1299855
1299855
المنوعات

أعمال فنية مولعة بأدق التفاصيل كما لو كانت اللوحة خارجة من منظور العين المجردة

25 أغسطس 2019
25 أغسطس 2019

تقنية الأخوين «أوكس» تحاكي منظور العين أو أسلوب الغرفة المظلمة -

نيويورك - «د.ب.أ»: يتنقل ريان وتريفور أوكس بسرعة وفي صمت عبر قاعة القراءة في المكتبة العامة بنيويورك. بحركات روتينية، يقرّب التوأم حامل الرسم ويرفعانه حتى بهو القاعة، ثم يثبتانه على درابزين السلم بشريط لاصق قبل تجهيز أدوات الرسم. لا يسمع في الأجواء سوى طنين أجهزة التهوية، بينما القاعة غارقة في صمت تام.

يعمل التوأم، يوما بعد يوم من الصباح وحتى المساء في أغلب الأحيان، لكي يبدعا بتركيز ودأب، ما سيصبح يوما ما اللوحة الفنية الأكثر دقة وتفصيلا لقاعة القراءة الرئيسية بأشهر مكتبة عامة في مدينة نيويورك. سيبرز الشكل النهائي للوحة بمنتهى الدقة كل ركن بالقاعة بثرياتها ووحدات إضاءتها حتى أقصى جزئية منقوشة في ديكورات السقف. ومن المنتظر أن تنتهي لوحتهما الدقيقة، مع العمل اليومي بدون توقف خلال عام على الأقل، بينما سيختتم المشروع بالكامل في عام 2022، وذلك لأن الشقيقين يتعاملان مع لوحاتهما بدقة ومهارة جراح مخ وأعصاب. ويعمل تريفور، الرسام الرئيسي، وكأنه يقوم بتثبيت مواد إلكترونية دقيقة في رقاقة حساسة بجهاز حاسوب متطور.

وتتحول المحادثة سريعا عن أسلوبهما وتقنيتهما في الرسم إلى نقاش حول فلسفة البصريات والنظريات الفيزيائية، مملوءة بعبارات مثل: «إن ثبات الفضاء وزوال الزمن هما طبيعة ونسيج واقعنا»، ويطرحان أسئلة من نوعية «أين يبدأ المجال البصري وأين ينتهي؟ إذا فقدت الأجسام وضوحها على حافة أو أفق مجال الرؤية، هل يمكن للعين البشرية أن تستوعبها؟» ويفصل بين التوأم من حيث العمر الزمني 25 دقيقة لحظة الميلاد، وقد اختبرا واستكشفا العالم معًا، ولهذا يعتبر الاثنان نوعا ما، عنصرين تحت الاختبار في تجربة واحدة ولهما متطلبات مماثلة. ويقول ريان: «نقول دائمًا إننا طفلان متميزان».

الطريف أن والديهما لا يزالان يخفيان أيهما أكبر من الثاني بنحو نصف ساعة، لأسباب تتعلق بالمساواة. ولطالما كانت البصريات والمنظور الفني موضوعًا للدراسة، على أقل تقدير منذ لوحة «العشاء الأخير» للفنان الكبير ليوناردو دافنشي. ويتردد أن المهندس المعماري الإيطالي فيليبو برونليسكي طور المنظور الخطي في عام 1413. هذه الطريقة الهندسية للمنظور شكلت قرونا من تاريخ الفن، بدءا من تزيانو إلى رامبرانت وفنسنت فان جوخ.

ولكن لتصوير المساحات المعقدة بطريقة واقعية للغاية – وهي واحدة من أصعب مهام الرسامين - قطع الأخوان أوكس خطوة إلى الأمام: لقد طورا تقنية الرسم الخاصة بهما. ومن المعروف أن الطبيعي أن العقل ينتج صورة متناغمة وموحدة من الانطباع الذي يصل إليه من العينين في نفس الوقت، في حين تعتمد تقنية الأخوين أوكس على عملية خداع ما لتجبر العقل على استيعاب صورتين منفصلتين.

ولكي يرسم الاثنان، فإنهما يركزان النظر على الريشة التي يمسكان بها أمام أعينهما عن قرب مع التركيز في نفس الوقت على الشيء عن بعد، بحيث لا تنتقل النظرة أو تنفصل بين القريب والبعيد. وتبدع الريشة في هذه المساحة نوعًا من «الصورة الوهمية المزدوجة» تتسم إلى حد ما بالشفافية، والتي يقوم الأخوان بنسخها على ورق شفاف، إذا جاز التعبير. وبسبب هذه التقنية الفريدة في الرسم، أصبح الأخوان أوكس يلقبان بـ «الحجرة البشرية المظلمة،» في إشارة إلى تقنية العين في الإبصار.

