صحافة

الاستقلال: دلالات القرار الفلسطيني بوقف العمل بالاتفاقات مع «إسرائيل»

02 أغسطس 2019
02 أغسطس 2019

في زاوية أقلام وآراء كتب عمر الردّاد مقالا بعنوان: دلالات القرار الفلسطيني بوقف العمل بالاتفاقات مع «إسرائيل»، جاء فيه:

رغم أن وقف العمل بالاتفاقات الفلسطينية - الإسرائيلية شكل مطلبا للقوى الوطنية الفلسطينية والعربية، بوصفه خطوة أولى للرد على السياسات الإسرائيلية، التي انقلبت على أسس السلام والاتفاقات الموقعة ذاتها، ورغم الإشادات الواسعة التي صدرت عن تلك القوى، بعد القرار الذي اتخذه الرئيس عباس بهذا الخصوص، إلا أن شكوكا عميقة وواسعة تحيط بالسياقات والظروف التي اتخذ فيه القرار، وتوقيته ومدى قدرة المؤسسات الفلسطينية على ترجمته واقعا ملموسا.

الاتفاقات الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل متعددة، غير أن أهمها على الإطلاق اتفاقية أوسلو، التي تم إنشاء السلطة الفلسطينية ومؤسساتها بموجبها، وعنوانها الأبرز التنسيق الأمني مع إسرائيل، وهو الموضوع الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل، فيما الاتفاقات اللاحقة كانت استكمالا لاتفاقية أوسلو وتوضيحات وشروحات لها، سارت في إطارين وهما: الأول المراوغة في تنفيذ مطلب الدولة الفلسطينية، وإبقائه قضية مؤجلة مع العمل على إفراغه من مضمونه، والثاني: تعزيز ربط مناطق الضفة الغربية مع إسرائيل اقتصاديا واجتماعيا، وبما يجعل أية مطالب بتحقيق الانفصال معقدة، وتخضع لفترات زمنية طويلة تستغرق أضعاف ما تم بناؤه وفقا لأوسلو.

«إسرائيل» من جانبها لم تبد أي رد فعل على قرار الرئيس عباس، الخاضع لإجراءات لاحقة من الواضح أن المؤسسات الفلسطينية لم تكن مستعدة له، ويبدو أن مرد ذلك مرتبط باستخفاف القيادة الإسرائيلية بالقرار، ومعرفتها بصعوبات تنفيذه وإمكانية استمرار تمسك الرئيس عباس به، خاصة وأن تلك الاتفاقات ضمنت للجانب الإسرائيلي سيطرة واسعة على مناطق الضفة الغربية، تشمل السفر والتنقل والاستيراد والتصدير والضرائب والجمارك، والاتصالات.

لا شك أن سياقات اتخاذ القرار بالنسبة للرئيس عباس تأتي في إطار الرد على «صفقة القرن» ومضامينها والإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية «نقل سفارتها للقدس، وقف دعم الأونروا تمهيدا لإغلاق ملف العودة، ورشة البحرين، ومحاصرة السلطة الفلسطينية ماليا» وهو موقف يسجل للسلطة الفلسطينية في ثباتها على موقفها من الصفقة ورفضها، ويبدو أن الرئيس عباس أراد توجيه رسالة «تحذيرية» بأنه يملك العديد من الخيارات، فبالإضافة لوقف العمل بالاتفاقات مع إسرائيل، فان حل السلطة الفلسطينية، بما يمهد لانتفاضة فلسطينية ثالثة، تضع إسرائيل بمواجهة المجتمع الدولي، بوصفها دولة محتلة، تبدو خيارات مؤجلة، لكنها ليست مستحيلة، رغم عدم توفر الشروط الموضوعية للعمل بها، وتحديدا الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس.

الأرجح أن توقيت القرار الفلسطيني مرتبط بمحطتين وهما:

الأولى: من المستبعد أن يكون القرار الفلسطيني تم اتخاذه دون تنسيق مع أطراف عربية ودولية، بما فيها دول عربية، وصفت بتعاطيها مع «صفقة القرن» بالإضافة لمصر والأردن الموقعتين على معاهدات سلام مع إسرائيل، وربما أوساط أوروبية وأخرى أمريكية، خاصة وان التحرك الأمريكي على الصفقة محصور في دائرة ضيقة بالبيت الأبيض «كوشنير،غرينبلات، وفريدمان» فيما دوائر الدولة العميقة في أمريكا معزولة عن تلك التحركات، تلك الدوائر التي ما زالت تؤمن بمقاربة «الدولتين» وتجد تعبيراتها في مجلسي النواب والشيوخ والخارجية بالإضافة لوكالة الاستخبارات الأمريكية، وأوساط أخرى فاعلة في القرار الأمريكي.

الثانية: يتزامن القرار الفلسطيني مع قرب موعد الانتخابات الإسرائيلية، المقررة في «25 سبتمبر» القادم وتطورات المعركة الانتخابية، والتي جاءت بعد فشل نتانياهو واليمين الإسرائيلي في تشكيل الحكومة، بعد انتخابات «أبريل» الماضي، وتشير معطيات المعركة الانتخابية الحالية إلى ان هناك صعوبات جمة تواجه نتانياهو تقلل احتمالات حصوله على ذات النتيجة التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة «المعادة» على خلفية قضايا الفساد المتهم بها من جهة، وقوة خصومه من «الجنرالات» من جهة أخرى، ومن المؤكد ان القرار الفلسطيني بوقف الاتفاقات سيصب في صالح خصوم نتانياهو، بوصفه يتحمل مسؤولية التصعيد مع الفلسطينيين، خاصة إذا تطورت تداعيات القرار بانعكاسات أمنية على الناخب الإسرائيلي.

وفي الخلاصة، فانه من الصعوبة بمكان إصدار تقدير موقف بان القرار الفلسطيني ”على أهميته” يأتي في إطار مؤشرات على قطيعة تامة ومؤكدة مع اتفاقية أوسلو وأخواتها، وهو ما يرجح انه تكتيكي، ورسالة «تحذيرية» ومحطة من محطة خيارات السلطة الفلسطينية لمواجهة السياسات الإسرائيلية، وإعلان عدم وجود شريك إسرائيلي لتحقيق السلام، وفقا لمبادئ عملية السلام وعنوانها الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين.