عمان اليوم

مختصون يستعرضون توظيف البحث العلمي لخدمة سلامة وجــودة الغــذاء وتـحـديـات تـحـقـيـق الأمـن الـغـذائـي فـي السـلـطـنـة

20 أغسطس 2019
20 أغسطس 2019

بعد أن فرضت التكنولوجيا الحيوية ابتكاراتها لتشكيل مستقبل تصنيع وإنتاج الغذاء -

كتبت: مزنة الفهدية -

أكدت الدكتورة جميلة بنت علي الهنائية مديرة البرنامج البحثي الاستراتيجي لسلامة وجودة الغذاء بمجلس البحث العلمي أن مواضيع السلامة والجودة لا تقتصر على المفهوم المباشر لها وإنما تشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وجملة من الموضوعات ذات الصلة مثل حوكمة الغذاء وجغرافيا الأغذية، والتخطيط المبني على الربط بين إنتاج المعرفة وبين صناعة السياسات لوضع خطط واستراتيجيات قائمة على الأدلة العلمية.

وأضافت الهنائية في حديث اوردته نشرة «اضاءات علمية» التي يصدرها مجلس البحث العلمي في العدد 23 « أنه نظراً لأهمية هذا الموضوع فقد أدرجت استراتيجية البحث العلمي بمجلس البحث العلمي (2008 – 2020 م) قضايا سلامة الغذاء كإحدى الأولويات البحثية لقطاع البيئة والموارد الحيوية، وبناء على مبادرة وزارة البلديات الاقليمية وموارد المياه فقد تم تشكيل لجنة توجيهية تُعنى بتأسيس برنامج بحثي استراتيجي لسلامة وجودة الغذاء في السلطنة برئاسة الوزارة وعضوية عدد من الجهات الأخرى المعنية بسلامة وجودة الغذاء في السلطنة، حيث يهدف البرنامج بشكل أساسي ليكون بمثابة منصة للبحوث والدراسات والابتكارات ذات العلاقة بسلامة وجودة الغذاء في السلطنة، والربط بين مؤسسات القطاعين العام والخاص والمتخصصين من الخبراء والباحثين بمختلف دول العالم، وتعزيز الوعي لدى مختلف فئات المجتمع حول سلامة وجودة الغذاء والأنماط الاستهلاكية.»

ونسبت النشرة للكاتب والمحلل الاقتصادي المهندس سالم بن سيف العبدلي مدير الاتصالات المؤسسية في الشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة قوله: « ان قضية الأمن الغذائي تعد من القضايا المهمة والحساسة فهي لا تقل أهمية عن القضايا الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقديما قيل من لا يملك قوته لا يملك قراره، وتكمن أهمية الأمن الغذائي في كونها تركز على توفير الغذاء الصحي السليم لأفراد المجتمع من أجل ضمان العيش الكريم للمواطن وبالتالي استمرار عجلة التنمية، ومن هنا فإن الجهود تتسارع حاليا في السلطنة من أجل تأمين الغذاء السليم وضمان توفره في كل الأوقات وكما هو معلوم فإن الأمن الغذائي يرتكز على ثلاثة عناصر مهمة، وهي: الوفرة، والمقدرة على الوصول إليه، وأخيرا سلامته أي أنه ينبغي أن يكون الغذاء متوفرا في جميع الأوقات وتحت كل الظروف بحيث يستطيع المستهلك الوصول إليه كما أنه ينبغي أن يكون الغذاء آمنا صحيا».

