المنوعات

بعد عام على ثوران بركان «كيلاويا».. الحياة تشق طريقها وسط الحمم

02 أغسطس 2019
02 أغسطس 2019

هيلو (هاواي) «د.ب.أ»:- في أحد أيام فصل الربيع لعام 2018 ، أخذت جدران مكتب عالم الزلازل بريان شيرو تهتز. وسقطت الكتب من فوق الأرفف، وتصدع الزجاج والجدران. اختبأ شيرو تحت مكتبه، إذ أن الحكمة تقتضي أخذ الحيطة قدر المستطاع. واعتاد سكان هاواي الزلازل، إلا أن الزلزال كان مختلفا هذه المرة: حيث بلغت قوته 6.9 درجة على مقياس ريختر، وكان الأقوى الذي يضرب «بيج آيلاند» (الجزيرة الكبيرة)، وهي الجزيرة الرئيسية في أرخبيل هاواي. كما وقعت هزات ارتدادية بعد الزلزال الكبير.

ويقول شيرو، الذي يعمل في مرصد براكين هاواي ببلدة هيلو: كان يوما مثيرا، ولكن اتضح لاحقا أن هذا كان مجرد البداية. وحتى العام الماضي، كان مكتب شيرو يطل مباشرة على فوهة بركان كيلاويا، أحد أنشط البراكين على كوكب الأرض.

إلا أنه بعد أيام قليلة من الزلزال، ثار البركان. اختفت بحيرة الحمم البركانية الحمراء وبدأ البركان ينفث رمادا وصل ارتفاعه إلى عشرة كيلومترات. وتم إغلاق المتحف الموجود بموقع المرصد أمام الزوار.

وتحدثت عناوين وسائل الإعلام عن «الرعب في الجنة». ورغم أن هذا يحمل بعض المبالغة، كان هذا الثوران البركاني في الواقع إحدى أقوى الثورات التي حدثت في هاواي خلال نحو مائتي عام. ومنذ مايو حتى أغسطس من العام الماضي، ظهرت تصدعات في جميع منحدرات البركان. وطمرت الحمم 700 منزل وتسببت في تشريد الآلاف. كما تضررت السياحة.

وبركان كيلاويا موجود في «حديقة براكين هاواي الوطنية»، التي تأسست في 1916، وهي تضم بركاني كيلاويا ومونا لوا، وهما من أضخم البراكين في العالم. ويقع البركان على جزيرة «بيج آيلاند». وكان يزور الحديقة سنويا مليونا زائر، ما كان يجعلها أحد أكبر مقاصد الجذب السياحي في الأرخبيل الواقع بالمحيط الهادئ والذي يتألف من ثماني جزر رئيسية.

وخلال الثوران، تم إغلاق الحديقة الوطنية لمدة 134 يوما، وهي أطول مدة إغلاق شهدتها في تاريخها الممتد لأكثر من مائة عام. وقد انخفض عدد الزوار بمقدار النصف تقريبا.

ومنذ إعادة فتح الحديقة الوطنية بصورة تدريجية خريف العام الماضي، بدأ السائحون في العودة. إلا أن جيسيكا فيراكين، المتحدثة باسم الحديقة، أوضحت أن الأعداد لم تعد لسابق عهدها. ولا تزال مناطق جذب عديدة في الحديقة مغلقة بسبب مخاوف من حدوث انهيارات، بما في ذلك متحف تاريخي كان قريبا من مكتب شيرو.

وتم إعادة فتح معظم المسارات ونقاط المراقبة حول فوهة «هاليماوماو» الرائعة. وعاد فندق «فولكانو هاوس»، وهو الفندق الوحيد بالحديقة، ليستقبل ضيوفه مجددا بعد فترة إغلاق قسرية استمرت خمسة أشهر. ومن الفندق، يمكن للزوار النظر في عمق فوهة البركان والاستماع بالمنظر المحيط بها.

ويقول شيرو، وهو يشير إلى الخارج :»الطبيعة القوية تركت بصمتها،» فقد أصبحت فوهة البركان أضخم بـ 15 مرة عن ذي قبل؛ وزاد عمقها من 85 مترا إلى 500 متر.

