد) يجب أن يعود لتنتظم الصورة في عيون الأبناء والزوجات.

لقد تداخلت الأدوار حتى انتجت شخصية غير واضحة السمات، مما أدى الى هز صورة الأب القوي والممول الحاسم، لتتحول الى شخصية هلامية تتحرك ضمن سياق مستسلم. ومن القسوة ان توصف هذه الشخصية بالشخصية المنساقة، فهذا يجعل أمورا كثيرة مختلة في بنية الأسرة من الداخل. وهذا الخلل يلاحظ في تركيبة المرأة التي أصبحت أنوثتها بعيدة عن البساطة والفطرة، لقد غابت من نظرتها نعومة الأنثى وحنان الأم ليحل محلهما غرور القوة.

في شخصية (سي السيّد) جانب مظلم وقبيح يوازيه جانب الهيبة والحضور الصارم وهذا ما نفتقده اليوم تحديدا.