مبادرات السلطنة للأمن الغذائي

وأضاف العبدلي « خلال الفترة الأخيرة تسارع الإعلان عن مشاريع وطنية مهمة للغاية تركز جلها على تأمين توفر الغذاء للمواطنين والمقيمين فمنذ إنشاء الشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة وهي الذراع الاستثمارية الحكومية في مجال الأمن الغذائي التي بدأت في ممارسة نشاطها منذ قرابة 4 سنوات وبعد اعتماد استراتيجيتها تم الإعلان عن عدد من المشاريع الحيوية المهمة، حيث ان المشاريع المعلن عنها سوف ترفع من نسب الاكتفاء الذاتي من بعض السلع والمنتجات الغذائية، وتوفر فرص عمل للشباب العماني، وتنمي المناطق التي ستقام فيها، ومن أبرز المشاريع التي بدأت فعلا على أرض الواقع وبدأت تظهر معالمها مشروع شركة مزون للألبان والتي تقام في ولاية السنينة بمحافظة البريمي، حيث إن هذا المشروع سوف يوجد صناعة متقدمة في الألبان وسيوفر ألبانا طازجة وعددا من المنتجات ذات القيمة الغذائية والجودة العالية. أما المشروع الثاني فهو مشروع شركة النماء للدواجن، والجاري إنشاؤه بولاية عبري بمحافظة الظاهرة التي سوف ترفع الاكتفاء الذاتي من خلال إنتاج 60 ألف طن من اللحوم البيضاء سنويا، أما المشروع الثالث فهو شركة البشائر للحوم والجاري تنفيذه في ولاية ثمريت بمحافظة ظفار التي من المؤمل أن تضمن توفير لحوم حمراء طازجة إضافة إلى رفع نسب الاكتفاء الذاتي وتوفير فرص عمل، كما أنها ستساهم في تنظيم سوق المواشي في السلطنة، والمشروع الرابع هو شركة المروج للألبان، وهذا المشروع له طبيعة خاصة وله بعدان اجتماعي واقتصادي ويهدف للاستفادة من الألبان التي يوفرها صغار المنتجين في السهل والجبل بمحافظة ظفار من خلال شراء الحليب منهم والقيام بتصنيعه وبيعه للمستهلك وبالتالي سوف يساهم في رفع دخل المربين ولأول مرة سوف يتم تصنيع حليب الإبل وغيرها من المواضيع التي لا يسع المجال لذكرها.

الأمن المائي وعلاقته بالأمن الغذائي

ويشير البروفيسور سيف بن ناصر البحري مدير مركز أبحاث النفط والغاز بجامعة السلطان قابوس في /‏‏ملف العدد/‏‏ لنشرة اضاءات علمية إلى «أن الأمن الغذائي مرتبط بالأمن المائي، حيث ان السلطنة تقع ضمن نطاق الدول الجافة التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار، كما أن تربة بعض الأراضي الساحلية قد تملحت بسبب تراجع المياه العذبة إلى الداخل بسبب استنزافها في عمليات الزراعة كساحل الباطنة وهذا بدوره يؤثر في نسبة الأمن الغذائي بالسلطنة إلى جانب الممارسات غير الصحية التي يقوم بها بعض الأفراد وتتسبب في عدم صلاحية المياه الجوفية للاستعمال البشري، حيث قدّرت الاحصائيات أن نسبة مياه المجاري في عام 2030م ستبلغ 70 مليون متر مكعب، فيما تبقى مصادر المياه العذبة في عمان هي المياه الجوفية والسطحية، والمياه المعالجة من الصرف الصحي والمياه المحلاة من البحر. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل من الممكن تحقيق الأمن المائي محليا؟ وكيف يمكن زيادة الرقعة الزراعية؟ وأضاف البحري « لقد أدى الطمع في الأراضي إلى ضياع مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة مما يحد من معدلات الأمن الغذائي وبالتالي يحد من نسبة الغذاء وتوفره للمستهلكين بنسب كافية».

البحث العلمي في خدمة الأمن الغذائي

وحول دور البحث العلمي في الأمن الغذائي أوضح البروفيسور سيف البحري أنه من الممكن عبر البحث العلمي والتطوير إيجاد منافع للتنوع الأحيائي عبر الأغذية المعدلة وراثيا لحمايتها من الآفات الزراعية، حيث أدى تكيف النبات للحماية من الآفات وأخذ عينات مقاومة للآفات الزراعية لزرعها في الأغذية المعدلة وراثيا، ومن المعروف عالميا أن إنتاج بعض الدول لبعض الأغذية يأتي عبر التعديل الوراثي، وفي عمان من الممكن إنتاج الموارد الغذائية من البيوت الخضراء المحمية (GREEN HOUSES)، حيث يتم تقليل استخدام المياه إلى 10% في البيوت، ومن جانب آخر من الممكن استخدام الصحراء في زراعة محاصيل عبر المياه المالحة والاستفادة منها عبر توجيه البحث العلمي والتقدم العلمي في هذا المجال.

وأضاف البحري أن الاحصائيات تشير إلى أنه مع كل برميل نفط يتم استخراجه من السلطنة يتم استخراج عشرة براميل ماء غير صالحة للشرب، ولكن هل يمكن استغلال هذه المياه لزراعة بعض الأنواع المتحملة للملوحة؟ وهل يمكن معالجة المياه وجعلها صالحة للشرب؟ والتي تقدر بـ 3 أضعاف مياه المجاري؟ البعض يشير إلى أن المياه المالحة يمكن استخدامها في انتاج الاملاح الصناعية، وهي تحتوي على معادن ثمينة، ويتم تدوير الاقتصاد بشكل عام والاستفادة من هذه المياه المصاحبة لاستخراج النفط عبر توجيه دفة البحث العلمي في هذا المجال وإيجاد اقتصاد متنوع وواعد يقضي على الكثير من التحديات كمشكلة نقص المياه وقلة الوظائف وإيجاد مصادر اقتصادية متنوعة، حيث إن نضوب النفط يشكل أكبر التحديات مما قد يؤثر على إمكانيات تحلية المياه أو زراعة الغذاء، لاعتماد هاتين الصناعتين على النفط كمصدر للطاقة، فالمياه المالحة ومياه المجاري تؤثر بيئيا على الانسان، ويمكن كذلك استغلال النفايات لإنتاج 30% من الطاقة اللازمة لتحلية المياه، وهناك الطاقات المتجددة المختلفة منها الشمسية والرياح والأمواج، وكذلك استخدام البلاستيك لإنتاج الطاقة (سنغافورة نموذجا)، وكذلك المخصبات الزراعية العضوية من النفايات وغيرها من أوجه الاستفادة.

