1306747
1306747
إشراقات

الخليلي: الأمة تحتاج في كل عصر إلى مجددين يتجدد بهم الدين

05 سبتمبر 2019
05 سبتمبر 2019

لتنشأ على الصلة بالله ونهج نبيه والتمسك بهدي القرآن -

الدعوة الصحيحة لا بد من أن تكون مؤطرة في إطار الفقه في دين الله -

كتب : سيف بن سالم الفضيلي -

أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن كل عصر من العصور يحتاج إلى مجددين يتجدد بهم الدين وتعود بهم إلى الأمة فتوتها لتنشأ على الصلة بالله تعالى ونهج نبيه والتمسك بهدي القرآن.

وشدد سماحته على أن الدعوة الصحيحة لا بد من أن تكون مؤطرة في إطار الفقه في دين الله لأنها لا بد أن تكون مؤطرة حسب حكم الله؛ وحكم الله تعالى لا يتوصل إليه بالجهل وإنما يتوصل به بالعلم ولذلك الفقه في دين الله تعالى هو مناط القيام بهذه الدعوة عندما يفقه الإنسان ويضطلع بأمانة الله إلى الله. وأشار سماحته إلى الدعوة الصحيحة لا بد من أن تكون مؤطرة في إطار الفقه في دين الله فالأعمال لا بد أن تكون وفق أمر الله تعالى ولا يمكن أن يتخبط فيها الإنسان فيتصرف فيها كما يملي عليه هواه.. محذرا سماحته من خطورة القول على الله تعالى بغير علم ففي القرآن جاء مقرونا بالشرك بالله تعالى وإلى ما جاء في محاضرة سماحته حول (أهمية التفقه في الدين مع التزكية والتقوى) التي ألقاها بجامع سالم بمحلاح بولاية دماء والطائيين.. ومع الجزء الأول من المحاضرة.

تطرق سماحته بداية إلى حاجة الخلق في كل عصر من العصور إلى مجددين يتجدد بهم الدين بعدما يبلى وتعود بهم إلى الأمة فتوتها بحيث تنشأ من جديد على الصلة بالله سبحانه وتعالى والتمسك بهدي القرآن والسير على نهج النبي -عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام- هؤلاء هم العدول الذين أشار اليهم الحديث الشريف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قال (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) وما أكثر أولئك الجاهلين وأولئك المبطلين وأولئك الغالين الذين تعوّج بهم المسالك ويخرجون عن مهيع الرشد ولذلك كان لا بد ممن يحمل هذه الأمانة على عاتقه أن يقوم بدوره الفعال في تبصير الناس بالحق ودعوتهم إلى الرشد ليحولوا بين دهماء الناس وبين هؤلاء الذين يسعون دائما إلى إضلالهم وإغوائهم والخروج بهم عن مهيع الرشد.

ونجد أن الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز ينص على أن الإنسان في خسر إلا أولئك الذين دمعوا بين أربع خصال وهي (الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر) وكل ذلك لا بد أن يقوم على دعائم العلم فإن الإيمان لا يتحقق إلا عندما يقوم على دعائم العلم إذ الإيمان هو إيقان بالحق ووصول إلى الحقيقة وهذا لا يمكن أن يقوم مع الجهل ولذلك عندما بعث الله سبحانه وتعالى عبده و رسوله محمدا -صلى الله عليه وسلم- يمزق هذه الحجب التي تحول بين العقول وبين إدراك الحق والحقيقة إنما أرسله برسالة العلم إذ قال أول ما قال له: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَق، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَم، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم) وكانت هذه الدعوة في وسط أهل الجاهلية وبين العرب الأميين الذين كانوا أوغل الناس في الضلالة قدما وأعماهم عن الحق بصيرة وجاءت الدعوة مفتتحة بكلمة (اقْرَأْ) لأجل التنبيه على انطواء عهد الأمية وان الله سبحانه وتعالى أراد لهذه الأمة أن تكون أمة رسالة وأمة علم تحمل إلى الناس الهدى والنور.

جاءت هذه الأمة لتكون خير أمة للناس فهي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقيم موازين الحق بين عباد الله سبحانه وتعالى وهذا بطبيعة الحال ما لا يتم إلا بالعلم.

بالتبصّر والنظر

وقال: وإذا كان الإيمان الذي قد يرشد إليه العقل عندما يكون الإنسان مستنير البصيرة في قضايا يجدها الإنسان من وجدانه من خلال تبصّره ونظره في الكائنات فإن الأعمال التي تترجم هذا الإيمان لا بد من أن تكون أعمالا قائمة على بصيرة بحيث يستوحيها الإنسان من العلم النافع هذا العلم الذي يكون موصولا بالله تعالى من خلال الوحي الذي أنزله على النبيين والذي أتم النعمة ببعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليكون مكملا لما جاء به من قبله إخوانه المرسلون.

