abdullah-m
abdullah-m
أعمدة

رماد : كلمة

21 أغسطس 2019
21 أغسطس 2019

عبدالله المعمري -

بعيدا عن فلسفة الحياة وتعقيدات ما يمكن أن تولده خواطر النفس تجاه موقف ما يمر به الإنسان، واحتياجه لشعور يتولد في ذاته ويكوّن حالته النفسية، ليستوعب بشكل كامل ما يمر به في ذلك الموقف، إلا أنه يحتاج فقط إلى كلمة، كلمة واحدة فقط تضفي على نفسه السرور، وتمنحه الشعور الذي يريد، وبصورة عفوية، دون تصنع أو تكلف.

ذلك أن للكلمة سحرها في النفس، تتسلل من فم قائلها إلى أذن سامعها، فتسري بين جوارحه، تعطيها الكثير من الدافعية للصبر وتحمل ماهو فيه، بل وأنها تسري مع دمه فتجدد فيه الحياة بعد أن كادت تركد ولا تحرك منه رمش عين بتفاؤل يرسم ابتسامة على شفتي صاحبها.

فكيف إذا يكون حال الإنسان إذا ما سمع كلمات بذات السحر من المحيطين به، من قريب أو بعيد، من أخ أو محبّ أو صديق، إنه لأمر يبعث في النفس سموًّا نحو الحياة بقوة وعزيمة وإرادة، ويصغّر من ذلك الموقف إن لم يجعله وكأنه لم يكن.

إن للكلمة أثرا عظيما على كل نفس بشرية، مهما ظننا أنها قوية أو أن أصحابها لا يحتاجون إليها، فما أعظم الكلام الطيب، وما أجمل انغماسه في الذات حتى تتشبع به، فينجلي معها كل هم وكربة، وتستعيد مع كل كلمة طيبة سحب الحزن وجبال الكآبة، فلا شيء يوازن الكلمة التي تخرج من القلب بنبرة صوت زكيّة، كرشة عطر خزامي ينعش الروح ويجددها لأجل مواصلة الحياة.

إن سحر الكلمة لا يدرك عظمته سوى أولئك الذين شربوا من نهر تأثيرها، واغتسلوا بمطر جمالها، وتزينوا بسماعها حتى تشرّبوها، فأصبحوا لها مرددين، يعلمون متى وأين وكيف يقولونها، ولمن يقدمونها، فيسعدون بسعادة سامعها بعد سعدوا بسماعها هم ذات يوم.

ولكن إن كان للكلمة الطيبة سحرها الجميل، ومذاقها في النفس والروح الإنسانية، وتأثيرها المغير للحال تجاه مواقف الحياة بإسعادها وتفاؤلها، فإن للكلمة السيئة سحرها القاتل، فالحذر من سمها ونارها التي تُشعل في النفس نارا لا تنطفئ، فاختيار الكلمة وزمان قولها هو الفارق بين سحرها المانح للحياة وسحرها السالب لها، فاختر زمان القول وتحرى دقة ما تنطق قبل أن تهدم حياة أحدهم بكلمة.