الملف السياسي

حرائق الأمازون .. استحقاقات سياسية وتبعات اقتصادية

02 سبتمبر 2019
02 سبتمبر 2019

إمـــــيل أمـــــين -

وفقا لدراسة نشرتها مجلة الطبيعة العلمية عام 2012، فقد كانت غابات الأمازون مسؤولة عن جلب الأمطار إلى المنطقة المجاورة. فيما أشارت مجلة «علوم أمريكا»، إلى أن إزالة الغابات يمكن أن تتسبب في تراجع هطول الأمطار في مساحات شاسعة، حتى لو أدى ذلك إلى زيادة هطول الأمطار في المنطقة التي خضعت لإزالة الغابات».

ما الذي يجري في منطقة الأمازون، وهل هذه أزمة بيئية فقط أم أنها إشكالية سياسية ومعضلة اقتصادية في الوقت ذاته؟

الشاهد أنه منذ بداية شهر أغسطس الجاري وحتى الساعة لا تزال النيران مشتعلة في منطقة غابات الأمازون المطيرة في البرازيل، ومن دون توقف أو قدرة على إخمادها مرة واحدة ، ولعل الذين قدر لهم الاطلاع على صور الأقمار الاصطناعية التي التقطت من الفضاء للغابة ذاتها استطاعوا أن يعدوا نحو عشرة آلاف حريق في تلك المنطقة، أما مركز الأبحاث الفضائي البرازيلي فقد أحصى نحو 72 ألف حريق في الغابات، وهي نسبة تزيد 83% عن العام الماضي، وتعد هذه النسبة هي الأعلى منذ بدء عمليات تسجيل الحرائق في غابات الأمازون عام 2013. ولعل السؤال الأول الذي تبادر إلى ذهن القارئ ما السبب الرئيس وراء تلك الحرائق، ومن بعده يبقى الطريق مفتوحا أمام معرفة الإشكاليات السياسية والصراعات الاقتصادية التي سوف تتولد من مشهد النيران المشتعلة في الغابات... ماذا عن ذلك؟.

قبل الجواب المباشر ربما يتعين علينا الإشارة ولو في عجالة إلى تاريخ غابات الأمازون والتي تضرب جذورا في بطن التاريخ تعود إلى 55 مليون سنة، وتبلغ مساحتها نحو خمسة ونصف مليون كيلومتر مربع ، والجزء الأكبر منها يقع في البرازيل، والباقي في 8 دول هي الإكوادور، فنزويلا، سورينام، بيرو، كولومبيا، بوليفيا، جيانا وجويانا الفرنسية.

يطلقون على غابات الأمازون «رئة الأرض»، والسبب في ذلك أن الغابات التي نحن بصددها تحتوي على ما يقرب من 16 ألف نوع من الأشجار المختلفة ، والتي يبلغ عددها نحو 390 مليار شجرة، وبها أكثر من 40 ألف نوع من النباتات، وما يقارب من 3 آلاف نوع من الفواكه القابلة للأكل، وأكثر من مليونين ونصف المليون نوع من الحشرات، الأمر الذي يعني أن الحرائق التي انطلقت فيها سوف تحرم العالم والمنطقة من فكرة التنوع البيولوجي، الأمر الذي لفتت إليه الانتباه صحيفة الجارديان البريطانية مشيرة إلى أن أنواع عديدة من الكائنات الحية سوف تقضي هناك.

وعودة إلى الأسئلة السابقة والتوقف بنحو خاص أمام المسبب الرئيس للحرائق الرهيبة الأخيرة، فنجد أن المعهد الوطني للأرصاد الجوية في البرازيل يذهب إلى انه من أهم أسباب الحريق الأخير موجة هواء باردة غيرت من اتجاه الرياح وساعدت إلى اشتعال النيران في أوقات الجفاف في الغابات، مما أدى لاحقا إلى ارتفاع ألسنة اللهب، ومن ثم انتقالها من مكان إلى آلاف الأماكن، ما أدى إلى مستوى الحرائق الذي نراه الآن.

لكن العديد من الأصوات سواء داخل البرازيل أم خارجها تؤكد على أن المزارعين البرازيليين هم السبب، وقد وجدوا في إحراق القش ومخلفات الزراعة فرصة لإشعال الحرائق بهدف اكتساب المزيد من الأراضي الزراعية التي تصلح سواء لزراعة المزيد من المحاصيل، أو الاستغلال في تربية قطعان الماشية.

