46544
46544
المنوعات

الأوستراكا.. قطع فخار محروق حولها قدماء لأعمال فنية عاشت لآلاف السنين

24 أغسطس 2019
24 أغسطس 2019

الأقصر(مصر) - «د.ب.أ»: أبهر الفنان المصري القديم العالم أجمع، بما تركه من أعمال فنية خالدة، ظلت محتفظة بألوانها ونقوشها المدهشة طوال آلاف السنين. وتجلت عظمة الفنان المصري القديم، وتمكنه من أدواته الفنية، في تلك القطع الفنية التي تسمى « الأوستراكا » وهى قطع صغيرة من الفخار المحروق « الشقافة » وكسر من الحجر الجيرى الذي كان يتم جلبه من أعالي الجبال، وهى مواد رخيصة استخدمها القدماء في الكتابة والرسم بدلا من أوراق البردى، وكانت سائدة بين الفقراء والمجتمعات العمالية مثل النحاتين والفنانين في مدينة العمال التي تعرف اليوم باسم « دير المدينة » في البر الغربي لمدينة الأقصر الغنية بمئات المقابر وعشرات المعابد الفرعونية بصعيد مصر.

وقد عثرت البعثات الأثرية التي قامت بعمليات تنقيب وسط جبانة طيبة القديمة، على آلاف من قطع الأوستراكا التي يرجع معظمها إلى الأسرتين الثامنة عشرة والعشرين في مصر القديمة. وبحسب فرنسيس أمين الباحث في علوم ات، فإن القطع المكتشفة من الأوستراكا، وجدت عليها نصوص أدبية وحكم وأشعار غرامية ورسائل وحسابات وقوائم بأسماء عمال، بجانب نقوش ورسوم فنية مدهشة.

حيث كان الفنانون الذين يعملون في رسم جدران واسطح مقابر ملوك ونبلاء الفراعنة في جبانة طيبة وجبل القرنة غرب مدينة الأقصر « يطلقون العنان» لخيالهم وأقلامهم للرسم على قطع الأوستراكا التي وجدوا فيها فنا حيويا يجمع بين طرز ومدارس فنية مختلفة . وتقول المترجمة والكاتبة رشا سلامة، إن العلماء الأجانب، وثقوا في مؤلفاتهم عن آثار مصر القديمة، الكثير من مصادر فن الرسم المصري، وقدموا الكثير من نماذجه، وتناولوها بالتحليل.

وأشارت إلى أن المصدر الرئيسي لأعمال فن الرسم في مصر القديمة، كما جاء بكتب العلماء الأجانب، هو تلك الاسكتشات التي وجدت مرسومة ومحفوظة على قطع من الحجر الجيري الرقيقة وقطع الأواني الفخارية المهشمة ، والتي بات يطلق عليها اسم الأوستراكا.

وبحسب رشا سلامة، فإن معظم قطع الأوستراكا عُثِرَ عليها في المناطق الغنية بمقابر الفراعنة مثل الدير البحري، ودير المدينة ، ووادي الملوك، ووادي الملكات في المنطقة التي تعرف باسم جبانة طيبة القديمة، والتي شيدها ملوك ونبلاء الفراعنة في أحضان جبل القرنة التاريخي في البر الغربي لمدينة الأقصر بصعيد مصر.

وتشير سلامة إلى أن كتاب فن الرسم عند القدماء لمؤلفه « وليم هـ . بيك» يضم بين صفحاته عشرات الرسوم التي وجدت على قطع الأوستراكا، كما يوفر الكثير من المعلومات التاريخية حول ما حوته قطع الأوستراكا من فنون وخطوط مبهرة.

ويقول الأثري المصري علي رضا – مدير منطقة آثار وادي الملوك في مدينة الأقصر – إن أكثر قطع الأوستراكا إبداعا وجاذبية هي تلك التي عُثرَ عليها في منطقة دير المدينة، التي كان يسكنها العمال والفنانون الذين شيدوا معابد ومقابر الفراعنة في جبانة طيبة، حيث عثر المستكشفون على مجموعة ضخمة من الأوستراكا في تلك المنطقة. وأن معظم تلك القطع تعود إلى فترة تمتد من عصر الملك سيتي الأول وحتى عصر الملك رمسيس الثاني، وأن لتلك القطع أهمية كبرى في دراسة تاريخ فن الرسم عند القدماء، وأن كل تلك الدراسات التي نشرت حول ذلك الفن اعتمدت على الاستدلال من قطع الأوستراكا على القواعد التي كانت تحكم فن الرسم المصري القديم.

كما يقول علي رضا إن الدراسات التي تناولت بالتحليل ما حوته قطع الأوستراكا المكتشفة في جبانة طيبة ودير المدينة وغيرها من المناطق الأثرية في غرب مدينة الأقصر، تؤكد على أن أصول فن الرسم في مصر القديمة ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ. وبحسب علي رضا، فإن فن الرسم لم يكن فنا مستقلا قائما بذاته لدى قدماء ين، بل كان ربما عملا تحضيريا لفنون أخرى مثل التصوير والنحت والعمارة.وأن ما حوته قطع الأوستراكا من فنون لا تقل أهمية عن تلك التي أبدعها الفنان المصري القديم على جدران وأسقف المعابد والمقابر في الجيزة واسوان وسوهاج والمنيا والأقصر والوادي الجديد.

ويضيف أنه برغم أن الفنان المصري القديم، كان مكرسا لخدمة الدولة والعقيدة آنذاك، ومدربا على إنتاج نوع من الفن تسيطر على طبيعته « السرمدية والخلود ولا يتعلق بالزمن » ، تمتع الفنان المصري القديم بقدر كبير من الحرية في التعبير عن الملامح العامة للناس العاديين الذين يظهرون في مشاهد مصورة ومنحوتة على جدران المعابد والمقابر، حيث أعطيت الحرية بأوسع معانيها أمام أصحاب الكفاءات الفنية من رسامين ونحاتين ومصورين لتحقيق نهضة فنية فريدة لم يشهدها أي شعب من شعوب العالم القديم.

وقد كان الرسم الذي ظهر على قطع الأوستراكا هو المصدر الذي تولدت منه كل الفنون الأخرى التي عرفتها مصر القديمة.

وقد وثقت قطع الأوستراكا لأولى الخطوات في تطور تجربة الفنان المصري القديم، وسعيه نحو الوصول لأسلوب فني مميز في الرسم، وهو ما حدث بالفعل ، حيث نجح الفنانون في مصر القديمة، في ترك أعمال فنية خالدة أبهرت العالم ومازالت تبهره حتى اليوم.

وقد ابدع الفنان المصري القديم قطعا فنية ولوحات وتماثيل رائعة ذات ألوان مفعمة بالحيوية، ذات تفاصيل دقيقة وأسلوب فني اتسم بالفخامة والجمال.