هذه الأعمال لا بد أن تكون وفق أمر الله تعالى ولا يمكن أن يتخبط فيها الإنسان فيتصرف فيها كما يملي عليه هواه يتخبط يمنة ويسرة من غير أن يكون على بصيرة من أمره فلا بد من أن يكون الإنسان في إقدامه وإحجامه في أخذه وعطائه في بذله ومنعه في قبوله ورفضه في رضاه وعدم رضاه في مكرهه ومنشطه يستمد من وحي الله تعالى لتكون أعماله ترجمة للإيمان الذي آمن به ومع ذلك فإن هذا الخير العظيم لا يتحقق إلا عندما يكون هنالك تعاون على بثه فيما بين الناس جميعا بحيث يكون تآمر بالمعروف وتناه عن المنكر ولذلك ذكر الله سبحانه وتعالى مع الإيمان والعمل الصالح التواصي بالحق والتواصي بالصبر والأمر والنهي لا يتمان إلا بالعلم النافع الذي يبصر الإنسان بما يأمر به وبما ينهى عنه.

وهذا مما يتجلى واضحا في دلائل القرآن الكريم إذ الإنسان ليس له أن يتصرف وفق ما يملي عليه هواه وإذا كان يمنع من أن يقدم على شيء إلا بعد معرفته بحكمه لقوله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا) فإن إقدامه على القول بدون بينة من ربه وبصيرة من دينه هو أخطر من ذلك إذ القول يضل به القائل ويضل به السامع ولذلك فإن القول لا بد أن يكون موزونا بموازين الحق التي أنزلها الله تعالى.

الشيطان والناس وقولهم ما لا يعلمون

ونحن نرى أن الله سبحانه وتعالى ينص في كتابه على أن الشيطان هو الذي يدفع الناس إلى أن يقولوا ما لا يعلمون فقد قال تعالى: (إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون) ولأجل عظم القول على الله تعالى بغير علم جاء في القرآن مقرونا بالشرك بالله تعالى إذ يترتب على القول على الله بغير علم ما يترتب من ضلال الحق من تحليل المحرم وتحريم المحلل وكل من ذلك يكون مصادما لما جاء من عند الله وهذه المصادمة تؤدي إلى الشرك والعياذ بالله ولذلك قرنه الله تعالى بالشرك: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون) فالقول على الله مقرون بالشرك.

ونجد أن الحق سبحانه وتعالى ينوط الدعوة التي كلف بها العباد بفقه في الدين عندما يقول عز من قائل: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون) فإذا الدعوة الصحيحة لا بد من أن تكون مؤطرة في إطار الفقه في دين الله لأنها لا بد أن تكون مؤطرة حسب حكم الله وحكم الله تعالى لا يتوصل إليه بالجهل وإنما يتوصل به بالعلم ولذلك الفقه في دين الله تعالى هو مناط القيام بهذه الدعوة عندما يفقه الإنسان ويضطلع بأمانة الله إلى الله.

وهذه الدعوة مطلب عام كل احد يطالب بأن يكون داعيا إلى الله تعالى ولكن بعد ما يستجمع شرائط هذه الدعوة بحيث لا يدعو إلا على بينة من ربه فالدعوة هي منهج اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في قول الله سبحانه وتعالى: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين).

فالدعوة إذا لا بد من أن تكون على بصيرة وهي مطلب عام يطلب به كل إنسان ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بأن تكون أمة دعوة عندما قال: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون) فالخير منوط إلى الله سبحانه وتعالى.

