صحافة

الأيام : ماذا لو سقط نتانياهو؟

23 أغسطس 2019
23 أغسطس 2019

في زاوية آراء كتب عبد المجيد سويلم مقالاً بعنوان: ماذا لو سقط نتانياهو؟، جاء فيه:

هذا السؤال قبل عدة شهور فقط لم يكن سوى مجرد سؤال افتراضي، يتم طرحه في التحليل المقارن، وفي منهج عرض المقاربات والسيناريوهات التي تنتمي إلى عوالم الدراسات والأبحاث الأكاديمية الصرفة.

أما اليوم فلم يعد السؤال كذلك، ولم يعد طرحه يحمل نفس المعنى والمضمون ولا حتى الدلالة. كان السؤال يفيد في المحاججات «المنطقية»، أما اليوم فقد تحوّل السؤال إلى عالم الواقعية، وغدا واحداً من أسئلة السياسة العامة، ومن أسئلة الحكم والسلطة المباشرة في إسرائيل.هذه المسألة بحدّ ذاتها ـ مسألة تغيّر دلالات السؤال ـ هي كناية عن تغيّرات وتبدّلات وربما تحوّلات طرأت على الواقع السياسي والحزبي في إسرائيل، وهي تغيّرات كبيرة وتبدّلات مهمة، وقد ترتقي إلى مستوى التحولات الجدية في أية لحظة قادمة.

لا يجدر بنا أبداً أن ننظر إلى سقوط نتانياهو كحالة مؤكدة، أو حتى مرجّحة، ولكننا بتنا في لحظة سياسية أصبح سقوطه أحد الاحتمالات، وإحدى الإمكانيات، ما دامت الإمكانية هي درجة من درجات تحقق الاحتمال كما يقرر علم الفلسفة. لو سقط نتانياهو فإن الحرب على غزة تصبح على جدول الأعمال، وتنتقل المسألة برمّتها من حقل الحرب كأحد الاحتمالات إلى حقل الحرب كخيار مباشر، واختيار بين إجراءات فنية وأخرى.

ولو سقط نتانياهو، وجاءت إلى رئاسة الوزراء شخصية «ليكودية» من على شاكلته، فإن خيار هذه الشخصية لن يكون خيار «الإبقاء» على حكم «حماس» في قطاع غزة، وذلك لأن سقوط نتانياهو ـ إن حدث ـ هو نتاج حالة سياسية جديدة، قد لا تمكّن هذه الشخصية من «تكرار» سياسة نتانياهو، ولأن هذه الحالة ستكون قد فرضت على «الليكود» معادلة جديدة للحكم والتحالفات.

فنحن في الواقع إذا استثنينا حزب «ميرتس» المتحالف مع ايهود باراك، وجزئياً حزب «العمل» فإن بقية الأحزاب الصهيونية تدعو إلى هذه الحرب، وتحرض عليها، وليس لديها أي مانع من شنها (وذلك أضعف الإيمان). ولو سقط نتانياهو فإن فكرة الضم الكامل للضفة لن ترى النور بالمطلق، وأبعد ما يمكن أن تُقدِم عليه إسرائيل هو فرض «السيادة» الإسرائيلية على «المستوطنات» الكبيرة، وتغيّر في قضية الغور باتجاه السيطرة الأمنية، أو التواجد الأمني، بدلاً من الاستيلاء عليه وفرض «السيادة» الإسرائيلية عليه.

أما فيما يتعلق بقضيتي الدولة والقدس فليس هناك حتى الآن ما يشير إلى أن ثمة تغيرات جدية يمكن أن تحدث لو سقط نتانياهو، وليس هناك بالمطلق من إمكانيات لأي تغيرات في قضية العودة.

لهذه الأسباب فإن سقوط نتانياهو ـ والذي يعني سقوطا لـ«اليكود» بصورة أو بأخرى، أو تحوّله إلى أحد مراكز الحكم القوية بدلاً من مركز القوة الأساس لهذا الحكم، سيعني بالضرورة أن الائتلاف القادم في إسرائيل سيكون مطالباً بتقديم «مقاربات» سياسية جديدة، دون أن يكون مطالباً بهذه المقاربات في قضيتي القدس واللاجئين.

ولو سقط نتانياهو فإن تحولات، وليس مجرد تبدلات وتغيرات ستجرى في الشأن الداخلي الإسرائيلي، وخصوصاً فيما يتعلق بالمسألة الديمقراطية، والتي باتت مهددة بصورة مزدوجة من قبل «الحريديم»، ومن قبل اليمين الأكثر تطرفاً، ومن غلاة المستوطنين الذين باتوا حالة عضوية من هاتين الجهتين.

ولو سقط نتانياهو فإن كامل مسار القضاء في إسرائيل سيشهد ما يمكن اعتباره عملية إصلاح وتصحيح للتخريب الذي أحدثه حكم «الليكود» في هذا القطاع وبسلطة وإيعاز مباشر من نتانياهو.

وفيما يتعلق بـ «عرب الداخل» فبالرغم من اتفاقي مع ملاحظة أبداها لي مشكوراً الصديق د. ماجد نمرة حول أن الفكر الصهيوني يقيم سياسته تجاه هؤلاء الفلسطينيين على قاعدة (حيّز المعيشة)، إلاّ أنني سأُغامر بالقول إن بعض الأحزاب الصهيونية وربما من باب شعورها بتزايد نسبي في قوة وتنامي الأقلية الفلسطينية في إسرائيل في الدور والمكانة ستكون مضطرة لإجراء بعض التغييرات تجاه هذه الأقلية دون أن تصل الأمور بطبيعة الحال إلى مغادرة منطق ومساحة «حيّز المعيشة»!.

إذا سقط نتانياهو فإن الخاسر الأكبر هو ترامب وفريقه. وخسارة هؤلاء لا تقدّر بثمن. سقوط نتانياهو يتحول موضوعياً إلى سقوط منطق وتهاوي رؤى، وفشل سياسات كاملة راهن عليها ترامب وفريقه، وحاولوا بكل ما هو ممكن ومتاح -وأحياناً بأكثر من ذلك- أن يجهزوا أنفسهم لمرحلة قادمة من ولاية ثانية، ولسياسة متكاملة جديدة حيال كامل إقليم الشرق الأوسط.