أفكار وآراء

صفقة القرن .. إعادة لمشروع قديم

30 يوليو 2019
30 يوليو 2019

عاطف الغمري -

لما كانت أي استراتيجية تتمدد وتتوسع، أو تنكمش وتتجمد، حسبما تواجهه على الخط المستهدف منها أن تتجاوزه، فإما أنها تجد أمامها استراتيجية مضادة تصدها، وإما أن هناك فراغا استراتيجيا يبيح لها أن تندفع دون حدود، أي أن اللعبة السياسية بكاملها محكومة بما لدى الطرف الثاني الواقف على الجانب الآخر من خط الصد الاستراتيجي.

وإن كل ما نشهده اليوم من مواقف وسياسات للولايات المتحدة، تنحاز كلية لإسرائيل، تكاد تكون تطبيقا عمليا لأفكار قديمة، خرجت إلى العلن قبل حوالي ثمانية عشر عاما، منذ تولي جورج بوش وجماعة المحافظين الجدد الحكم. فهم الذين قدموا إلى نتانياهو برنامجه السياسي للحكم منذ فوزه في انتخابات 1996، برئاسة الحكومة. وما أظهروه صراحة من رفض عملية السلام، طبقا لمبدأ الأرض مقابل السلام، ورفض لمبدأ حل الدولتين، وكل ما اتفق عليه في اتفاقيتي أوسلو.

وإذا نظرنا اليوم إلى الفريق المختص بحل القضية الفلسطينية، نجد أمامنا جون بولتون مستشار الأمن القومى، وهو أحد قيادات المحافظين الجدد، ومايك بنس نائب الرئيس، المنتمي إلى ائتلاف المسيحية الصهيونية، والثلاثي المختص بما سمى صفقة القرن وهم جاريد كوشنر، وجرينبلات، وديفيد فريدمان، والثلاثة من اليهود المرتبطين بتطبيق سياسات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.

وإذا كانت هذه السياسات قد بدا وكأنها فقدت قوة دفعها بعد سنوات من إطلاقها أيام حكم المحافظين الجدد، إلا أن هذا هو طابع التفكير الصهيونى، التى تترك الفكرة حتى تتوافر لها الفرصة اللازمة لتحولها إلى واقع حتى ولو استغرق الأمر سنوات، فهم يتبعون دائما أسلوب التخطيط للأجل الطويل.

وإذا كنا نلاحظ اليوم أن مشروع صفقة القرن، كما أطلقوا عليه هو مشروع اقتصادي أساسا، فإن الخطوط الاستراتيجية الإسرائيلية من بداياتها، قصدت حتى من قبل قيام إسرائيل بسنوات طويلة، طبقا للمشروع الذي وضعته الحركة الصهيونية لما بعد قيام دولة إسرائيل، أن تسعى بكل الوسائل لتجعل من نفسها الثقل الاقتصادي والصناعي في المنطقة، وهو ما جاء مسجلا في كتاب الدولة اليهودية لتيودور هيرتزل نبى الحركة الصهيونية عام 1902، وبحيث تسيطر إسرائيل على كافة مصادر القوة والثروة في الشرق الأوسط.

ومرت سنوات طويلة ليظهر في أول التسعينات، مشروع شيمون بيريز «الشرق الأوسط الجديد»، ثم أعاد بيريز بلورته تحت نفس المسمى، وذلك بعد بدء عملية السلام في مدريد عام 1991، وكان وقتئذ وزيرا للخارجية في حكومة إسحاق رابين. وإن كان قد ركز على جوانب التعاون والاندماج الاقتصادي الإسرائيلي في المنطقة، وأيضا السياسي، والأمني. وإن كان قد ابتعد عن ذكر جوهر المشروع الذي كان هيرتزل صريحا في طرحه، وهو سيطرة إسرائيل على كل مصادر القوة والثروة في المنطقة.

وتوالت المؤتمرات للتعاون الإقليمي في إطار عملية السلام، لتصل إلى سلام شامل دائم يتضمن الحل النهائي للقضية الفلسطينية. ثم انتكست هذه العملية بهجمة الليكود على الفلسفة الأصلية لعملية السلام، على يد نتانياهو، وتوالى التراجع الإسرائيلي عن روح ومرجعيات عملية السلام.

إلى أن ظهرت في الأفق مقولة صفقة القرن، لتأتي لنا بمشروع اقتصادي، تقف وراء فكرته إسرائيل، مجردا تماما من البعد السياسي للسلام، والذي يعد أساسه وجوهره حل القضية الفلسطينية.