أفكار وآراء

القيادة الفلسطينية تقرر الانقلاب على اتفاق أوسلو

27 يوليو 2019
27 يوليو 2019

ماجد كيالي -

بعد اجتماع طال انتظاره للقيادة الفلسطينية، عقد يوم 25 يوليو الجاري في رام الله، أعلن الرئيس محمود عباس «وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، والبدء بوضع آليات، وتشكيل لجنة، لتنفيذ ذلك، عملا بقرارات المجلس المركزي الفلسطيني».

ومعلوم أن القرار المذكور أتى كردة فعل، وكتعبير عن حال الغضب التي اجتاحت الفلسطينيين، نتيجة قيام إسرائيل بهدم مباني في صور باهر في القدس الشرقية، على جري عادتها، لأغراض أمنية أو ديمغرافية، علما أن تلك المنطقة تخضع، كما هو مفترض، لسيادة السلطة الفلسطينية.

وفي الواقع فإن الخروج بهكذا قرار، صعب وخطير، لا يقتصر على الرد على ما جرى من هدم لمنازل الفلسطينيين، على أهمية هذا الحدث، ذلك أن القيادة الفلسطينية أضحت، منذ زمن، ترى أنها باتت في دائرة مغلقة، فإسرائيل تواصل أعمال الاستيطان ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية، وهي تقوم بعملية خنق اقتصادي للسلطة الفلسطينية لإخضاعها وفرض إملاءاتها السياسية عليها، وفوق كل ذلك فإن تلك الممارسات باتت تحظى بتغطية وتعاطف وإسناد كبير من الإدارة الأمريكية، التي انقلبت على القيادة الفلسطينية، ونفضت يدها من رعاية عملية السلام، بل إنها تعمدت إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وكل ذلك في إطار سعيها لتشديد الضغط عليها وحملها على تمرير ما يسمى صفقة القرن، التي تتضمن التخلي عن القدس وتشريع المستوطنات وتصفية حق العودة، واعتبار أن السلطة الفلسطينية هي خاتمة المطاف بالنسبة للمطالب الفلسطينية.

إذا، فقد جاء القرار المذكور كتحصيل حاصل لجمود عملية التسوية، وكمحاولة من القيادة الفلسطينية لتعزيز مكانتها إزاء شعبها، إلا أن المشكلة هنا تكمن في حقيقة أن القرار ذاته كان قد اتخذ مثله قبل أربعة أعوام، في اجتماع المجلس المركزي (2015)، إلا أنه لم يجد طريقه إلى التنفيذ، بسبب افتقاد الإرادة السياسية، أو فقدان الأهلية الكفاحية، أو بسبب حالة الارتهان الوثيقة التي تربط الفلسطينيين بإسرائيل، التي تسيطر على المعابر والحدود والواردات والصادرات، كما على إمدادات المدن الفلسطينية من المياه والكهرباء والطاقة والاتصالات وحركة المرور الخ، وهذا نتيجة الاتفاقات المخلة، الواردة في اتفاق أوسلو وملحقاتها الأمنية والاقتصادية.

الفكرة هنا أنها ليست المرة الأولى، منذ 26 عاما، التي يعترف فيها الرئيس بخطيئة أوسلو، وبحقيقة أن الوضع هو بمثابة سلطة تحت الاحتلال، إذ طالما عبر عن ذلك بمرارة، لكن دون تحديد المسؤولية عن ذلك؛ هذا أولا.

ثانيا، إن القيادة الفلسطينية وهي تؤكد على مواجهتها السياسات الإسرائيلية وما يسمى «صفقة القرن»، لا تجد في يدها شيئا من أوراق القوى، في ظل الأوضاع العربية والدولية الراهنة، سوى إصدار البيان تلو البيان، أو التوجه لعرض الأمر على الأمم المتحدة، وهي وصفة للعجز وانعدام الحيلة.

ثالثا، حتى على الصعيد الذاتي فإن هكذا موقف، وفي ظل الظروف الصعبة للفلسطينيين في الداخل والخارج، مع هيمنة إسرائيل على الضفة وحصار غزة ومعاناة مجتمعات اللاجئين في البلدان الأخرى، يفضي إلى إشاعة الإحباط وفقدان الأمل عند الفلسطينيين في كافة أماكن وجودهم، جراء العجز الحاصل، وجراء إخفاق الحركة الوطنية الفلسطينية في مختلف الخيارات التي أخذتها على عاتقها، في مسيرة طويلة ومضنية ومكلفة بات لها أكثر من نصف قرن.

ما يفاقم من المشكلة، في هذه الظروف والمعطيات، أن القيادة الفلسطينية لا تبحث عن خيارات بديلة أو موازية، تساهم بتغيير قواعد اللعبة، ولم تهيئ نفسها لتلك اللحظة الحرجة، رغم أنها كانت ماثلة للعيان.

المشكلة أيضا أن تلك القيادة لا تحاول التركيز على إعادة بناء البيت الفلسطيني (المنظمة والسلطة والفصائل)، والتي أضحت من جوانب مختلفة متآكلة ومتقادمة ومتكلسة، ما يجعلها غير مؤهلة لمواجهة أي تحديات، ولا للدفع باستنهاض طاقات الفلسطينيين لتمكينهم من صد السياسات الإسرائيلية.

في كلمته في الاجتماع قال أبو مازن: «لن نستسلم، ولن نتعايش مع الاحتلال، ولن نتساوق مع صفقة القرن.. ففلسطين والقدس ليست للبيع والمقايضة وليست صفقة عقارات في شركة عقارات». وهو كلام صحيح وفي محله، لكن هذا الكلام هو لسان حال أي فلسطيني، بمعنى أن القيادة مطلوب منها أكثر من ذلك، أي أكثر من مجرد كلام وبيان، فهي مطالبة بصنع سياسات.