أفكار وآراء

الصين تكسب المعركة الأيديولوجية مع الولايات المتحدة

12 أغسطس 2019
12 أغسطس 2019

مايكل ماكفول - واشنطن بوست - ترجمة قاسم مكي -

قضيت لتوي شهرا مقيما بجامعة بكين في العاصمة الصينية بيجين التقيت خلاله بالعشرات من المسؤولين الحكوميين ورواد الأعمال والعلماء والعاملين في مراكز البحوث والطلاب. ما توصلت إليه من لقاءاتي هذه أن الولايات المتحدة تخسر المعركة العقائدية مع الصين.

سيكون تنافسنا العسكري والاقتصادي والأيديولوجي مع جمهورية الصين الشعبية طويل الأمد. ونأمل أن يتخذ شكل مباراة يمكن أن يحقق فيها كلا الطرفين مكاسب لهما وفي الوقت ذاته يديران نتائجها «الصفرية» بطريقة سلمية. لكن في الأجل القصير، خصوصا في عهد ترامب، تخلفت الولايات المتحدة في مباراة الأفكار.

قبل فترة طويلة من انتخاب ترامب رئيسا، طرحت الصين نموذجا بديلا لنظام الحكم في الولايات المتحدة وجذابا في الوقت ذاته. ففي أقل من عمر جيل أحال قادة الحزب الشيوعي الصيني بلدهم من مجتمع زراعي فقير إلى بلد صناعي ومتوسط الدخل. لم يحقق أي بلد آخر مثل هذا النمو الاقتصادي السريع على مدى فترة زمنية مستدامة كهذه.

منحت هذه المعجزة الاقتصادية الشرعية لنظام الحزب الواحد اللينيني في الصين. وبدا من المعقول مقايضة الحقوق السياسية بقدر أكبر من الرفاهية الاقتصادية للعديدين سواء من هم داخل الصين أو الذين يرمقونها في إعجاب في البلدان الأخرى الأقل نموا.

ووجد مشايعو النموذج الديمقراطي في الولايات المتحدة والليبرالية على نحو أعم، وهم يشاهدون صعود الصين، السلوى والعزاء في ثلاث حجج (يدافعون بها عن نموذجهم في الحكم).

فأولا، حقق القادة الشيوعيون الصينيون متوسط نمو سنوي يقرب من 10% لفترة أربعة عقود بتبني التحرير الاقتصادي وليس تعزيز التخطيط المركزي. بكلمات أخرى لقد اختاروا أن يكونوا أكثر شبها بنا اقتصاديا.

ثانيا، اعتقد بعض أنصار منافع الديمقراطية في الولايات المتحدة أن التحديث الاقتصادي الصيني سيؤدي في النهاية إلى التحديث السياسي. فالصين في سبيلها إلى أن تصير مثلنا تماما، مهما كان بطيئا ومتعرجا ذلك الطريق الذي تمضي فيه.

ثالثا، في أثناء انفتاح الصين على الغرب في العقود الأربعة الماضية بدا أن العديد من الصينيين (رواد الأعمال والطلاب وأساتذة الجامعات بل وحتى المسؤولين) معجبون حقا بالولايات المتحدة. لذلك لا عجب أن العديدين افترضوا أننا سنكسب الصينيين عندما يصبح المزيد منهم أكثر إلماما بالنموذج الأمريكي.

لكن كل هذه الحجج الثلاث تبدو أضعف كثيرا اليوم قياسا بأعوام قليلة مضت.

فأولا، قلل الزعيم الصيني الشيوعي من سرعة إصلاحات السوق وتقهقر باتجاه المزيد من الدعم للشركات المملوكة للدولة والمزيد من التدخل الحكومي في الاقتصاد والمزيد من القيود على الاستثمار الأجنبي والمزيد من النفوذ الحزبي في الشركات الخاصة. حقا تباطأ النمو الاقتصادي لكن ليس بقدر كبير. ويبدو أن النظام الاقتصادي الصيني لم يعد يقترب من الرأسمالية على النمط الأمريكي. بل في الواقع يبدو على نحو مطرد أشبه بأن يكون نموذجا مختلفا برمته. وهو نموذج لا يزال يحقق نتائج.