 

دراسة لزيادة إنتاج الزراعة المحمية - 

أشارت نشرة «إضاءات علمية» الى ان مجلس البحث العلمي سعى منذ تأسيسه الى تمويل ودعم البحوث العلمية بشكل عام وفي مجال الأمن الغذائي بشكل خاص، وذلك من أجل العمل على تحسين قطاع الغذاء ورفده بأحدث الدراسات والأبحاث العلمية لإيجاد الحلول العملية والمناسبة، واستعرضت النشرة أحد هذه الأبحاث المتعلقة بالشأن الزراعي مشيرة الى ان مجموعة من الخبراء والباحثين في المجال الزراعي بالسلطنة قاموا بمشروع بحثي لتطوير الزراعة المحمية في السلطنة بقيادة الدكتور عبد الرحيم بن محمد الإسماعيلي الباحث الرئيس والأستاذ المساعد بقسم التربة والمياه والهندسة الزراعية بكلية العلوم الزراعية والبحرية جامعة السلطان قابوس. ونظرا لظروف المناخ وارتفاع درجات الحرارة وشح المياه في بعض دول العالم بشكل عام والسلطنة بشكل خاص، فقد تم اللجوء إلى خيار الزراعة المحمية وخصوصا البيوت البلاستيكية نظرا لما تتميز به من توفير جو بارد نسبيا لنمو النباتات ولزيادة الإنتاجية من وحدة المساحة وكفاءة الماء المستخدم للري مقارنة بالزراعة المكشوفة. وقالت النشرة انه في دراسة أعدتها وزارة الزراعة والثروة السمكية وجد أن الزراعة في البيوت المحمية زادت إنتاجية الأرض بحوالي 12 ضعفا في حين زادت إنتاجية الماء بحوالي ضعفين، الأمر الذي شجع المزارعين في تبني هذه التقنية وقد زاد عدد البيوت المحمية في السلطنة من 782 إلى 2491 بيتا محميا في الفترة بين عامي 2001 و2008 وهو ما يمثل زيادة بمعدل ثلاثة أضعاف، وقد وصل العدد في عام 2010 إلى 4740 بيتا وهو ما يعني أن معدل الزيادة السنوي يساوي 40%.

وتم عبر هذه الدراسة جمع بيانات محدثة ودقيقة تشمل جميع النواحي المتعلقة بالزراعة المحمية في السلطنة بالتعاون مع وزارة الزراعة والثروة السمكية وتحليل هذه البيانات ووضع المقترحات والآليات والخطط الاستراتيجية التي من شأنها أن تعمل على زيادة إنتاج الزراعة المحمية وكفاءة استخدام المياه والذي بدوره سيساهم في زيادة العائد الاقتصادي للمزارع والأمن الغذائي للبلد، كما سعى المشروع البحثي على زيادة مساهمة القطاع الزراعي في الدخل الوطني بما يتوافق مع الرؤية المستقبلية 2020.

وتحت عنوان «بين السطور» اوضحت نشرة «إضاءات علمية» ان خبراء الدول المتقدمة يوصون بتبني تقنيات إنتاج اللحوم المستزرعة كبديلٍ بيئي آمن للاستجابة لتزايد الطلب على الغذاء، وهي تقنية قائمة على فكرة تصنيع اللحوم عن طريق زراعة الخلايا الحيوانية في المختبرات، باستخدام أساليب هندسة الأنسجة؛ وبسبب انخفاض أثرها البيئي مقارنةً بتقنية تربية الحيوانات التقليدية، فإن اللحوم المستزرعة لديها القدرة على إحداث ثورة في صناعة الأغذية، وتتطلب العملية مساحة أقل من الأرض، بنسبة تتراوح ما بين 90 إلى 95% مع انبعاثات الغازات الدفيئة أقل بنحو 96% واستهلاك أقل للمياه بنحو 90%. .