ووفقًا لتريفور، فإن هذه التقنية «مجنونة» إلى حد ما، لكنه يوضح أنه بعد أربع سنوات من الممارسة، تعلم متى يحفز ومتى يلغي بإرادته القشرة البصرية.

ومن المعروف أن القشرة البصرية للدماغ: هي القشرة الدماغية المسؤولة عن معالجة البيانات البصرية، وهي تقع في الفص القذالي بالجزء الخلفي من الدماغ. وهي جزء من القشرة الدماغية التي تلعب دورا مهما في معالجة المعلومات المرئية البصرية القادمة من العين، يمر من خلال نواة جينيكيوليت الجانبية، التي تقع في المهاد، ومن ثم تصل إلى القشرة البصرية. ويحتوي كل نصف من الدماغ على قشرة بصرية.

وتتلقى القشرة البصرية في نصف الكرة الأيسر إشارات من المجال البصري الأيمن، أما القشرة البصرية في نصف الكرة الأيمن، فتتلقى الإشارات من المجال البصري الأيسر، وهكذا تعالج العينان نفس البيانات تزامنيا فلا ترى كل عين صورة مختلفة عن الأخرى في نفس الوقت. ومع ذلك يؤكد الشقيقان أوكس «لقد أدركنا أنه يمكننا تصوير أي مشهد بشكل كامل، مهما كان التعقيد».

ومن أجل تفادي التشوهات على الحواف، يرسم الأخوان أوكس على ورق مقوس وحامل رسم مقوس (مقعر) صنعاه بأيديهما. وبمساعدة قاعدة متحركة يثبتان رأسيهما ليضمنا ثبات وضع أعينهما وبالتالي رؤية الرسم. والنتيجة هي تأثير التصوير الفوتوغرافي تقريبا. ومن الأمثلة على ذلك رسومات في الطابق العلوي من مبنى كرايسلر، ومناظر مطلة على لندن وفلورنسا ومتحف شيكاغو للتاريخ الطبيعي. أما أفضل الرسومات لديهما فكانت في ولاية داكوتا الشمالية، حيث نصبا الحامل الخاص بهما لمدة ثلاثة أسابيع، وتجهزا بملابس خاصة تناسب أجواء القطب الشمالي، وتحديا الرياح القوية والطقس القاسي.

وتشكل الطبيعة تحديًا حتى بالنسبة للأخوين أوكس، حيث تصل إلى حدودها الخاصة من حيث واقعية الصور.

ويقول ريان في دراسته التي أجراها بجوار نهر هدسون: «ليس هناك ما يشبه صورة الماء. إنها تعطي دائما تفسيرا مختلفا» ويضيف أنهما يعكفان الآن على مشروع رسم زيتي بالتوازي مع مشروع لوحة المكتبة العامة بنيويورك. ويسعى الأخوان أوكس خلال السنوات الثلاث القادمة إلى رسم 36 لوحة بانورامية تعبر عن مناظر صيفية لمنطقة جبل بيكون عند وادي نهر هدسون: الضباب الصباحي، السحاب، زخة مطر مفاجئ. ويقول ريان: «إنه مشهد يعيد توليد نفسه، فكرة تولد إبداعا لا نهائي من الرسومات.» ويتحدث الأخوان البالغان من العمر 37 عامًا، واللذان يجيبان في كثير من الأحيان بنبرة واحدة، في نفس الوقت وبنفس الكلمات، عن «نافذة لإمكانية الانفتاح على الفضاء،» كما يخصصان لكل يوم طبقة من الألوان تعكس حالتهما والظروف المناخية. وفي حين تؤكد أعمال الفنان البريطاني راكستراو داونز المغرقة في التفاصيل الدقيقة أو الرسوم التوضيحية المصنوعة بعدسات من عيون الأسماك، التشوهات، فإن أعمال الأخوين أوكس مكرسة لـ «الحقيقة الموضوعية».

ويعد الطقس بالنسبة لهما نوعا من مرايا العقل البشري، حيث يقول تريفور: «في الضواحي المحيطة بنهر هدسون، لا ترى أشخاصًا» ومع ذلك، وبطريقة ما، لا يمكن للمرء أن يخفق في التقاط المشهد الداخلي في رسوماته.