صحافة

الأيام: نتانياهو وغانتس وبينهما «حماس»

16 أغسطس 2019
16 أغسطس 2019

في زاوية آراء كتب رجب أبو سرية مقالًا بعنوان: نتانياهو وغانتس وبينهما (حماس)، جاء فيه:

عاد جاريد كوشنر من جولته الشرق أوسطية، دون أن يعلن البيت الأبيض، كما كان متوقعًا عن موعد لعقد المؤتمر الإقليمي الذي كان يحضّر له كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في كامب ديفيد؛ ليجبر من خلاله العرب على قبول «صفقة القرن» بتجاوز الشعب الفلسطيني وقضيته بكل بنودها أو ملفاتها التي تتضمن الحقوق الفلسطينية المشروعة والعادلة؛ ما يعني أن مهمة الرجل أو جولته تلك قد فشلت، وبالتالي عجز البيت الأبيض عن تقديم الهدية التي يبدو أنها ضرورية جدًّا لبنيامين نتانياهو حتى يفوز بالانتخابات التي ستجري بعد شهر من الآن.

هذا يعني بكل بساطة أن على نتانياهو والبيت الأبيض معًا أن يفكرا في هدية أخرى، قد تكون على شاكلة الهديتين السابقتين، أي أن يخرج ترامب قبل الانتخابات الإسرائيلية بأيام ليعلن عن تأييده ضم المستوطنات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، لكن مثل هذه الهدية قد لا تبدو كافية كما كان حال سابقتيها؛ لذا فإن نتانياهو يبحث عن زوايا يمكن له من خلالها الوصول إلى بعض من جمهور خصومه الانتخابيين الذين بات منهم افيغدور ليبرمان، لذا فهو يعول كثيرًا على زيارته القريبة إلى أوكرانيا ولقاء رئيسها اليهودي، لعل ذلك اللقاء يكون دافعًا لاصطياد بعض مصوتي يهود دول الاتحاد السوفييتي السابق من مواطني دولة إسرائيل، الذين يصوتون عادة لحزب (إسرائيل بيتنا).

أما مصوتو المستوطنين؛ فهم في جيب اتحاد أحزاب اليمين حليفه، أي أنه يبحث عن أصوات خصومه وهكذا تقوم استراتيجيته الانتخابية، فهو يرتكز إلى الأغلبية اليمينية في المجتمع الإسرائيلي، وليس على أصوات الليكود، بل على أصوات تصب في صناديق حلفائه، الذين بات منهم خارج حساباته حزب (إسرائيل بيتنا)، أي المهاجرين الروس السابقين، وكذلك العرب، فيما لا يشغل باله بأصوات اليسار التي ذهبت للوسط ولقائمة الأمن، أزرق-أبيض.

هذا ما يقوم به نتانياهو من أجل اقتناص أصوات (إسرائيل بيتنا)، وهو يدرك أن معركته باتت مع ليبرمان، فإن أسقطه إلى خارج الحلبة السياسية يَفُزْ، أي: لو تحقق له مراده بعدم تجاوز (إسرائيل بيتنا) نسبة الحسم، فإن طريقه إلى الحكومة سيكون معبدا بالورود، الجبهة الثانية التي يحارب فيها هي الجبهة العربية، وحيث إن المواطنين العرب قد توحدوا هذه المرة ضد مشيئته ورغبته، فإنه يحاول أن يفعل كل ما من شأنه أن يقلل نسبة إقبال المصوتين العرب على مراكز الاقتراع، وذلك من خلال زرع كاميرات المراقبة في تلك المراكز، بما يخالف القانون الانتخابي، بل وبما يدلل على الوعي العنصري في العقلية اليمينية الإسرائيلية التي تفرق بين ناخب عربي إسرائيلي وناخب يهودي إسرائيلي.

