Abdullah
Abdullah
أعمدة

رماد: أفعال وأقوال

11 سبتمبر 2019
11 سبتمبر 2019

عبدالله المعمري -

[email protected] -

لم تكن الأيام كفيلة بأن تنسيه جراح الماضي، ولم تعد الكلمات التي يسمعها تخفف عنه ما مرّ به، حتى تشكلت في أعماقه كتلة من الحزن يصعب عليه التخلص منها، هذا ما كان يقوله عن نفسه عند سؤاله عن الصمت والانزواء الذي هو فيه.

هو بالفعل سيكون هكذا حاله، إن كان كل ما يحصل عليه ممن حوله فقط كلمات وعبارات، والتي لم تعد تشفي جراحه، ولا تخفف عنه آلامه. إذا هو يحتاج إلى ماهو أكبر من الكلمات ومن ترديدها، هو يحتاج إلى أفعال تعالج وترمم ما هدم من داخله، وتبني له صورة جميلة ينظر من خلالها إلى الحياة، تلك الحياة التي لم تعد في نظره تساوي شيئا، فهي سوداء مظلمة.

إن تجديد تدفق المشاعر إليه، وشعوره بجمالية كل ما يصنعه أو يقوم به، ومجازات إحسانه بإحسان، وترجمة أفعاله بحسن نيّة، ورفع معنوياته بالأخذ بيده لتكملة المشوار، كل هذا وأكثر سيعيد القيمة لنفسه تجاه نفسه، ويمسح الترسبات التي حدثت فيما مضى، ويفتح نافذة مشرقة من جديد.

إن الأحزان والهموم إذا تكدّست في النفس فإنها تُمزّق الروح وترهق الجسد، وتطوي كتاب الحياة كأنه وصل إلى نهايته، لذا فمواجهة ذلك ممن حولنا يعيد الحياة إلى جماليتها، مع أن الحياة لا تخلو من المنغصات، ولكن يبقى الأمل ممدودا بيننا نحن البشر، يشكل جسرا لعبور التفاؤل فيما بيننا بكل حب وخير وعطاء. كما وأن انتقال التفاؤل فيما بيننا يصنع رصيدا نتبادله فيما بيننا، فالدنيا تدور، والحال يتغير، فلا حزن يدوم ولا فرح يدوم.

من الجميل أن نُخرج إنسانا نحبه من ماضيه، ونجعله في واقع أجمل، وأن نرسم معه خريطة حياة بثوابة وقيم تبدأ منا وتنتهي إليه، تغرس في قلبه الضياء الذي يبدد الظلمة من غمامة الأحزان، فالأفعال خير من الأقوال، والإنسانية تكون أجمل فيما بيننا إن توافقت وترافقت أفعالنا مع أقوالنا، لنصنع غد أجمل.