أفكار وآراء

ترامب لا يفاوض إنه يطالب

01 سبتمبر 2019
01 سبتمبر 2019

ريتشارد هاس - واشنطن بوست - ترجمة قاسم مكي -

يركز منتقدو سياسة الرئيس ترامب الخارجية على هجماته على حلفاء أمريكا والطريقة التي يمتدح بها الأنظمة الاستبدادية أو عادته في رفض الاتفاقيات الدولية. لكن هنالك جانب آخر من سياسته الخارجية مهم بنفس القدر. إنه افتقارها إلى الدبلوماسية.

تقليديا، تتخذ الدبلوماسية شكلين هما المشاورات والمفاوضات. المشاورات تعني تبادل وجهات النظر بين الحكومات. وعادة ما يكون الهدف منها التأثير على تفكير وسلوك الطرف الآخر أو، بتواضع أكثر، التقليل من فرص وقوع مفاجأة أو سوء تقدير يمكن أن يكونا خطرين. كما تنحو المفاوضات إلى أن تكون أكثر تحديدا ويتم خوضها للوصول إلى اتفاق تكون فيه التزامات أطرافها واضحة.

لكن في ظل إدارة ترامب تبدو الولايات المتحدة غير مهتمة بكليهما(المشاورات والمفاوضات). لقد نأت الإدارة الأمريكية بنفسها إلى حد كبير عن المواجهة بين الصين وهونج كونج. فالرئيس يرسل تغريدات ملغزة يعبر فيها عن ثقته بأن الجانبين سيرتبان أمورهما ويقرر أنهما « لايحتاجان إلى نصح». كما تفتقد تغريداته إلى أي تأكيد على حقيقة أن الصين تعهدت لبريطانيا باحترام خصوصية هونج كونج عند تسليم المنطقة في عام1997 وأننا نتوقع من الصين الوفاء بذلك التعهد. أيضا تفتقد تغريدات ترامب بقدر كبير إلى اقتراحات بالكيفية التي يمكن أن تحل بها المواجهة بطريقة سلمية تدعم الحقوق الأساسية لشعب هونج كونج.

هنالك أيضا بنفس القدر الأزمة المتصاعدة بين الهند وباكستان والتي كان من بين أسباب اندلاعها عرض الرئيس ترامب بالتوسط في إنهاء نزاعهما الذي طال به الأمد حول كشمير. فهذا شيء لن تقبل به أية حكومة هندية. وما زاد الطين بلة أن ذلك العرض تم طرحه في المكتب البيضاوي بحضور رئيس وزراء باكستان. وكان رد فعل الهند تجاه ذلك تجريد الإقليم ذي الأغلبية المسلمة من معظم سلطات حكمه الذاتي.

ربما، إن التشاور المنتظم كان سيمنع التحول الذي حدث في السياسة الهندية إزاء كشمير أو يصوغ رد باكستان (إذا فشل في الحيلولة دون ذلك التحول). والخطورة أن هذين البلدين النوويين، في غياب التدخل الدبلوماسي الأمريكي، قد يجدان نفسيهما مرة أخرى في مسار صدامي وتصعيدي.

ثم هناك الخلاف المتفاقم بين اليابان وكوريا الجنوبية حول قضايا تاريخية ناشئة عن الاحتلال الياباني (لشبه الجزيرة الكورية) في الفترة من 1910 إلى 1945. فبعد أن تركت الولايات المتحدة حليفتيها لوحدهما اشتبكتا في حرب كلمات وعقوبات. وقد تساعد المشاورات التي يمكن أن تجريها الولايات المتحدة البلدين في تجسير الخلافات بينهما حتى يتحقق التنسيق الضروري (بينهما) في مواجهة كوريا الشمالية والصين.

أتوقع أن يرد مؤيدو ترامب بعد أن يقرؤوا (هذا المقال) قائلين وماذا بشأن كوريا الشمالية؟ والشرق الأوسط؟ والصين؟ والتجارة؟ (أي يدفعون بأن سياسة ترامب الخارجية تنتهج الدبلوماسية في تعاملها مع هذه القضايا المذكورة- المترجم) حسنا وماذا بشأنها؟

لا يمكن اعتبار التعاطي الأمريكي مع أي من هذه القضايا دبلوماسيا. فالدبلوماسية تتطلب دائما تقريبا قدرا من الأخذ والعطاء. لكن ما نراه، بدلا عن ذلك، هو مطالبة الطرف الآخر بالاستسلام. ومن هنا المطالبة الأمريكية بأن تتخلى كوريا الشمالية تماما عن أسلحتها النووية. لكن ليست هنالك فرصة في أن يفعل كيم جونج أون ذلك. فهو يعتقد أن الأسلحة النووية تضمن أمنه وأمن بلده. لقد شاهد كيم ما حدث لأوكرانيا بعد أن تخلت عن الأسلحة النووية التي ورثتها من الاتحاد السوفييتي.

إن الدبلوماسية تستلزم نوعا من الاتفاق المرحلي تفكك بموجبه كوريا الشمالية منشآت نووية معينة وتقبل بقيود على ترسانتها وذلك في مقابل حصولها على قدر من الإعفاء من العقوبات. أي أن يكون هنالك تنازل عن شيء مقابل شيء.

أما المقاربة الأمريكية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي فأحادية الجانب إلى حد أنه لايمكن اعتبارها دبلوماسية. لقد قطعت إدارة ترامب العون عن الفلسطينيين ونقلت السفارة الأمريكية إلى القدس واعترفت بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان. كما لايوجد تأييد أمريكي للدولة الفلسطينية أو قيود على المستوطنات الإسرائيلية.

وفيما يخص إيران من الممكن أن يكون هنالك اتفاق يضع في مقابل بعض التخفيف من العقوبات قيودا حول ما يمكن أن تفعله إيران في المجال النووي. لكن هذا الاحتمال لايمكن حتى استكشافه وتحسسه طالما بدا أن إدارة ترامب تنوي تغيير النظام في طهران وتعاقب كبير دبلوماسييها.

وفي جانب الصين هنالك اتفاق متاح ويمكن التوصل إليه معها. وهو اتفاق يتعامل مع تيسير النفاذ إلى السوق وحماية الملكية الفكرية. لكنه لن يستلزم من الصين تغيير نموذجها الاقتصادي ووقف دعمها المالي للشركات والقطاعات الحيوية لها.

أما المفاوضات مع طالبان فهي، للإنصاف، ترقى إلى مرتبة الدبلوماسية. المشكلة هنا أن إدارة ترامب تبدو أكثر اهتماما بانسحاب الولايات المتحدة منها ببسط السلام. لذلك من الممكن جدا أن يقود النجاح الدبلوماسي المحتمل في أفغانستان إلى فشل استراتيجي. لكن هذا هو الاستثناء. ففي أكثر الأحايين تتنكب إدارة ترامب سبيل الدبلوماسية وتعتمد العقوبات والرسوم الجمركية. غير أن هنالك حدودا لما يمكن أن تحققه هذه الوسائل والعديد منها يؤذي المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة.

بدون الدبلوماسية ستتضرر المصالح الأمريكية في العالم أو تزداد الضغوط لاستخدام القوة العسكرية أو يقترن الاثنان معا.

  • الكاتب رئيس مجلس العلاقات الخارجية. عمل سابقا بوزارتي الدفاع والخارجية وأيضا في البيت الأبيض أثناء فترة رئاسة جورج بوش الأب.