sharifa
sharifa
أعمدة

وتر :صديقي الحنون

21 أغسطس 2019
21 أغسطس 2019

شريفة بنت عـــلي التــوبية -

يقال لا تخشى على إنسان برفقته كتاب، لذلك ما عدت أخشى على نفسي وأنا محاطة بكل هذه الكتب التي تبطن جدران مكتبي، فتعزلني عن ضجيج العالم وتمنحني الأمان، فلا كائن في هذه الأرض أحنّ على الإنسان ولا أكثر وفاء وصدقاً من الكتاب، وأعجب أن يقول لي أحدهم أنه لا يقرأ، ولم يتعرف على الكتب خارج محيط الفصل المدرسي أو الحرم الجامعي، ولا يعلم أن هناك حياة تتنظره أن يتعرّف عليها في صفحات كتاب، وهي بدورها ستعرّفه على حيوات أخرى، فأجمل ما في الكتب إنها تفتح شهيتك لكتب أخرى، تأخذ بيدك نحو الدرب الذي كنت تبحث عنه والذي يعرّفك على نفسك، الكتب رفيقة دربك، تنتشلك من الغرق، تخلصك من الحزن، تبعدك عن مرتدو الأقنعة، ووحدها تكفيك وتبعدك عن سوء العالم، تجمّل الدنيا بعينيك كلما ازداد قبحها، الكتب في حد ذاتها وصفة تغنيك عن ألف وصفة طبية، فتخيّل كم حياة تعيشها وأنت تقرأ، كم دولة تسافر إليها عبر سطور كتاب، وكم عمرك سيكون طويلاً لو كتبتها.

لا أدري متى ابتدأت علاقتي بالكتب، أو متى كبرت هذه العلاقة، لكن كل ما أعرفه أنه حتى علاقتي بالكتب تغيّرت بتغير مراحل العمر وباتساع المعرفة، فكنت أقرأ الكتب للمتعة، وكان يهمني عدد الكتب التي أقرأها، لكن حينما اكتشفت جهلي، أصبحت لا أحسب كم قرأت، بل أقرأ لأتعلّم، فمع كل كتاب أقرأه اكتشف أن بحيرة المعرفة لدي ما زالت ضحلة، وما زال العمق بعيداً جداً، وأني كلما أيقنت بالوصول أجدني لم أصل، في السابق كان يهمني أن يبقى الكتاب نظيفاً وجميلاً، أزينّه كما أزيّن ديكور غرفتي، أدسّ ورق الورد في صفحاته، واليوم كتبي لم تعد نظيفة لكنها ما زالت جميلة، كتبي مليئة بخطوط قلم الرصاص، مليئة بالعبارات و(الشخابيط) التي لا يجيد قراءتها غيري بسبب رداءة خطي، وكثير من المقالات والنصوص ولدت في هوامش تلك الكتب، كتبي تشي بفوضاي، تخبر عن لحظات خروجي من عالم الواقع إلى عالم الخيال والدهشة وكأني أليس في بلاد العجائب، فأغرق في فوضاي التي كبرت معي، لذلك كثير من كتبي لا تستريح في رفوفها بل تتوزع هنا وهناك وكأنها تحرسني من كل صوب، لأدين لها بكل هذا الجمال والسحر الذي يحيط بي، إنها صديق حميم مخلص، رفيق لا يتخلى عني ولا يفلت يدي في منتصف الدرب، فكيف يمس الحزن قلب إنسان رفيقه الكتاب؟