1286332
1286332
المنوعات

شبح «فريدا كالو» يثير الجدل مرة أخرى بسبب تسجيلات منسوبة إليها في المكسيك

05 أغسطس 2019
05 أغسطس 2019

مكسيكوسيتي، «د ب أ»: عُرفت فريدا كالو كفنانة عاشقة لخرق القواعد، وكمناضلة شيوعية وزوجة لفنان الجداريات دييجو ريبيرا، كما عُرفت كذلك كأيقونة الحركة النسوية، إلا أن أحدا لم يتخيلها تخرج علينا بصوت رقيق حالم كمذيعة. لذا تسلل إلينا الشك عندما أعلنت المكتبة الوطنية للموسيقى والصوتيات في المكسيك، التي تحتفظ بالتسجيلات الصوتية وتفهرسها، عن وجود أول تسجيل صوتي محتمل للرسامة المكسيكية (1907 – 1954) والذي جاء مثاليا للغاية.

يقول أرتورو إسترادا إيرنانديث، أحد التلامذة السابقين لكالو وأحد أعضاء مجموعة «لوس فريدوس» أو «المنتمون لفريدا»: «ليس صوتها بالطبع». ولم يتعرف عليها آخرون ممن تعاونوا في السابق مع ريبيرا، في مقدمتهم الرسامة رينا لاثو (1886 – 1957).

نرى فريدا المزعومة وهي تتحدث خلال برنامج إذاعي لمحطة W في مكسيكو سيتي، بصوت رخيم منغم وموحٍ، نصا عن ريبيرا، وهو نص صاغته بيديها كي يكون ضمن كتالوج معرضها لعام 1949.

وبعد أن استمعت إليه ممثلة المسلسلات الإذاعية والدبلجة المخضرمة أمبارو جاريدو، والتي كانت تعمل في تلك الفترة في المحطة الإذاعية ذاتها، قالت: «شعرت أنه صوتي». وقال آخرون إن الصوت يمكن أن يكون لمترجمات فوريات راحلات أمثال إيفانخلينا إليثوندو وكارمن مانثانو.

من جانبه صرح بافيل جرانادوس، مدير المكتبة الوطنية للموسيقى والصوتيات بالمكسيك، لـ(د ب أ)، «بالرغم من كل شيء لا يمكنه أن يستبعد نهائيا فكرة أن يكون الصوت لكالو»، مشيرا إلى أنه بصدد إجراء مناقشات مع بعض الباحثين لعقد مقارنات بين شخصيات تلك الحقبة، فهناك الآن حاجة إلى إجراء دراسة مقارنة. ويستطرد جرانادوس قائلا: «لدينا ما بين 15 و20 مذيعة أو معلقة إذاعة من خمسينيات القرن الماضي كن قريبات من عالم الراديو والإذاعة آنذاك. وفي حال إن لم تكن فريدا إحدى هؤلاء الفنانات والممثلات سيتسع أمامنا مجال الشك بصورة أكبر».

يحتفظ بهذا الشريط في قبو داخل مقر المكتبة الوطنية، مع التحكم في درجة الحرارة والرطوبة. وهذا القبو هو عبارة عن منزل من الحوائط الحمراء التي تعود للقرن الثامن عشر في حي كويواكان بمدينة المكسيك /‏‏‏ مكسيكو سيتي، حيث يوجد آلاف من الوثائق الصوتية على الأرفف المتحركة التي يمكن للعاملين هناك أن يقوموا بلمسها فقط عن طريق القفازات.

وينفي جرانادوس فرضية إقدامه على تقديم التسجيل الصوتي للصحافة في الثاني عشر من شهر يونيو باعتباره «الصوت المحتمل لفريدا» في حضور وزيرة الثقافة، اليخاندرا فراوستو، دون التأكد من ذلك. ووفقا لما يصفه جرانادوس، ففي خلال البرنامج المعني بالنقاش، يقوم أشخاص مختلفون بالحديث عن ريبيرا ونسمع صوت فنان الجداريات وهو يغني في إحدى الحفلات، أما كالو – أو المزعوم بأنها كالو – تقوم بقراءة نص يصور فنان الجداريات بأنه «طفل ضخم وهائل ذو وجه ودود ونظرة حزينة».

والقاعدة الرئيسية التي يُستند إليها في إمكانية الجزم بكون الصوت لكالو هي عبارة استكمالية قالها ألفارو جالفيث إي فوينتس، مقدم البرنامج، جاءت بمثابة توثيق صوتي مهم لتلك الحقبة (1918 – 1975). حيث يقول جالفيث الملقب بالثرثار: «هذا الصوت الذي لم يعد موجودا معنا سوى في ديمومة كلماته، هو صوت فريدا كالو، هذا الصوت الذي قادنا لطفولة الرسام البعيدة».