تحولت الأزمة إلى سجال سياسي قبل أن يكون بيئيا، سجال داخلي أولا بين البرازيليين وبعضهم البعض، وتاليا سجال سياسي دولي، لا سيما بعدما جرى على هامش قمة السبع الأخيرة في فرنسا.

فيما يخص السجالات السياسية الداخلية فقد بدا واضحا أن هناك اتهامات بين البرازيليين انفسهم ، فمن جهة اتهم الرئيس البرازيلي «بولسونارو» المنظمات غير الحكومية بإنهم وراء إشعال النيران في غابات الأمازون، لجذب الانتباه ضده وضد حكومته، من دون أن يقدم أي أدلة ؟

فيما الأصوات الداخلية المعارضة لنظام الرئيس بولسونارو ترى انه هو المسؤول عن المشهد ، منذ فتح الباب أمام الأنشطة الاقتصادية المختلفة، والمعروف أن أحد أهم تلك الأنشطة هو تربية المواشي والأبقار، والبرازيل تعد من كبريات الدول التي تصدر لحوم الأبقار إلى العالم الخارجي.

أما على صعيد الأزمة الخارجية فقد بدا واضحا أن هناك مصالح متضاربة بين شعوب أمريكا اللاتينية من جهة والأوربيين والأمريكيين من جهة ثانية، فعلى هامش قمة السبع الكبار في فرنسا الأيام القليلة الماضية وجه الرئيس الفرنسي «ايمانويل ماكرون» انتقادات قاسية للجانب البرازيلي ووصف الأمر بأنه «أزمة دولية»، وحث الزعماء المشاركين في القمة على إعطاء أولوية للحرائق خلال مناقشاتهم.

وأضاف ماكرون: «منزلنا يحترق، غابة الأمازون المطيرة التي تنتج 20% من أكسجين كوكبنا تشتعل فيها النيران».

لم يكن ماكرون وحده الذي أبدى انزعاجه من حرائق الأمازون، فقد انضم إليه رئيس وزراء كندا «جاستن ترودو»، الذي أشار إلى أن البشرية يجب أن تتصرف من اجل إنقاذ كوكبنا ، فأطفالنا وأحفادنا يعولون علينا.

لكن الرئيس بولسونارو رد على الانتقادات الموجهة إليه من قبل السبعة الكبار بالقول: «مؤسف أن يسعى ماكرون لتحقيق مكاسب شخصية في مسألة داخلية للبرازيل ودول الأمازون الأخرى، مضيفا أن النغمة المثيرة التي استخدمها ماكرون لا تفعل شيئا لحل المشكلة.

يعن لنا ومن جديد التساؤل هل احتراق غابات الأمازون بالفعل كما يقول رئيس البرازيل مسألة داخلية، أم أن المشهد أعرض من ذلك بكثير ويهم البشرية برمتها، الأمر الذي تنبه له الكثير من القادة الدينيين قبل السياسيين على مستوى العالم .. ماذا عن ذلك؟

مؤكد أن الأزمة واستحقاقاتها السياسية كانت سببا رئيسا في دعوة الأمم المتحدة للتحرك لحماية الغابات من الحرائق، فقد اعرب الأمين العام للأمم المتحدة «انطونيو غوتيريش»، عبر موقعه على تويتر عن «القلق العميق»، إزاء اشتعال الحرائق في اكبر غابات العالم.

والثابت أنه يحق للامين العام للأمم المتحدة أن يقلق لأن مشهد حرائق البرازيل يضاف إلى بقية مشهد الانفجار الايكولوجي الذي تحدثنا عنه اكثر من مرة، والمرتبط بتغير أحوال المناخ على الكرة الأرضية، وبشكل ربما يؤدي إلى هلاك الجنس البشري مرة والى الأبد. التبعات المناخية لحرائق البرازيل مرتبطة ارتباطا جذريا بتطورات المشهد الاقتصادي العالمي، وستضحى سببا رئيسا في تفاقمه، وتدهور أحواله عما هي عليه الآن.

وفقا لدراسة نشرتها مجلة الطبيعة العلمية عام 2012، فقد كانت غابات الأمازون مسؤولة عن جلب الأمطار إلى المنطقة المجاورة. فيما مجلة «علوم أمريكا»، فقد أشارت إلى أن إزالة الغابات يمكن أن تتسبب في تراجع هطول الأمطار في مساحات شاسعة ، حتى لو أدى ذلك إلى زيادة هطول الأمطار في المنطقة التي خضعت لإزالة الغابات».

الأمر لا يتوقف عند الأمطار في البرازيل فحسب ، إذ تتسبب عملية إزالة الغابات في تراجع كميات الأمطار بالمناطق التي لا تتضمن غابات جنوب البرازيل ، والتي تعتبر أساسًا مناطق زراعية، بالإضافة إلى كل من بارغواي وأوروجواي.

