أفكار وآراء

الجمع بين الوساطة والتحكيم لتسوية المنازعات 

27 يوليو 2019
27 يوليو 2019

د. عبد القادر ورسمه غالب -

Email: [email protected] -

ساحات القضاء مفتوحة أمام الجميع لتسوية المنازعات ورد المطالب وأخذ الحقوق. واللجوء للقضاء حق دستوري ثابت يحترمه ويطبقه الجميع، في ظل سيادة القانون واستقلال القضاء. ولكن مع تطور الزمن وتشعب المنازعات وتداخلها وصعوبتها، ظهرت بدائل أخرى مناسبة ومقبولة لتسوية المنازعات. ومن هذه البدائل، نجد التحكيم والوساطة والتوفيق وغيرهم وجميعها اتفق عليها الأطراف بإرادتهم الحرة وأيضا تم إصدار تشريعات تمنح هذه البدائل القوة القانونية المطلوبة.

استمر العمل، في ما يتعلق بتسوية المنازعات وفق رغبة الأطراف عبر التحكيم أو الوساطة. ولكل منهما، ضوابط وأحكام يتم التقيد بها والسير على نهجها حتى النهاية بقرار التحكيم النهائي أو قبول الوساطة وما تمخض عنها. ومن الضروري هنا، أن نذكر أن التحكيم نافذ ونهائي وملزم للأطراف بينما الوساطة ليست ملزمة وربما يوافق الأطراف عليها أو على جزء منها أو عدم قبولها تماما.

كما ذكرنا، أن التحكيم والوساطة من بدائل تسوية المنازعات، بل أهمها، بعيدا عن ردهات القضاء. والتحكيم والوساطة يبدأن برغبة الأطراف وإرادتهما الحرة واتفاقهما وفق المعايير القانونية أو الممارسات المهنية المتفق عليها. ومن الجدير بالذكر أن كلا من التحكيم والوساطة لعبا دورا هاما في تسوية المنازعات بين الأطراف. ولقد ظل هذا الدور مستمرا وفي ازدياد، وهذا يدلل على أهميتهما في هذا المجال الحساس.

ولكن ولفترة طويلة يلجأ الأطراف أما للتحكيم أو للوساطة حيث كانا يمثلان طريقين مختلفين لتسوية المنازعات، وبعد لجوء الأطراف لأحد الطريقين، ينتهي بهما المطاف وفق القرار النهائي لقرار التحكيم أو قبول ما تتمخض عنه الوساطة. أي أن التحكيم والوساطة كانا يعملان بصفة مستقلة تماما عن بعضهما البعض ولا يجتمعان معا على اعتبار أن كلا منهما مستقل بحد ذاته. وبالفعل كل طريق حقق الكثير، في تحقيق هدفه السامي وهو تحقيق العدالة ليطمئن المجتمع.

ولكن، في مجال السعي الحثيث للبحث عن شتى الطرق المقبولة لتسوية المنازعات ورد الحقوق ظل البحث مستمرا في إيجاد كل الوسائل الممكنة للتسوية أو البحث عن تطوير الوسائل الحالية المتوفرة. وفاقد الشيء بطبعه يطرق كل السبل للوصول لغايته بحثا عن حقوقه وكل ما يرتبط بها، وهذا أمر طبيعي ومرغوب فيه.

ولهذا، نجد الآن الجمع بين التحكيم والوساطة في عقد واحد يتفق عليه الأطراف برغبتهما. ولتحقيق هذا التطور، يتفق الأطراف على تسوية النزاع عبر الوساطة وذلك كخطوة أولى. وعليه يتضمن العقد المبرم بين الأطراف كل التفاصيل المتعلقة بالوساطة للقيام بدورها لتسوية النزاع بين الأطراف. وكذلك، يوجد نص واضح في العقد يشير لاتفاق الأطراف للجوء لتسوية نفس النزاع عبر التحكيم إذا فشلت مساعي الوساطة في التسوية. وهذا الجمع، الذي بدأ يحدث الآن، بين الوساطة والتحكيم بدأ يأخذ مساره كطريق جديد للوصول عبره لتسوية النزاع بين الأطراف.

ان هذا الطريق، يوضح رغبة الأطراف الجادة وإرادتهما الأكيدة في طرق كل وسائل تسوية المنازعات حتى لو أدى الأمر للجمع بين عدة وسائل. وقانونا، هذا جائز وتم تطبيقه واللجوء إليه. وليستمر هذا النهج الجديد في تحقيق مراميه، لا بد من التأكد من صياغة شروط الوساطة بصورة واضحة للدرجة التي تمكنها من تكملة دورها المنشود، وكذلك صياغة شروط التحكيم بصورة واضحة تمكن التحكيم من تكملة مشواره المنشود. إن عدم توفر الصياغة الواضحة لكل دور وواجباته ومهامه وبدايته ونهايته، ربما تقود لنتائج عكسية لا يستفيد منها الأطراف. وفي مثل هذه الحالات تتأزم الأمور وقد تضيع الحقوق بدلا من تسويتها بما يحقق مرامي العدالة الناجزة.