وقوله: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ) لا يقصد أن يكون بعض الأمة كذلك وان يتخلى الآخرون عن القيام بهذه المهمة وإنما هذا مطلب عام كما قلت، وإنما جاءت من هنا للبيان وليست هي للتبعيض، لا تعني من للتبعيض، ولذلك كان الفلاح منوطا بالقيام بذلك إذ قال الله تعالى: (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون) فعرف المسند والمسند إليه ووسط ضمير الفصل بينهما ليكون ذلك دليلا على حصر الفلاح في هذا الصنف من الناس الذين يقومون بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ويؤكد ذلك بيان الله تعالى أن خيرية هذه الأمة هي قائمة بالقيام بهذه المسؤولة فقد قال: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) فالدعوة إذا مطلب عام كل أحد مطالب بأن يكون داعية يبدأ الإنسان أولا بنفسه ثم بأسرته كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ثم يتوسع شيئا فشيئا بحسب ما يتسنى له وبحسب ما يمكن أن يصل صوته إلى حيث كان بأي وسيلة من الوسائل وما اكثر وسائل الدعوة في وقتنا هذا فقد كانت الوسيلة فيما سبق (الكلمة) تخرج من الأفواه وتكاد تدكدك الجبال بتأثيرها إذ تحول الناس من حال إلى حال، والآن هذه الكلمة تطوي المسافات البعيدة عبر الوسائل الحديثة فيمكن من خلال هذه الكلمة التي تكتب أن تبث بل حتى من خلال التي تلقى يمكن أن تبث إلى أصقاع الأرض يسمعها البعيد كما يسمعها القريب.

فإذا الكلمة الآن يمكن أن تطوي المسافات البعيدة وتصل إلى آمال بعيدة فلذلك يتعين على الناس أن يقوموا بالدعوة.

والذين يتلقون العلوم الشرعية النافعة المقربة إلى الله سبحانه تعالى عليهم أن يكونوا في مقدمة الناس في القيام بهذه المسؤولية لأنهم هم أولى بالقيام بذلك لما آتاهم الله تعالى من الفقه في دين الله ومعرفة أحكامه.

هذا وقد يصطدم الإنسان بوضع الناس عندما يجدهم غير متقبلين للدعوة بادئ ذي بدء كثير من الناس توجد عندهم ردة فعل بسبب هذه الاصطدام عندما يصلون إلى طريق مسدود ويرون الأبواب أمامهم مغلقة ولا يستطيعون أن ينفذوا إلى الناس ليهدوهم إلى الخير ويبصروهم من العمى ويقودهم إلى الرشد ويثنوهم عن الشر، وهذا على أي حال ليس بمستنكر فإن الداعية ليس بمستنكر أن يصطدم بأي أحد كان وكثيرا ما تكون هذه الصدمة من قبل اقرب قرابته واخص خاصته كما حصل ذلك للأنبياء من قبل عندما كانوا يصطدمون بقراباتهم فنوح عليه السلام كانت له مشكلة مع ابنه وكذلك إبراهيم عليه السلام كانت له مشكلة مع أبيه ونبينا صلى الله عليه وسلم كان أول من كفر به عمه أبو لهب، عندما قال له بعدما جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وقدم الإنذار إليهم فرد عليه أبو لهب (تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا) فإذا لا يستغرب أن تكون هذه الدعوة تصل إلى خط مسدود يقف في سبيل من يدعو إليها من هو أقرب قرابته واخص خاصته.

فلذلك كان الداعية عليه أن يوطّن نفسه لما عسى أن يلقاه من الأذى وما يجده من الشدائد في سبيل هذه الدعوة وهذا ما جاء في وصية لقمان عليه السلام لابنه الذي ذكره الله تعالى إذ حكى عنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) لا بد من الصبر، إذا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا يفرش له الطريق بالورد والياسمين وإنما تفرش هذه السبيل بالأشواك أشواك القداد وبالجمر ولذلك على الإنسان أن يهيئ نفسه.

موقف غير المبصرين.. سلبي

ويقول سماحته: وأولئك الذين يقفون موقفا سلبيا من الدعوة بسبب إعراض المدعوين عن قبولها هم في الحقية غير مبصرين لطبيعة البشر وغير عارفين بالحق الذي انزله الله إذ الإنسان لا يعذر عن الدعوة مهما كان حتى ولو آيس من قبول المدعوين وانصياعهم وانثنائهم عن الغي الذي هم فيه، فنحن نرى في القرآن الكريم كيف يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر وينهي قوما لا يصل الإيمان إلى شغاف قلوبهم: (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُون، لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون) ولكن مع ذلك ما كان النبي صلى الله عليه وسلم معذورا عن القيام بهذه الدعوة.

وفيما قصه الله تعالى من نبأ بني إسرائيل بيان أن هذه الدعوة هي سبيل النجاة لمن تحملها وصبر في سبيلها فقد ذكر كيف كان الأمر عندهم عندما اعتدى من اعتدى منهم في السب والآخرون الذين لم يشاركوهم العدوان وقفوا موقفين موقفا إيجابيا وموقفا سلبيا، الموقف الإيجابي ممن أمر ونهى، والموقف السلبي ممن عدل، عدل هؤلاء نظرا إلى انهم يدعون من لا يرجى منهم الاستجابة فقد ذكر ذلك الله تعالى ذلك في قوله: (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون، وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُون) لما جاء أمر الله تعالى من الذي نجي إنما نجي من كان آمرا داعيا إلى الحق ناهيا عن المنكر مبصرا لطريق الحق.