ما الذي يعنيه عدم سقوط الأمطار أو قلتها في تلك المنطقة؟

بداية ستقل كميات المياه الصالحة للشرب في البرازيل أول الأمر ، بل يعتقد أن الجفاف الذي شهدته منطقة ساوباولو مؤخرًا قد تفاقم بسبب إزالة الغابات بمنطقة الأمازون.

ووفقا لمجلة «ناشيونال جيوغرافيك»، تعني قلة الأمطار عدم توافر كميات كافية من المياه للزراعة ، لأن هطول الأمطار في الأمازون يساعد أيضا على توفير المياه لمزارعي حقول الصويا ومربي الأبقار الذين يقومون بإزالة الغابات.

في هذا الإطار تنشأ لدينا معادلة مأساوية كارثية في ذات الوقت ذلك انه مع تفاقم الجفاف وإزالة المزيد من الأشجار، سوف ترتفع معدلات حرارة الأرض، أي المزيد من التصحر والجفاف، ما يعني تهديدا مباشرا في منطقة تعاني من الفقر بالأصل، لإمدادات الغذاء ومياه الشرب.

هناك جزئيات أخرى مثيرة لم تتكشف للكثيرين حتى من الباحثين عن فوائد التنوع البيولوجي في منطقة الأمازون، ما كشفت عنه مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» الشهيرة مؤخرا، والتي أشارت إلى أن علاج مرض السرطان قد يكون موجودا في منطقة الأمازون، فوفقا لمنظمة «رين فوريست تراست» يمكن علاج 90% من الأمراض التي تصيب الإنسان عن طريق وصفات طبية مستمدة من عناصر الطبيعة على غرار سم الأفاعي، الفطريات، شجيرة بريونكل، وبعضها يوجد في الأمازون.

المخاوف السياسية والاقتصادية حول العالم الناجمة عن حرائق الأمازون دعت بابا الفاتيكان البابا فرنسيس إلى القول خلال خطاب أمام عدة آلاف من الأشخاص الذين تجمعوا في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان لحضور عظته الأسبوعية: «كلنا قلقون من الحرائق الضخمة، التي اندلعت في غابات الأمازون، دعونا نصلي من اجل إخمادها بالتزام من الجميع؛ لأن هذه الغابات حيوية لكوكبنا، وبمثابة رئة الأرض»..

لعل المأساة الحقيقية في مشهد غابات الأمازون تتضح من خلال حالة الصراع السياسي بين كبار قادة الدول، فعلى سبيل المثال ربط الرئيس البرازيلي بولسونارو قبول أي مساعدات من مجموعة السبعة، والتي أعلنت في نهاية قمة فرنسا أنها تبرعت بعشرين مليون دولار مساعدات للبرازيل لمكافحة الحرائق، نقول ربط الرجل قبول المساعدات بأن يعتذر ماكرون عن تصريحاته والتي أشار فيها إلى مسألة سيادة البرازيل على الأمازون مطروحة للنقاش.

لكن على الجانب الآخر، أي الأمريكي – البرازيلي، نجد المشهد مختلفا كل الاختلاف، سيما أن هناك رابطا يميني التوجه يجمع بين الرئيس ترامب، وبين نظيره بولسونارو، فقد غرد ترامب معبرا عن دعمه لنظيره البرازيلي وعرضه المساعدة في إخماد الحرائق وكتب يقول: «اعرف الرئيس بولسونارو بشكل جيد، فهو يعمل بجد لإخماد الحرائق، ويقوم بعمل رائع للشعب البرازيلي. هذا ليس أمرا سهلا» هل تصريحات ترامب هذه منطلقها أن رئيس البرازيل يساند الرئيس الأمريكي في مواجهته للأزمة في فنزويلا، وخاصة تجاه الرئيس مادورو الذي تعتبره واشنطن منتهي الصلاحية ؟

لا يهم الجواب، ما يهم العالم الآن مناخيا واقتصاديا، بل وسياسيا، إطفاء هذه الحرائق ولاحقا ربما يتسع المجال للخلافات السياسية بين زعماء العالم .

سؤال مثير وخطير قبل الانصراف ونترك للقارئ البحث عن جواب له: «هل كارثة غابات الأمازون كانت مدبرة من قبل عمال مناجم الذهب وملاك الأراضي الزراعيين ؟

البراجماتية الاقتصادية تكاد تقضي على مستقبل البشرية.