أفكار وآراء

الحروب التجارية والاقتصاد العالمي

10 سبتمبر 2019
10 سبتمبر 2019

عوض بن سعيد باقوير  -

صحفي ومحلل سياسي -

الملف الإيراني وملفات أخرى في المنطقة تسبب الضرر لإدارة ترامب وفي ظل تعالي الأصوات في واشنطن حول قضايا الهجرة ومبيعات السلاح وانتشار الجريمة فان الولايات المتحدة ستجد نفسها عاجزة عن تحقيق تلك المقاربة وبالتالي يدخل ترامب انتخابات 2020 في وضع سياسي مرتبك.

يشهد العالم عددا من الحروب التجارية والتي اطلقها الرئيس الامريكي ترامب تراوحت بين العقوبات الاقتصادية الشاملة على ايران وفرض رسوم كبيرة على المنتجات الصينية وعلى دول الاتحاد الاوروبي، علاوة على المشكلات بين واشنطن وكاراكاس علي ضوء الجهود الامريكية لاسقاط النظام في فنزويلا، وعلى ضوء تلك المواجهات التجارية والتي تهدف الى تحقيق مآرب سياسية تأثر الاقتصاد العالمي وايضا اسعار النفط واصبحت هناك حالة من عدم اليقين في الاسواق الدولية، كما ان التوتر تصاعد في منطقة الخليج بين واشنطن وطهران.

الولايات المتحدة رغم تلك العقوبات القاسية كما في الحالة الايرانية وايضا تأثر المنتجات الصينية نسبيا بسبب زيادة الرسوم والتي تعدت في مجملها مئات المليارات من الدولارات الا ان واشنطن فشلت في تحقيق أي من اهدافها السياسية خاصة في فنزويلا او ايران وحتى الصين والتي ردت بفرض رسوم تجارية تقدر بعشرات المليارات.

كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات اضافية على ايران علاوة على العقوبات على روسيا الاتحادية ومن هنا تمارس ادارة الرئيس ترامب سياسة مدمرة للاقتصاد العالمي من خلال فتح الطريق لانكماش محتمل للاقتصاديات في العالم وممارسة سياسة غير رشيدة لتحقيق أهداف سياسية غير ممكنة التحقيق خاصة وان إيران والصين وتركيا والهند وروسيا لديها محور استراتيجي مهم للتبادل التجاري وأيضا إفشال المخطط الأمريكي للضغط على اقتصاديات عدد من تلك الدول.

الفشل السياسي

السياسة الأمريكية في عهد الرئيس الحالي ترامب تقوم على تحقيق المصالح الكلية لواشنطن وتجاهل مصالح الدول الأخرى كما في الحالة الصينية والأوروبية، كما ان عقوباتها ضد إيران تنطلق من إجبار السلطات الإيرانية الجلوس على طاولة الحوار لتحقيق مآرب سياسية مرفوضة من طهران خاصة تلك المتعلقة بالملف النووي الإيراني وموضوع الصواريخ الباليستية والسياسات الإيرانية في المنطقة، كما ان هناك الأزمة السياسية في فنزويلا وعلى ضوء النتائج حتى الآن فقد سجلت الإدارة الأمريكية فشلا كبيرا فيما يخص إجبار إيران على الجلوس على طاولة الحوار بل ان إيران تخلت عن بعض التزاماتها فيما يخص الملف النووي الإيراني ورفعت نسب التخصيب، كما أن المواجهات في منطقة الخليج سواء فيما يخص تفجير الناقلات او خطفها او إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة فإن الإيرانيين سجلوا نقاطا ضد السلوك السياسي الأمريكي وحتى البريطاني.

العقوبات الاقتصادية ورغم قسوتها لن تجبر طهران على الجلوس دون تخفيف تلك العقوبات خاصة فيما يخص مبيعات النفط الإيراني، كما ان موضوع الحلف العسكري حول الأمن البحري قد سجل فشلا كبيرا حيث لم تنضم للحلف سوى بريطانيا واستراليا رغم ان الولايات المتحدة تتحدث عن 60 دولة. عسكرة منطقة الخليج هو امر يزيد من حالة التوتر وان حماية الملاحة في الخليج يجب ان تنطلق من معايير قانونية تنظمها قوانين الملاحة الدولية وان مضيق هرمز هو شريان مهم للاقتصاد العالمي وليس مسرحا للصراعات والحروب.

عملاق آسيا

تعتمد السياسة الصينية على الهدوء والابتعاد عن التصريحات الملتهبة ولكن عملاق آسيا هو ثاني اقتصاد في العالم، ولديه إنتاج إجمالي محلي هائل ورصيد من العملات الأجنبية يقدر بمئات المليارات والميزان التجاري يميل الى بكين على حساب واشنطن وقد مثلت مشكلة هواوي للاتصالات تحديا حقيقيا للصناعة الصينية بعد فرض عقوبات على الشركة العملاقة من خلال شراء التطبيقات التي تملكها الشركات الأمريكية.

