azza-al-qasabi
azza-al-qasabi
أعمدة

فـيلم الرحـلـة... بـين المغامـرة والاحتـراف

04 سبتمبر 2019
04 سبتمبر 2019

د.عزة القصابي -

قامت الجمعية العمانية للسينما بعرض عدد من الأفلام العمانية في موسمها الدرامي لهذا العام، كان آخرها فيلم «الرحلة»، الذي يصنف على أنه دراما رعب، وهو من إنتاج استيديو قريات للإنتاج الفني 2019. كتب السيناريو وأخرجه طلال السلماني.

استوحيت فكرة فيلم «الرحلة» عن قصة أفلام «الدراكولا» العالمية، التي في مجملها تتحدث عن مجموعة أشخاص، يتعرضون للهجوم من قبل أحد أفراد «الدراكولا». وبعد أن إصابة أحدهم يقوم بدوره بالهجوم على الآخرين. وهكذا دواليك حتى يتحول الجميع إلى نسخ مكررة من «الدراكولات». ولقد استنسخت هذه الفكرة مئات من المرات في دراما الرعب، وأنتجت أفلاما شتى تتمحور فكرتها حول نفس الموضوع.

تدور أحداث فيلم «الرحلة» حول مجموعة من الشباب يذهبون معا في «رحلة» تستغرق أكثر من ثلاث ساعات للوصول إلى المكان المحدد. وهناك يجدون أنفسهم في منطقة نائية، بعيدة عن أوجه الحضارة، قلما أحد يذهب إليها.

وكان الدافع من وراء هذه «الرحلة» - كما أفصح الحوار - محاولة الإصلاح بين المتخاصمين (مروان، علي)، والذين حدث بينما نزاع منذ سنوات...لذا قرر مخطط الرحلة «طاهر» أن يجمعهما في لقاء أو رحلة استجمام بحضور بقية المقربين من الأصدقاء.

وبعد اكتمال عدد المشاركين في الرحلة، يتفاجأ الشابان اللذان بينهما قطيعة وجفاء سابق بوجود كل منهما في نفس المكان. وكانت ردة فعل «مروان» سريعة، وعنيفة، إذ سرعان ما تشاجر مع قائد الرحلة «طاهر» –مخطط الرحلة- ومع «علي»!.

وأثناء ذلك ظهر الساحر أمامهم بسرعة خاطفة، وسرعان ما اختفى في لمح البصر!. ومن هنا كانت بداية انطلاقة الصراع ضد المجهول «الساحر» الذي عمل على تشتيتهم في الخلاء(السيح) حتى يسهل القضاء عليهم، وقتلهم الواحد تلو الآخر في تواتر زمني تراجيدي.

والمتابع للأحداث يلاحظ التواتر الزمني وتصاعد الأحداث بشكل مخيف يجعل المشاهد يشعر ويعايش الواقع المأسوي للشخوص، ويجعل فيلم «الرحلة» يندرج ضمن فئات الأفلام ما فوق سن (18) في حالة أنه لو عرض في السينما، وذلك نظرا لتضمنه كمية من مشاهد العنف والدماء والتعذيب !.

ولابد من الإشارة إلى نوعي الصراع في الأحداث الدرامية، وهما: «صراع ذاتي» تمثل في معاناة الأصحاب وقائد الرحلة؛ تحديدا بعد اتخاذ القرار للذهاب إلى المكان المنعزل، غير مأهول بالسكان، وهناك حدث لهم ما لم يكن في الحسبان! كما حدث هذا الصراع داخل في شخصية «مروان»، عندما قام صديقه علي - الذي كان يعتقد مروان إنه عدوه- بإنقاذ حياته، عندئذ عاش مروان عذابات الضمير! وهناك الصراع الظاهر: الذي برز عند صراع أبطال الفيلم (الشباب) مع الساحر وأعوانه، والذي انتهى بالإجهاز عليهم جميعا، باستثناء قائد الرحلة، والذي في نهاية الفيلم التحم مع روح الساحر، لتبدأ مرحلة جديدة في تصيد ضحايا آخرين أتوا لنفس المنطقة.

استغرقت أحداث فيلم الرعب «الرحلة» ساعتين، وهذا يعني استنزاف إمكانيات كاتب السيناريو والمخرج لتوليد أحداث درامية طويلة تكفي لتغطية الزمن الفعلي لأحداث الفيلم. كما جعل البناء الدرامي يعاني من الإطالة والتكرار بفعل الحوارات الطويلة. واستنزف القدرات الأدائية لدى الممثلين لدفع الأحداث وتأجيج الصراع، وصولا إلى الأزمة. لذا كان من الأفضل أن تختزل وتكثف قصة الفيلم، والتخلص من النوافل التي قد تبعث الممل لدى المشاهد.

ولابد من الإشارة، إلى أن ظهور الساحر بملامح الكاهن أو الساحر عالميا، تسبب في إحداث ربكة لدى المشاهد كون الأحداث وقعت في البيئة العمانية، وحوار الشخصيات باللهجة العمانية. لذا كان يفترض تتصالح شخصية (الساحر) مع الواقع العماني الذي يكتنز بكم هائل من الأساطير والقصص التي تصف السحرة وهيئتهم، وسلوكياتهم حسب ما ورد في ميثولوجيا الذاكرة الجماعية، التي يمكن أن تولد مئات من القصص الخيالية، كان يعتقد ويؤمن الناس بها قديما، حول وجود السحرة والجن وغيرها.

ومن اللافت للنظر، قدرة المخرج وكاتب السيناريو طلال السلماني في صناعة وتوظيف الخدع البصرية والحيل السينمائية بطريقة تتقرب من الاحترافية، فقد لاحظنا الساحر يظهر ويختفي وكذلك أعوانه...بالإضافة إلى الشباب «الضحية» عندما كان الساحر يخفيهم ويظهرهم، ثم يؤذيهم بطريقة غير مباشرة.

ومن جانب آخر، حاول كادر العمل الفني وضع «المكياج السينمائي» في مشاهد العنف ومحاولة تغيير ملامح الممثلين باستخدام المكياج بعد تعرضهم للتعذيب والضرب والقتل. بالرغم من ذلك إلا أن معدي الفيلم لم يتمكنوا من إقناع المتلقي بواقعية العنف الذي تعرض له الأصدقاء أثناء الركض والهرب من الساحر في الخلاء وبين الكثبان الرملية، حيث ظهرت وجوه بعض الممثلين وملابسهم في حالة جيدة، حتى قرب نهاية أحداث الفيلم، ظهرت بعض الكدمات والجروح. ربما يرجع ذلك لكونها التجربة الأولى لفريق العمل الفني في الإنتاج السينمائي، مع شح الإمكانيات والأجهزة الفنية، لذا نلتمس لهم العذر.

يحسب للكاتب السيناريو والمخرج طلال السلماني- ذلك الشاب المغامر، وبقية فريق العمل الفني من الممثلين والفنيين من ولاية قريات- مغامرتهم لإنتاج مثل هذه النوعية من الأفلام، التي قلما نجدها في قائمة الأفلام السينمائية الخليجية أو الشرق الأوسطية، فما بالك على مستوى الإنتاج السينمائي المحلي، إذ يندر أن ينتج فيلم سينمائي رعب، بهذه الإمكانيات المتواضعة، المحفوفة بالكثير من التحديات أمام فريق العمل من الشباب المغامرين، والذين تمكنوا أن يقدموا تجربتهم الفلمية هذه، وندعوهم للمواصلة وخوض ورش فنية سينمائية تمكنهم من تجويد أعمالهم السينمائية مستقبلا.