Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: المنبه..

30 يوليو 2019
30 يوليو 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

من وجهة نظر عملية، أرى أن القليل منا من لا يعتمد على الـ «منبه» في حياته اليومية، سواء أكان هذا المنبه للاستيقاظ لأمر ما، كالصلاة مثلا، أو لأي شأن من شؤون الحياة اليومية، أو المنبه للمناسبات، وجداول الأعمال، والالتزامات الأخرى، فالصورة ؛ كما يبدو؛ لن نستغني عن المنبه في حياتنا اليومية، وربما يبقى القليل جدا من هم يعتمدون على منبهاتهم الذهنية، والتي تخطئ أكثر مما تصيب، فالواحد منا تعتريه في اليوم الواحد الكثير من المشاغل، والظروف، والأحداث، فكم سيتذكر، وكم سيظل واعيا لكل جزئيات حياته اليومية، تبقى المسألة بهذه الصورة أيضا شبه مستحيلة، إلا الاستثناء، وهم قلة؛ حسب الواقع العملي.

وعندما يكون الحديث عن المنبه، فإنه سيتوغل إلى كثير من جزئيات حياتنا اليومية، وإذا كان الناس اعتادوا على المنبهات المادية الملموسة، فهناك منبهات غير مادية، ولكن تظل نتائجها ملموسة إلى حد كبير؛ وربما؛ تشكل منعطفا مهما في حياتنا كبشر، فالمرض؛ على سبيل المثال؛ منبه مهم لاعتلال الصحة، ووقوع الجسم في مخاض العافية؛ ويقينا؛ هناك أسباب كثيرة للأمراض التي تهجم علينا من غير موعد، ولا استئذان، كما جاء في قول شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي:

«وزائرتي كأن بها حياء؛ فليس تزور إلا في الظلام

فرشت لها المطارف والحشايا؛ فعافتها وباتت في عظامي

إلى قوله: «أراقب وقتها من غير شوق؛ مراقبة المشوق المستهام»

ويصدق وعدها والصدق شر؛ إذا ألقاك في الكرب العظام»

وما ينطبق على الحمى، ينطبق على الفقر، وينطبق على الموت، وقد قيل: «لولا ثلاثة؛ لما طأطأ الإنسان هامته، وهي: الفقر، والمرض، والموت» فبخلاف هذه الثلاثة، وهي منبهات مهمة لمسار حياة كل فرد منا، فإن هذا الإنسان «سيتفرعن» ولن يستطيع كائن آخر أن يعيده إلى إنسانيته المفترضة.

فالمعاناة من هذه الثلاثة مجتمعة، أو أي واحد منها، هي رسالة شديدة الوضوح، بأن علينا أن نعيد حساباتنا مع أنفسنا أكثر، ومتى تحققت هذه المحاسبة، أضفى ذلك علينا وعلى من حولنا الكثير من مباهج الحياة الآمنة، وعندما نسقط نفس مفهوم الـ «منبه» على شيء من جوانب حياتنا اليومية، يمكن القول منبه «مؤشر البنزين» في السيارة، فإذا أهملنا هذا المنبه ربما نوقع أنفسنا في موقف لا نحسد عليه، خاصة في المسافات الطويلة، ومن هذه المنبهات أيضا حالات سوء التفاهم التي تقع بين الأفراد؛ بغض النظر عن مستوى القربى؛ فإن في ذلك مشروعا خلافيا؛ إذا تطور تطورا كبيرا، قد يفضي إلى نتائج لا تحمد عقباها، وهنا يأتي دور العقلاء لتجفيف منابع شتى الخلافات التي تقع بين أفراد المجتمع الواحد، وعندما تأتيك رسالة من إدارة المدرسة، بأن (ابنك/‏ ابنتك) عليهما ملاحظات ما، تتعلق بتعليمهم، أو سلوكياتهم، فإن في ذلك منبها مباشرا لك كولي أمر، بأن أحدهما، أو كليهما يدخلان نفقا؛ قد يكون رماديا في بدايته؛ ولكن عدم الاهتمام من قبل ولي الأمر، قد يتعمق النفق إلى المستوى المظلم، وعندها لا ينفع الندم، وقس على ذلك أمثلة كثيرة لمثل هذه المنبهات في حياتنا اليومية، تحتاج فقط إلى شيء من المتابعة الدقيقة من قِبلنا حتى لا نقع في مواقف محرجة، ويكون الخروج منها باهظَ الثمن.

لعل أخطر المنبهات تلك المرتبطة بالعلاقة مع رب العالمين، فالتكاسل عن أداء الواجبات الدينية -وخاصة الفرائض- مؤشر على تراخي العلاقة، وهذا إن استمر، فإن هذه العلاقة مهددة بالأخطر، والمنبهات في هذه العلاقة تظل الأقرب إلى الفرد نفسه من تلمسها، وجس النبض في تداعياتها، وعندما ينظر إلى خطورة تجاذبات هذه العلاقة لأنها مرتبطة بنتائج؛ ربما؛ تكون غير مرئية في حاضر هذا الإنسان (في حياته الدنيوية).