وهناك ثقة لدى الصينيين بأن شركة هواوي سوف تنتج تطبيقات فائقة السرعة وبرامج خاصة تستطيع من خلالها الاستغناء عن تطبيقات الشركات الأمريكية مثل مايكروسوفت وغيرها وهو تحد كبير في إطار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، كما ان فرض تلك الرسوم سوف ينعكس سلبا على الواردات الصينية الكبيرة من الأسواق الأمريكية خاصة، وان الصين تملك قوه بشرية كبيرة تتجاوز المليار و200 مليون نسمة، مشكلة قوة شرائية كبيرة علاوة على وجود الأسواق الآسيوية كمجموعة الآسيان وأيضا السوق الإفريقية والعربية.

ان الحرب التجارية هو أسلوب سلبي لفرض واقع تجاري خاصة وان النزاعات التجارية بين الدول تختص بها منظمة التجارة العالمية ومع كل تلك الاعتبارات انطلقت تلك الحرب التجارية في كل الاتجاهات مسببة مشكلات في أداء الأسواق وأسعار الطاقة والتوتر في مجال استقراء السوق العالمية والنمو.

الصين لن تمانع في إجراء حوار تجاري وعقد اتفاقية مع واشنطن ولكنها بالتأكيد لن تفرط في مصالحها الاقتصادية وهي تنطلق من استراتيجية تعتمد على الهدوء وعدم التصعيد ولكن بشكل حاسم وفي ظل الاندفاع الأمريكي تبرز أهمية الكتلة الاقتصادية المتضررة من تلك الحروب والعقوبات الأمريكية خاصة دول مهمة كروسيا وتركيا وإيران والهند، حيث يوجد تنسيق اقتصادي وسياسي يهدف الى وقف الاندفاع الأمريكي واحتواء تلك السياسة السلبية التي أثرت على الاقتصاد العالمي.

إيران الى أين؟

العقوبات على إيران تمثل وضعا جديرا بالمتابعة حيث تتداخل السياسة بالاقتصاد ورغم التهديدات الأمريكية بالحرب إلا ان إدارة ترامب فشلت في إجبار إيران على تغيير مواقفها بل إن طهران تخلت عن بعض التزاماتها فيما يخص الملف النووي الإيراني بعد تخلي الأوروبيين عن تعهداتهم وفق بنود الاتفاق النووي وكان الحرج الأوروبي واضحا من خلال خشية المواجهة مع الحليف الأمريكي خاصة على صعيد معاقبة الشركات الأوروبية في حالة تعاملها تجاريا مع إيران.

وعلى ضوء تلك العقوبات الأمريكية وتخلي الجانب الأوروبي عن تعهداته بإيجاد آليات تجارية ومالية للتعامل مع إيران فإن السلوك الإيراني يبقى منطقيا ولا يمكن التكهن بمسار تلك العقوبات إلا ان الوقت ليس في صالح الإدارة الأمريكية والتي سجلت فشلا سياسيا في الموضوع الفنزويلي وأيضا فشلا آخر في الملف الكوري الشمالي وفشلا اكبر في الحوار الاقتصادي في المنامة حول القضية الفلسطينية، ومن هنا فان الحديث عن كشف إدارة ترامب عن الجانب السياسي لإيجاد سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون نهاية السياسة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط والسبب يعود الى ان الرئيس ترامب سوف يدخل أجواء الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام القادم وسوف يركز على مستقبله السياسي دون ان يحقق السلام في الشرق الأوسط وسحب القوات الأمريكية من مناطق الصراع والتوتر في سوريا وأفغانستان وإيجاد مقاربة سياسية واقتصادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

الملف الإيراني وملفات أخرى في المنطقة تسبب الضرر لإدارة ترامب وفي ظل تعالي الأصوات في واشنطن حول قضايا الهجرة ومبيعات السلاح وانتشار الجريمة فان الولايات المتحدة ستجد نفسها عاجزه عن تحقيق تلك المقاربة وبالتالي يدخل ترامب انتخابات 2020 في وضع سياسي مرتبك.

وفي الحالة البراجماتية فإن تنازل إدارة ترامب وإيجاد مرونة محددة سواء فيما يخص العقوبات والحروب التجارية، فقد يحدث اختراق أساسي فيما يخص الملفات التجارية مع الصين وأوروبا وأيضا إيجاد حوار سياسي ـ اقتصادي مع إيران ووقف الحرب في اليمن وأيضا توقيع اتفاق مع طالبان ينهي الصراع في أفغانستان وبدون تلك المرونة أو حتى التنازلات النسبية الأمريكية فإن تلك الملفات ستبقى عالقة حتى ما بعد 2020 انتظارا لإدارة جمهورية بقيادة ترامب او مرشح جمهوري آخر او وصول إدارة ديمقراطية قد تعيد المشهد السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط والعالم الى منهجية جديدة ومختلفة تؤدي الى إنهاء التوتر وبروز حلول توفيقية بين الفرقاء على الصعيدين السياسي والاقتصادي وإنهاء الحرب التجارية بين اكبر اقتصادين في العالم.