وقد تم تسجيل ذلك البرنامج التجريبي ما بين أعوام 1955 و1957، وبحلول ذلك الوقت كانت كالو قد وافتها المنية، إلا أن جرانادوس أشار إلى إمكانية الاستعانة بالصوت من تسجيل سابق. والتحليل والتفريغ الرقمي للتسجيل الصوتي هو نتاج لدراسة. وقال كذلك: «أعلم جيدا أن ما قيل يمكن أن يتم تفسيره بطرق كثيرة، من الممكن أن يكون قولا مجازيا أو كناية أو استعارة ومن الممكن أيضا ألا يكون كذلك».

أما الصندوق الذي يحوي الشريط فيقع في العمق فوق أحد الأرفف الطويلة بقبو المكتبة الوطنية، حاملاً عنوان «الملف الصوتي لدييجو ريبيرا» وبطاقة ذات جوانب حمراء عليها أسماء فريدا كالو والرسام دكتور ألت (Dr. Alt.).

عندما توفيت كالو، عن عمر سبعة وأربعين ربيعا، عام 1954 لم تكن قد اشتهرت بعد. فلم تكن شاركت سوى في بعض المعارض إلا أنها جذبت الانتباه منذ ذلك الحين بشخصيتها وبطريقة لبسها.

مرت الفنانة بحياة قاسية، فقد عانت في صغرها من شلل الأطفال وتعرضت في مراهقتها لحادث مروري خطير عام 1925 حطم عمودها الفقري إلى ثلاثة أجزاء الذي ظلت آثاره وتبعاته ترافقها للأبد. وعليه قامت بإجراء عمليات جراحية كثيرة انتهت ببتر إحدى ساقيها من أسفل الركبة. كانت لكالو علاقات غرامية عديدة ، إلى جانب علاقات أخرى مع الزعيم الثوري الروسي ليون تروتسكي في منفاه بالمكسيك، وعلاقتها الصعبة مع ريفيرا التي تطلقت منه ثم عادت للزواج منه فيما بعد.

ذاع اسمها بعد أن قامت الحركة النسوية في الولايات المتحدة الأمريكية بفرضه على الساحة مع بداية العقد السابع من القرن الماضي وبعد أن نشرت الأمريكية هايدن هيريرا سيرتها الذاتية عام 1983.

وفي هذا الصدد يؤكد جرانادوس قائلا: «سواء كان الصوت لها أو لم يكن إلا أنني آمل أن يكون هذا النقاش قد ساعد في سقوط صورة فريدا التي وضعتها في قالب رجولي لأنها على العكس من ذلك فقد كانت امرأة غاية في الأنوثة. مشيرا لذلك بقوله: « تم تقديمها في كليشيهات على أنها ذكر، فنحن من قمنا بعمل هذا النسج الثقافي، بينما يقول الأشخاص من حقبتها التاريخية إنها كانت تمتلك صوتا نوعا ما حادا، دافئا، بلوريا وشبابيا».

ويعرب جرانادوس عن ثقته في مسارعة المزيد من الأشخاص بتقديم ما لديهم من مواد للعثور على صوت كالو قبل أن يفوت الأوان وتتلف التسجيلات. فتحتوي المكتبة الوطنية للموسيقى والصوتيات في المكسيك على ما يقرب من 1300 شريط وإسطوانة من مجموعة «الثرثار»، تم تحليل حوالي 300 أو 400 فقط وتحويلها للنظام الرقمي، كما تحتفظ بنات الصحفي بوثائق أخرى خاصة بوالدهن من كتابات ومذكرات وجداول أعمال ونصوص للبرامج من شأنه أن تضيف المزيد من المعلومات.

كان هذا الشريط عتيقا وفي حالة بالية وكان يجب ترميمه، وتشحيمه وتليينه. يمكننا القول إنه شريط ظهرت عليه بقوة علامات التحلل من الدرجة الأولى وهي كفيلة بالقضاء على أي شريط تسجيلي. لذا يرى جرانادوس أنه إذا كانت هناك رغبة في دراسة ما تبقى من تسجيلات خاصة بتلك السنوات والحفاظ عليها فإن الأمر يستوجب تحويلها للنظام الرقمي في أسرع وقت ممكن، ويقول: «نحن بصدد سباق مع الزمن»... «أما صوت فريدا فهو بمثابة شبح نقوم بمطاردته ولا نعلم إذا كان له وجود على الشبكة التي تحيط بنا أم لا».