أفكار وآراء

النظام الدولي والتعددية القطبية

23 يوليو 2019
23 يوليو 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

هناك قرارات دولية ملزمة لإنهاء الحروب الحالية في اليمن وسوريا وليبيا، ولكنها الأطراف أو بعضها يرفض تنفيذ تلك القرارات الشرعية، وهذا يعطي مؤشرا على ضعف المنظومة الدولية التي تحتاج إلى إصلاح وهيكلة في منظماتها المختلفة، وهو الأمر الذي تحدث عنه الأمين العام الحالي للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيريش وشاركه الرأي عدد كبير من الدول الأعضاء خاصة من الدول النامية الأكثر تضررا من الوضع الحالي لهذه المنظمة الدولية.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وانتصار الحلفاء برئاسة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ضد ألمانيا النازية وحلفائها، تم رسم خريطة العالم الجديد من خلال منظمة الأمم المتحدة، وكان من الطبيعي أن يستأثر المنتصرون بعامل التميز الذي تمثل في آلية مجلس الأمن الدولي؛ حيث تمثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا الاتحادية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 ودخلت الصين كممثل لآسيا وفق التوازنات الدولية وباعتبارها دولة نووية فرضت نفسها على الساحة الدولية في عقد الخمسينات من القرن الماضي.

وقد مثل النظام المؤسسي داخل الأمم المتحدة وبالتحديد داخل مجلس الأمن الدولي بأعضائه الخمسة دائمي العضوية اتجاه النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد مرور أكثر من نصف قرن وعلى ضوء المشكلات والحروب وفي مقدمتها نكبة فلسطين والانحياز الغربي الواضح للكيان الإسرائيلي أصبح هذا النظام الدولي لا يعبر عن طموحات الشعوب وقضاياه العادلة.

صحيح أن روسيا الاتحادية والصين يمثلان التوازن النسبي داخل منظومة مجلس الأمن، ولكن الفيتو الأمريكي الذي تم استخدامه طوال تلك السنوات كان له الأثر السلبي ضد القضية الفلسطينية بشكل خاص ولصالح الكيان الإسرائيلي.

ومن هنا ارتفعت الأصوات في السنوات الأخيرة تجاه التخلص من هيمنة القطب الواحد وهو القطب الأمريكي الذي استحوذ على آليات وأدوات الاقتصاد الدولي وانحيازه الدائم لصالح إسرائيل وضد مصلحة الشعوب وكان الاقتراح الأكثر وضوحا من الدول الصاعدة في المشهد الدولي كالهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وغيرها من الدول أن يتم توسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن الدولي بإضافة دول أخرى كاليابان وألمانيا ودول مثل مصر وجنوب أفريقيا والهند والبرازيل، وهذا يعني عدم احتكار الدول الخمس للقرار السياسي الدولي الذي أضعف المنظمة الدولية في عدد من الأزمات ومحطات الصراع خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويبدو أن موضوع التعددية القطبية هو أحد المسارات التي من خلالها تنتهي الإمبراطورية الأمريكية والاتجاه إلى نظام دولي متعدد الأقطاب تكون فيه المسؤولية جماعية وتكون فيه واشنطن قطب من تلك الأقطاب بعيدا عن الهيمنة واستخدام سلاح العقوبات الاقتصادية لتحقيق أهداف سياسية كما هو الوضع مع القضية الفلسطينية وحتى مؤخرا ضد إيران وفنزويلا.

أوروبا الجديدة:

أوروبا التي تعد ذات ثقل اقتصادي وسياسي خلال السنوات التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية وتوصلت إلى وحدة اقتصادية واستراتيجية من خلال الاتحاد الأوروبي أصبحت مؤخرا ذات دور سياسي ضعيف، بدليل أن شروط الاتفاق النووي مع إيران فيما يخص التعامل التجاري والمالي مع إيران لم تستطع اختراقه خوفا من ردة الفعل الأمريكية الغاضبة.

ويرى عدد من المراقبين للشأن الأوروبي أن القارة أصبحت عاجزة حتى عن تنفيذ التزاماتها الدولية وهذا قلل من دورها ومصداقيتها على المسرح الدولي في ظل السيطرة الأمريكية على المشهد الدولي والأمر ينطبق على حلفاء واشنطن في جنوب شرق آسيا خاصة اليابان وكوريا الجنوبية.

الولايات المتحدة حاولت فرض إرادتها السياسية في أمريكا اللاتينية، ولكنها فشلت تاريخيا مع كوبا وأخيرا مع فنزويلا وحتى على صعيد الشرق الأوسط تنطلق إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التعامل مع حلفائها في المنطقة من خلال طلب المزيد من الأموال بهدف الحماية، ومن هنا فإن النظام الدولي وفق الرؤية الأحادية الحالية لم يعد ملائما في ظل تطورات جيو-استراتيجية وفي ظل دول صاعدة اقتصاديا وسياسيا وفي ظل انطلاق عملاق آسيا وهو الصين الذي يمتلك قوة بشرية وإنتاجية كبيرة جعلته يقفز للمركز الثاني عالميا في المجال الاقتصادي بعد الولايات المتحدة بعد أن أزاح عملاقا آسيويا آخر وهو اليابان.

