أفكار وآراء

الإرهاب .. ظهوره وزواله

23 يوليو 2019
23 يوليو 2019

عاطف الغمري -

عرف العالم ظاهرة الإرهاب على مدى التاريخ، وفى كل حقبة زمنية ينشط فيها الإرهاب، كانت وراءه أسباب، سرعان ما يزول بعدها حين تختفي هذه الأسباب. وفى السنوات الأخيرة صار الإرهاب ظاهرة عالمية لا تحدها حدود دولة أو دول، وما يلفت النظر في السنوات القليلة الماضية حدوث تحول جوهري في تفكير ونشاط الجيل الحالي من الإرهابيين؛ فالقتل وإدمانه والاستمتاع به صار هدفا في حد ذاته.

يناقش الظاهرة الراهنة كتاب عنوانه (الإرهاب وسياسة العنف)، للكاتب البريطاني فرنك كاس، الذي شارك فيه خبراء قدموا رؤيتهم في عشر دراسات، وتولى التنسيق بين هذه الدراسات البروفسور بول ويلكنسون، مدير معهد دراسات النزاعات والإرهاب في بريطانيا.

يقول الكتاب: «إن مما يلفت النظر وجود سمات مشتركة تجمع بين التنظيمات الإرهابية، حتى وإن اختلفت وتعددت جنسياتها، وإن أصبح الإرهابيون أكثر نشاطا، وعملياتهم أكثر سفكا للدماء؛ والسبب في ذلك أن الإرهابيين يعتقدون أن الهجمات القاتلة تجذب إليهم الأنظار، وتشدد من قبضة التنظيم الإرهابي على أعضائه، من ثم صارت عمليات القتل هدفا في حد ذاتها، وأصبح الإرهابي يتعلم بكل السبل كيف يكون أشد شراسة وعنفا، وكأنه في سباق دموي مع زملائه، على صفة القاتل الأكثر عنفا ودموية».

بل إن المنظمات الإرهابية المختلفة أصبحت تتنافس على جذب أعضاء جدد قد ينتمون إلى منظمات أخرى، وما يجذبهم إليها إظهار نفسها بأنها الأشد قدرة على قتل الضحايا وسفك الدماء، ونتيجة لذلك تكاثر عدد المنظمات الإرهابية نتيجة الانشقاق عن المنظمة الأم، والانضمام إلى غيرها، أو لتشكيل منظمة جديدة منافسة للأولى.

يقول الكتاب: «إن هذه المنظمات تعلمت أن تشكل لنفسها شبكة معلومات من أشخاص يتعاطفون معها عن بعد دون المشاركة في حمل السلاح وحتى يكون هؤلاء بعيدين عن أنظار أجهزة الأمن وملاحقتها لهم».

وإن من بين الأسباب التي تدفع إلى هذا السلوك المفرط في الدموية من منظمات الإرهاب، تلقينهم وهم في سن صغير الكراهية لمجتمعاتهم، وغرس أفكار جديدة في عقولهم عن مجتمع آخر يحق لهم أن يعيشوا فيه، رافضين المجتمعات التي نشأوا فيها، حتى وإن كانوا قد جنوا ثمار معيشتهم فيها، من ثم تكون ضرباتهم ضد هذه المجتمعات، خالية من حسابات العقل والمنطق، فالكراهية هي غذاء العنف الدموي.

رغم ذلك لا يحمل الكتاب نظرة متشائمة؛ فهو ينظر إلى موضوعه من زاويته التاريخية، باعتبار الإرهاب ظاهرة تتكرر، وتشتد، ثم تذوى وتموت، إلى أن تتدخل ظروف لاحقة في إظهارها.

لكن الأهم أن هناك دولًا تعتبر الإرهاب بالنسبة لشعبها شيئا خارجا عن طبيعته، وشخصيته القومية، ومزاجه النفسي، وهي الشخصية التي تكونت لها ملامح راسخة على مر السنين، بحيث يظل الإرهاب بالنسبة لها موجة عارضة، وفى مناخ يلفظها ولا يسمح لها بالانتشار أو حتى باكتساب مقومات التواجد، كما أن المجتمع يضيق عليها الخناق، لتختنق في محيط لا يمنحها مقومات الحياة، وإن ذلك يحدث ارتباطا بالقاعدة القائلة: «إن للإرهاب أسبابا تجعله يظهر، ثم حين تزول الأسباب، فهو يزول بزوالها».