المنوعات

ألعابٌ تراثية شعبية عصية على الاندثار

20 أغسطس 2019
20 أغسطس 2019

الجزائر - «العمانية»: تُشكّل الألعاب التراثية الشعبية في الجزائر، واحدة من أهمّ مرتكزات الثقافة الشعبيّة المحليّة. وقد ذهب كثيرٌ من الباحثين إلى التذكير بأهميّتها البالغة في استنطاق الغرس الثقافي المحلّي، وأيضاً في تثبيت القيم وتنمية العلاقات الاجتماعية، بل إن د.سعيدة حمداوي (جامعة أم البواقي) تؤكّد أنّ هذه الألعاب أدت دوراً مهمّاً في غرس الوعي الثوري أثناء حرب التحرير في منطقة خنشلة شرقي الجزائر. ونظراً للأهميّة القصوى لهذه الألعاب، يُلحُّ الكثير من الباحثين في مجال العلوم الاجتماعية والأنثروبولوجية، على ضرورة إنشاء مكنز للألعاب التراثية، من أجل حمايتها من الاندثار، وجعلها في متناول الباحثين والمهتمّين بدراسة الثقافة الشعبية بتجليّاتها المختلفة.

ونظراً لشساعة الرقعة الجغرافية للجزائر، تشكّلت، على مدى العصور، أنواعٌ مختلفة من الألعاب الشعبية، اختلفت في أدواتها، وطريقة أدائها، وأشكالها، من منطقة إلى أخرى؛ حيث ظهرت ألعابٌ خاصة بالأطفال، وأخرى موجّهة لفئة النساء تحديداً، كما وُجدت ألعابٌ شعبية بمنطقة الجلفة، تختلف عن تلك الموجودة بمنطقة بسكرة، أو الشريعة، أو منطقة القبائل، لكنّها كانت تنتقل أحياناً من منطقة إلى أخرى، بفعل التواصل البشري، علماً أنّ بعض تلك الألعاب كانت تُمارس في بعض المواسم دون غيرها، حيث عرفت منطقة جيجل الساحلية ألعاباً تختصُّ بفصل الصيف دون غيره من الفصول. وقد شكّلت لعبة «السيق»، المعروفة بمنطقتي الأوراس والزيبان، واحدة من أهمّ تلك الألعاب التراثية الشعبية، ما أدّى إلى انتشارها وانتقالها إلى مناطق جزائرية أخرى، كالجلفة والأغواط. وتُمارس هذه اللُّعبة، عادة، في الأرياف، حيث يعتمدها سكان هذه المناطق، أسلوباً للتسلية والترويح عن النفس من متاعب الحياة، وهي من الألعاب التي تُمارس في مجموعات تتشكّل كلّ منها من ثلاثة أشخاص، وتُستعمل فيها عيدانٌ مجوّفة من القصب يُلقي بها اللاعبُ في الهواء، وبناءً على الوضعية التي تسقط بها على الأرض، تُسجّل نقاط اللاعبين بواسطة أحجار صغيرة على رقعة يتمُّ رسمها على الأرض. وتشهد لعبة «السيق»، تنافساً شديداً بين اللاعبين الذين يُفضّلون ممارستها في أماكن الظلّ، وتحت الأشجار، في مساءات الصيف الحارّة، وذلك بحضور العشرات من المشجّعين الذين يُتابعون مجريات التنافس باهتمام كبير، نظراً لأنّ إمكانية التنبؤ بنتائج التنافس بين اللاعبين تكون صعبة، لأنّها تعتمد على ذكاء وقدرة كلّ لاعب على تحريك الأحجار على الرقعة، الأمر الذي يجعلها تتقاطع، في هذه الناحية، مع لعبة الشطرنج. وتشتهرُ الكثير من المناطق الجزائرية، خاصة الساحلية منها، بألعاب تُشارك فيها العائلات في سهرات فصل الصيف، مثل لعبة «البوقالات»، وهي عبارة عن ألغاز وأحاجٍ يتمُّ تبادلها بين النسوة، وكثيراً ما تُصاغُ في شكل أشعار شعبيّة محليّة، عادة ما تربطها اللاعبات بفأل الخير، كما يتّخذنها فرصة للمّ شمل العائلات حول أباريق الشاي والمكسّرات والحلويات. كما عرفت الجزائر أنواعاً من الألعاب الشعبيّة الموجّهة إلى الأطفال، مثل الدمى التقليدية، والتي يتمُّ صناعتها اعتماداً على وسائل بدائية. وقد اندثرت الكثير من تلك الألعاب، بفعل الطفرة الكبيرة التي شهدها مجال صناعة الألعاب الخاصة بالأطفال والناشئة. وعلاوة على ذلك، اشتهرت منطقة وادي سوف، وما جاورها، بالعديد من الألعاب الشعبية، التي يُمكن إجمالُها في لعبة «القوس»، والتي تُلعب في فصل الخريف، في الهواء الطلق، ويُشارك فيها فريقان من الرجال يتقاذفون بينهم كرة مصنوعة من القماش الملفوف بالصُّوف، وذلك بواسطة قوس مصنوع من جريد النخيل، وهي لعبة تُشبه لعبة «الهوكي» الأمريكية.