أما من عاداهم فيشملهم انهم كانوا ظالمين فلذلك أخذوا بالعذاب ويدل على انهم جميعا اشتركوا في هذا المصير والعياذ بالله- المصير المردي ما جاء في قول الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُون) فعدم التناهي هو السبب في أن يتعرضوا للعنة الله سبحانه وتعالى، وهذا يعني أن كل احد عليه أن يجرد نفسه للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المكر بحسب اتساع أفقه العلمي ومقدرته على القيام بذلك وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم انه لا يعذر أحد عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو كان الأمر والنهي بالقلب عندما يحال الإنسان بين الأمر والنهي باليد أو الأمر والنهي باللسان فقد قال عليه الصلاة والسلام (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) فهذا يعني انه ليس لمن لم ينه بقلبه حظ من الإيمان لأنه ترك فريضة الله سبحانه وتعالى التي فرضها عليه.

على عاتق الأمة جميعا

والقيام بهذا الواجب الملقى على عاتق الأمة جميعا إنما يكون بالعلم النافع فلذلك كان من الضرورة بمكان أن يوجد في كل مجتمع وفي كل طائفة منا لبشر من يبصر الناس بأمر دينهم ومن يعرفهم بما لهم وما عليهم وأن يصلهم بالله سبحانه وتعالى وهؤلاء هم المتضلعون بعلوم الشريعة القادرون على توجيه الناس إلى الحق في جزئيات المسائل الشرعية وكلياته في دقائقها وجلائلها وهؤلاء هم الذين أشار الله تعالى اليهم بقوله: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون) وهذا يعني أن الذين يتلقون العلوم الشرعية هم يتحملون هذه المسؤولية فعليهم أن يهيؤوا انفسهم وأن يهيؤوا إمكاناتهم وطاقاتهم لتحمل هذه المسؤولية والقيام بهذا الواجب عليهم أن يبصروا انفسهم أولا بالحق ثم عليهم أن يبصروا الآخرين بحسب ما يمكن لهم أن يقوموا بهذا التبصير بحسب الوسائل المتاحة لهم وما اكثر الوسائل التي أتيحت للناس في وقتنا هذا.

وهذا إنما يكون بعد أن يزكي الإنسان نفسه إذ العلم وحده لا قيمة له إن لم تكن هنالك تزكية للنفوس، العلم إنما ثمرته العمل به وبالعمل تتزكى هذه النفوس وتزكية النفوس هي الغاية مما شرع الله سبحانه وتعالى.

وبين سبحانه أن التزكية تقابلها التدسية الزكية إنما تكون بالتقوى والتدسية إنما تكون بالفجور: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) فلذلك على طلبة العلم وعلى كل من كان في درب هذه الحياة أن يحرص على تزكية نفسه لكن طلبة العلم عليهم أن تكون تزكيتهم لنفوسهم مصاحبة لطلبهم العلم فإن الله تعالى عندما بعث عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لينقذ الناس من الضلالة بعثه معلما ومزكيا وامتن سبحانه وتعالى بكونه مزكيا قبل أن يمتن بكونه معلما في ثلاث آيات من القرآن الكريم: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُون، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُون) كذلك يقول الله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين) وقال: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين) فإذا التزكية لا بد من أن تكون مقابلة للتعليم وتعليم بدون تزكية لا يفيد شيئا.

كلا الأمرين منوط بالآخر لا يمكن للإنسان أن يزكي نفسه بدون تعليم ولا يمكن أن يصل إلى العلم الصحيح أيضا إلا بالتزكية فنحن نرى كيف يبين الله تعالى لنا في كتابه الكريم من هم الذين وصلوا إلى المقامات العالية في العلم (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَاب) أي الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين يعلمون والذين لم يتصفوا بهذه الصفات هم من الذين لا يعلمون، فإذا بقدر ما يكون الإنسان متقربا إلى الله سبحانه بالتقوى وحسن العمل ومراقبة الله والحذر من العقوبة في الدار الآخرة ورجاء رحمة الله سبحانه وتعالى يكون أعلى درجة في العلم ومراتبه ومن كان بخلاف ذلك فإنه ينقص حظه من العلم بقدر نقصان حظه من العمل والعياذ بالله ولذلك قال الله تعالى بعد ذلك (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَاب) فهؤلاء هم أولوا الألباب حقا.