وانقطع الطريق الدائري الذي كان يُستخدم للالتفاف حول الفوهة في بعض أجزائه، وأصبحت بعض قطع الأسفلت معلقة من حوافها مثل لوحة من الفن السيريالي.

وتغيرت الكثير من الأمور أيضا خارج الحديقة، فعلى شبه جزيرة «بونا»، وهي مقصد شهير لقضاء العطلات في الجنوب الشرقي من الجزيرة الواقعة في هاواي، تراكمت الحمم البركانية على الطرق وتسببت في قطع بعض الأماكن عن العالم الخارجي. كما طمرت منتجعات سياحية وبحيرة عذبة وشواطئ غوص.

وما قد يبدو من الوهلة الأولى لكثير من الزوار أنه خراب، فإن له معنى أعمق لسكان هاواي. ويعتقد العديد من السكان المحليين، الذين جاء أسلافهم إلى الأرخبيل من جزر بولينيزيا (الفرنسية في جنوب المحيط الهادئ) أو آسيا، على سبيل المثال، أن ما حدث هو نتيجة نشاط قُوى روحية. يقول مايكل نيومان، وهو حارس في الحديقة الوطنية : «خلال ثورة البركان، شعرت وكأن الجزيرة قد عادت إلى الحياة. شعرت بشيء روحاني».

وقد وُلد نيومان في الأرخبيل، حيث شكلت قصص التراث الشعبي التي كان يرويها كبار السن في المجتمع المحلي طريقة تصوره للأشياء. وحاله مثل العديد من أهالي هاواي، فهو يؤمن بقوة «بيليه»: تقول الأسطورة إن إلهة النار هي المسؤولة عن تكوين الجزر، التي تتألف جيولوجيا من التكتلات التي تتشكل بفعل البراكين تحت سطح المياه بالمحيط الهادئ.

ويقال إن «بيليه» تعيش مباشرة في فوهة «هاليماوماو» ببركان كيلاويا وأنها هي من تسببت في ثوران .2018 ويقول نيومان :»يرى كثيرون أن البركان أمر مخيف. إنهم لا يدركون أنه مع كل ثورة بركان، تقوم بيليه بتشكيل أرض جديدة وحياة جديدة».

ويمكن رؤية ذلك في «بوهويكي»، وهو امتداد ساحلي جنوب منطقة بونا، حيث تجمعت تدفقات الحمم البركانية العام الماضي بعد نحو ثلاثة أشهر من ثوران البركان.

ومنذ ذلك الحين، ذهبت «بيليه» لتستريح. ولم تعد الحمم البركانية المتوهجة تُرى في هاواي. ويحملك طريق ترابي غير ممهد خلال الرحلة إلى بوهويكي. وعلى طول الطريق، تسبب البركان في إضافة كيلومترين من السواحل الجديد، أي ما يعادل 500 ملعب لكرة قدم. وهذه هي المناطق التي ستنمو فيها نباتات البن أو أشجار البابايا أو أشجار المانجو في مرحلة ما.

وفي نهاية الطريق الترابي، يوجد ما يعتقد السكان المحليون أن بيليه قامت بتشكيله: خليج من أشجار جوز الهند الخضراء، شاطئ رائع من الرمال السوداء الجميلة التي تشكلت أثناء الثوران- مقصد جديد أصبح مفضلا للسكان المحليين والسياح.

ولكن كيف شكلت «بيليه» هذه الجنة الجديدة؟ يوضح عالم البراكين الجيولوجي ريك هازليت، وهو من هيلو، أن «البخار يحول الحمم البركانية إلى رمال عند دخولها في المياه». وفي غضون أيام قليلة، تقوم التيارات المائية بجرف الرمال السوداء إلى الشاطئ حيث تتراكم شيئا فشيئا. ولا يعلم أحد كم من الوقت سيظل هذا الشاطئ موجودا. ربما سنوات، وربما آلاف السنين. ويعتمد هذا على التوقيت الذي ستعود فيه «بيليه» إلى نشاطها مرة أخرى.