ثانيا، لم يتحقق بعد الأمل بأن التحرير الاقتصادي سيوجد طلبا على التحول الديمقراطي. ويعتقد البعض الآن أنه لن يفعل ذلك أبدا. فمسؤولو الحزب الشيوعي الصيني يحبذون ميزات نظامهم المتمثلة في إمكانية تنفيذ مشروعات ضخمة للبنيات الأساسية والقدرة على إدارة حالات انعدام المساواة في الدخل والالتزام بالتناغم في الحكومة والمجتمع. بالمقارنة تبدو السياسة الأمريكية الاستقطابية في عهد ترامب معرقلة لأية مبادرة كبرى سواء كانت مشروع بنية أساسية أو معالجة عدم المساواة في الدخل. وصار من الأيسر للمسؤولين الصينيين دحض الزعم بأن الديمقراطية تحقق نتائج اجتماعية واقتصادية أفضل من الاستبداد.

على المسرح الدولي، يبدو الزعيم الصيني شي أكثر التزاما تجاه النظام العالمي المتعدد الأطراف من الرئيس ترامب. لقد أكد بالأقوال إن لم يكن دائما بالأفعال دعمه لقواعد اللعبة الدولية في التجارة والمناخ والأمن. هذا في حين قرر ترامب الانسحاب من عدة اتفاقيات دولية بما في ذلك «شراكة عبر المحيط الهادي» واتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني ومعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى. كما يعتبر العديد من الصينيين استخدام ترامب للرسوم الجمركية وكذلك العقوبات ضد شركة الاتصالات الصينية هواوي خرقا للقواعد الدولية وتدخلات حكومية لمساعدة الشركات الأمريكية. ويوافقهم الرأي في ذلك قادة عديدون حول العالم.

ثالثا وربما الأكثر إثارة للفزع، الانطباع الذي خرجت به (وهو انطباع فقط) من لقاءاتي مع عشرات إن لم يكن مئات الطلاب والعلماء الصينيين أثناء إقامتي في الصين هو أننا نخسر أولئك الذين كانوا يوما ما معجبين بنا. فالمثقفون ما عادوا يسعون وراء استلهام الديمقراطية الأمريكية. فترامب أضعف ذلك التوجه. وما عاد ناشطو حقوق الإنسان ينتظرون بيانات من مسؤولي الولايات المتحدة حول الانتهاكات الصينية. فصور المهاجرين المحبوسين في أقفاص قرب الحدود الجنوبية للولايات المتحدة تقوض فعالية أي بيان لوزارة الخارجية الأمريكية عن معسكرات «إعادة تعليم» إثنية الإيغور. وحين تلغي الحكومة الأمريكية تأشيرات الدخول للعلماء الصينيين الذين يعتبر بعضهم في الصين منحازين لأمريكا فإننا نخسر ميزة الموقف الأخلاقي في المجادلات التي تدور حول أهمية التدفق الحر للمعلومات. لا تزال لدى الطلاب الصينيين الرغبة في الدراسة في الجامعات الأمريكية. لكنهم يشعرون بالقلق من أنهم سيواجهون تفرقة في المعاملة بسبب تصاعد مخاوف الحكومة الأمريكية من سرقة حقوق الملكية الفكرية.

خلال الشهر الذي قضيته في الصين كان لا يزال من الممكن ممارسة لعبة «وماذا عنكم أنتم أيضا؟». لقد لجأت في الرد على دعاوى تفوق نظام الحزب الواحد اللينيني في تحقيق النمو الاقتصادي بتذكير من حضروا محاضراتي بالسنوات المرعبة للاختلال الاقتصادي في حقبة الزعيم الصيني ماو زيدونج الذي حكم تحت راية نفس النظام الحزبي. وحين ذكروني بالمعاملة غير الإنسانية لطالبي اللجوء على الحدود الأمريكية المكسيكية ذكرتهم بمعسكرات «إعادة التعليم» الصينية في شيانج يانغ. وحين طلبوا مني تبرير تدخل حكومة الولايات المتحدة في السوق لتدمير شركة هواوي طلبت منهم تبرير تدخلات الحكومة الصينية لإبقاء شركات جوجل وفيسبوك وتويتر خارج سوق الصين. وردا على شكاوى بشأن إلغاء التأشيرات الأمريكية للعلماء الصينيين ذكرت أمثلة لمعاملة (صينية) مشابهة لبعض الأكاديميين الأمريكيين.

رغما عن ذلك لا يلزم الولايات المتحدة الدخول في هذه اللعبة مع الصين. فالولايات المتحدة بصفتها إحدى البلدان الأكثر عراقة في الديمقراطية وزعيمة العالم الحر عليها ألا تدخل في مقارنات من شاكلة «وماذا عنكم أنتم أيضا» مع أي بلد آخر.

لكي نستعيد تفوقنا في الصراع الأيديولوجي مع الصين، علينا تجديد ديمقراطيتنا في الداخل والانخراط مجددا في قيادة النظام الليبرالي في الخارج.