مرايا

الصبر عاقبته جميلة

21 أغسطس 2019
21 أغسطس 2019

عامر تاجر مشهور في بلاده، وهو من أغنى الناس؛ فهو يسافر من بلاد إلى أخرى لجلب البضائع المختلفة، وكان يربح الكثير والكثير من الأموال التي تطعم قرية كاملة من الفقراء، لكنه على الرغم من كل ذلك الخير؛ فإنه ينسى أن يشكر ربه ويحمده على هذه النعمة، وينسى أن يعطي الفقراء حقوقهم من هذه الأموال، كالزكاة والصدقة؛ فهو لا يواظب على أدائها إلا نادرًا عندما يكون الفقير الذي يأتيه في أشد الحاجة إلى من يعينه، ويعطيه بعض المال.

وفي يوم من الأيام استيقظ عامر من نومه ولم يستطع الحراك من مكانه، فبدأ ينادي زوجته قائلًا: "يا زوجتي، تعالي إلى هنا"، جاءت زوجته وقالت: "ما بك يا عامر؟" قال عامر: "إنني لا أستطيع الحراك، أحسُّ بألم شديد في قدمي اليسرى"، قالت زوجته: "سأنادي ابني علي؛ ليأخذك إلى المستشفى"، جاء علي وأخذ أباه إلى المستشفى وذهبت أمه كذلك، وعندما انتهى الطبيب من فحص عامرا، وقال: "إن قدمه اليسرى مصابة بالغرغرينة، وهي في أسوأ حالاتها ولا يوجد علاج لها"، قال عامر: "يا خالقي، لماذا ابتليتني بمرض لا علاج له؟ ترى ما السبب؟"، قالت زوجته: "إذا لن تستطيع المشي.. آآآآه، هل كنت تواظب على عبادة الله عز وجل يا عامر؟ أم أنستك الدنيا وملذاتها عبادة الله والآخرة؟"، قال عامر: "بل أنا مواظب على صلاتي -والحمد لله- ولكن للأسف كنت أنسى أن أشكر وأحمد ربي على هذه النعمة، وهي نعمة الأموال، فكنت لا أؤدي حق هذا المال إلى الفقراء والمساكين، لقد كنت بخيلًا، والآن يجب علي أن أصبر على هذا البلاء؛ بسبب ابتعادي عن شكر رب العالمين".

قال علي: "لديك الكثير من المال، سنسافر إلى دول أكثر تقدمًا في الطب لعلاجك"، وافق عامر على فكرة ابنه علي، وأخذا يسافران من دولة إلى أخرى، ويصرفان الكثير من الأموال للسفر وللمستشفيات، وكل المستشفيات تقول: "لا يوجد علاج سوى قطع القدم"، وأكمل مسيرته في السفر من دولة إلى أخرى، حتى تبقى له القليل من المال ليصرف على عائلته، فتجارته توقفت منذ أن بدأ السفر والعلاج، فاضطر عامر أن يستقرض مالًا من البنك، وتراكمت عليه الديون، وفي إحدى الأيام قال عامر لابنه، وقد كان يائسًا: "يا إلهي، ما هذا؟ إلى متى سأصبر؟ إلى متى سأستقرض؟ لقد تراكمت عليَّ الديون"، قال علي: "اصبر يا أبي؛ فالصبر مفتاح الفرج، فإن يئست فلن ترى الفرج أبدًا"، قال عامر: "حسنًا، لا يوجد علاج غير القطع؛ لذا سأقطع قدمي"، قال علي: "ماذا؟!" قال عامر: "نعم يا بني، وسأصبر وأكمل حياتي بقدم واحدة"، فذهب عامر وابنه علي إلى المستشفى، وتم علاجه بقطع قدمه اليسرى.

استقال عامر من عمله، وقرر أن يعمل في مكتب البريد؛ حتى لا يتحرك، وقد ذهبت كل تلك الأموال السابقة، وراتبه الشهري الذي يأخذه من مكتب البريد لا يكفيه لسد دينه الكبير، مرت الأيام وعامر على صبره تائبًا لربه حامدًا له على حالته، وظل صابرًا لمدة ثلاث سنوات إلى أن جاء الفرج وكانت العاقبة جميلة وسعيدة، فبينما كان عامر جالسًا مع عائلته جاءه اتصال من رقم غريب، فرد عامر قائلًا: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، من معي؟"، قال المتصل: "أنا موظف من البنك، اتصلت بك لأبشرك بأن الفرج قد جاء من ربك العظيم، لقد سُددت كل ديونك"، قال عامر: "ماذا؟ الحمد لله رب العالمين، ولكن من قام بتسديد ديوني الكثيرة؟"، قال الموظف: "أوصاني بأن لا أخبر عن اسمه"، قال عامر: "أرسل لي رقمه لو سمحت"، قال الموظف: "حسنًا، بعدما أنهي المكالمة سأرسله لك"، انتهت المكالمة، فقالت أم علي: "ما البشرى؟"، قال عامر: "قد فرج الله عني، وسددت كل ديوني"، قال علي: "الحمد لله رب العالمين، ألم أقل لك يا أبي إن الصبر مفتاح الفرج، والصبر عاقبته جميلة"، قال عامر: "حقًا جميلة، إن الله يفرج عن الصابرين الكروب والمصائب والمكائد من أصغرها وأعظمها، الحمد لله".

أرسل الموظف الرقم لعامر، وفورًا اتصل عامر بذلك الرجل ورد عليه قائلًا: "مرحبا من معي؟"، قال عامر: "أنا عامر، لا أعلم كيف أرد لك الجميل، لقد سددت ديني، قل لي من أنت؟"، قال الرجل: "لن أقول من أنا؟ سأخبرك بقصة وستعرف من أنا؟ أتذكر منذ خمس عشرة سنة عندما بدأت تجارتك، ألم يأتك رجل، وقال لك: عامر لقد منحك الله نعمة يتمناها كل إنسان، وأنا قد طردت من عملي؛ وذلك لأنني لست من عائلة معروفة كثيرًا، وعليَّ دينٌ قدره ألف وخمسمائة، وقد تعرضت للكثير من التهديدات، وقد منحوني فرصة أخيرة فقط مدتها أسبوع واحد لأسدد ديني، فهل لك أن تساعدني؟"، فقلت أنت: "لا تقلق، لقد جاءك الفرج، سأسدد لك الدين ولا تخف"، قال عامر وكان متفاجئًا: "أنت... أنت عاصم، آه يا سبحان الله يا سبحان الله، الحمد لله رب العالمين الذي فرّج عني وفرّج عن جميع الناس"، قال عاصم: "عندما سمعت بمصيبتك، قررت أن أسدد لك دينك، ولكن أردت أن أختبرك؛ هل ستصبر على بلاء ربك أم لا؟ مثلما كنت أنا من قبل"، قال عامر: "ماذا بوسعي أن أفعل لك لأرد لك الجميل؟" قال عاصم: "لا شيء أبدًا، فقط أريد أن نكون على تواصل دومًا وأبدًا"، وهكذا استمرت حياة عامر سعيدة وجميلة صابرًا على بلائه، حامدًا شاكرًا لربه.

الخلاصة: الصبر مفتاح الفرج، وتكون عاقبته جميلة، وإن الله مع الصابرين دومًا.

بيان بنت محمد العبرية