هناك تخوف آخر لدى نتانياهو من اليهود الشرقيين الذين يمثلهم حاليا موشيه كحلون، وهو من أصول ليبية يذكر بديفيد ليفي الذي كان ليكوديا ومن ثم انشق عن الليكود وأسس حزب غيشر الذي تحالف في هذه الانتخابات بزعامة ابنة ليفي مع حزب العمل بزعامة عمير بيريتس، ورغم أن كحلون شارك نتانياهو في حكومتيه السابقتين، ورغم انضمام (كولانو) لقائمة الليكود الانتخابية؛ فإن ضغط الانتخابات غير المضمونة هذه المرة يوتر حاليا نتانياهو وفريقه، الذي رسم خطته الانتخابية على قاعدة: «من ليس معي؛ فهو ضدي»، وأوعز لأعضاء حملته الانتخابية باستمالة كحلون لأخذ منصب وزير، أما إن رفض فعليهم أن يحطموه؛ أي أنه يريد من كحلون أن ينسى أنه يمثل حزبا أو قائمة، وأن يتصرف على أساس أنه عاد عضوا ليكوديا منصاعا لأوامر رئيسه نتانياهو.

كلما تقدم الوقت، يتضح أن نتانياهو والليكود واليمين ذاهب إلى خسارة الحكومة، بما يزيد من الضغط على مكوناته، فها هي الوزيرة الليكودية ماري ريغيف تغمز من قناة وزيرة العدل من البيت اليهودي السابقة ايليت شاكيد، قائلة: إنها كانت قبل أسابيع تتوسل من أجل الانضمام إلى الليكود، واليوم تقول: إنها تمثل بديلا له؛ لترد عليها شاكيد قائلة: إنها لا تنكر ذلك، ولكنها فعلت ذلك بسبب رفض الليكود ضمها، ويقال: إن مَن رفضت ضمها لليكود هي سارة نتانياهو زوجة رئيس الحكومة!

ومع مرور الوقت، يشتد عود المعارضة الإسرائيلية وتزيد ثقتها باحتمال تحقيق الانقلاب الداخلي، لدرجة أن بيني غانتس بدأ يتصرف كرئيس حكومة قادم، وهو شيئا فشيئا يقترب من الملف الذي يحاول نتانياهو إخفاءه أو إخراجه من الجدل الانتخابي، ونقصد به ملف غزة، فرغم بقاء ملف تفاهمات التهدئة دون أي تقدم يذكر منذ أبريل الماضي؛ فإن توترا حاسما أو لافتا لم يحدث، لأن كلا الطرفين أي نتانياهو وحماس لا يريدان ذلك، ورغم لجوء حماس إلى «مستحدث» جديد يتمثل فيما تصفه بأحداث اختراق فردية، حين اخترق أحد عناصرها المسلحين حدود خان يونس، وتبعها اختراق المجموعة شرق دير البلح للحدود وهي مسلحة بقذائف الأر بي جي، فإن الحكومة الإسرائيلية قبلت تفسير (حماس) بأن ذلك كان نتيجة مبادرات فردية، وكلاهما يتجنب الحرب. لذا فقد هرع غانتس إلى الحدود مع غزة ووجه تهديدا مباشرا وصريحا وواضحا لقائد (حماس) في غزة، يحيى السنوار، الذي كان قد قال: إنه سيمطر المدن الإسرائيلية بصواريخه في حال نشبت الحرب، بتذكيره بمصير أحمد الجعبري، أما لماذا السنوار وليس هنية مثلًا، فلهذا تفسير متعدد الجوانب، منه أنه لا يقصد تحطيم كل شيء، بل تصعيد الموقف، أو القول: إنه سيتبع سياسة أخرى حددها هو باشتراطه الهدوء التام وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين مقابل هدنة طويلة الأمد.

هكذا فإن (حماس) وغزة باتتا بين الرجلين المتنافسين على مقعد رئيس الحكومة الإسرائيلية القادمة، مثل الكرة في الملعب، وباتتا بندا انتخابيا يتجنبه نتانياهو ويطرحه غانتس بقوة، في السباق المحموم على أصوات الناخبين، حيث تؤكد كل استطلاعات الرأي وتقديرات المراقبين أنها غير محسومة، وأنها تجري على صفيح ساخن.