أوروبا ومن خلال الأزمة الإيرانية- الأمريكية أثبتت عدم قدرتها على مواجهة واشنطن سياسيا أو اقتصاديا بل إن خروج بريطانيا من الاتحاد سوف يجعلها أقل قدرة مع التعامل مع القضايا الكبرى، ومن هنا فإن إيجاد نظام دولي جديد يقوم على القطبية المتعددة هو في صالح أوروبا وأيضا لصالح العالم.

إصلاح الأمم المتحدة:

بعد مرور أكثر من سبعة عقود على قيام الأمم المتحدة فإن المنظمة الدولية تعاني من ضعف دورها التقليدي وأصبحت القوى الخمس دائمة العضوية تتحكم في القرار السياسي وأصبح الأمر سجالا في السنوات الأخيرة بين واشنطن وموسكو بشكل مباشر من خلال الاستخدام المفرط لحق النقض المعروف باسم الفيتو، وبذلك تعرضت عدد من قضايا الدول النامية للضرر وعدم اتخاذ قرارات حاسمة وأصبحت الدول الخمس تنقسم إلى قسمين هناك واشنطن ولندن وباريس وهناك اتجاه آخر وهو محور موسكو وبكين.

إذن الإصلاح الهيكلي للأمم المتحدة أصبح ضرورة استراتيجية من خلال تغيير مفهوم القطب الواحد وأيضا احتكار القرار السياسي في الأمم المتحدة على تلك الدول الخمس ومصالحها الخاصة، ومن هنا فإن الخطوة الأولى هي توسيع عضوية مجلس الأمن من خلال إدخال دول تمثل القارات في آسيا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول المؤثرة كألمانيا واليابان.

الخطوة الثانية أن لا تحتكر واشنطن الإسهام المالي الأكبر للأمم المتحدة؛ لأن ذلك يعطيها نفوذا كبيرا واسعا من خلال استغلال ذلك الدعم.

والخطوة الأخيرة نقاش عام عن ماهية النظام الدولي الجديد القائم علي الإنصاف والموضوعية وحقوق الشعوب الثابتة من خلال تطبيق قرارات الشرعية الدولية القابعة في أدراج وأرشيف الأمم المتحدة منذ عقود، خاصة تلك القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطين علي حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.

وبدون إصلاح الأمم المتحدة هيكليا وبدون توسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن وبدون ضغط دولي وشعبي علي الكيان الإسرائيلي؛ فإن العالم المضطرب الذي نشهده اليوم سوف يستمر والأزمات الإقليمية والحروب سوف تتواصل ليظل موقف الأمم المتحدة هو التعبير عن القلق والدعوة إلى التوافق السياسي وإرسال بعثات التقصي التي تنتهي بتقرير لا قيمة له، هذا هو الواقع الصعب الذي تعيشه منظمة الأمم المتحدة التي بدأت تتحول تدريجيا إلى نادٍ سياسي للخطب خلال الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تهدف إلى التعبير عن مواقف سياسية تبعد الحرج عن مواقفها غير المعلنة.

السلام الدولي:

من مهام مجلس الأمن الدولي هو الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ومن خلال تحليل أكثر من سبعة عقود من الصراعات والحروب الكبرى في المنطقة والعالم كان دور الأمم المتحدة محدودا وكانت المفاوضات الثنائية بين المتحاربين هي التي حسمت تلك الحروب.

ونشير هنا إلى مفاوضات باريس بين الولايات المتحدة وفيتنام بعد حرب مدمرة استمرت عقدًا من الزمن وكذلك الحرب الكورية 1950-1953 وحتى الحروب في منطقة الخليج خلال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي كانت عن طريق جهود سياسية، ووصول الحرب العراقية- الإيرانية التي رسمت لها لإضعاف الدولتين كما أشار إلى ذلك هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وهو من أكبر المخططين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة خلال أكثر من نصف قرن ولا يزال.

هناك قرارات دولية ملزمة لإنهاء الحروب الحالية في اليمن وسوريا وليبيا ولكن الأطراف أو بعضها يرفض تنفيذ تلك القرارات الشرعية وهذا يعطي مؤشرا على ضعف المنظومة الدولية التي تحتاج إلى إصلاح وهيكلة في منظماتها المختلفة وهو الأمر الذي تحدث عنه الأمين العام الحالي للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيريش وشاركه الرأي عدد كبير من الدول الأعضاء خاصة من الدول النامية الأكثر تضررا من الوضع الحالي لهذه المنظمة الدولية.

الأزمات الحالية خاصة بين إيران والولايات المتحدة التي تهدد السلم والأمن في تلك المنطقة الحساسة من العالم، وهو تهديد خطير للملاحة الدولية، لم يكن للأمم المتحدة دور فاعل وهي تكتفي بالدعوة إلى خفض التصعيد، وبالتالي فإن حسم هذه الأزمة سيكون من خلال دول اتسم أداؤها بالخبرة التراكمية لتجنيب المنطقة من كارثة مدمرة، ومن هنا فإن تقييم دور الأمم المتحدة في ظل نظام القطب الواحد هو أمر يحتاج إلى وقفة لأن المزاجية السياسية لدولة كالولايات المتحدة ينبغي أن تتوقف ليكون هناك نظام دولي جماعي تكون له الفاعلية في حل المشكلات بشكل موضوعي حتي يتجنب العالم الحروب والفوضى السياسية واستخدام العقوبات الاقتصادية لتحقيق مآرب سياسية.

القطبية المتعددة أصبحت مطلبا جماعيا للمجتمع الدولي والولايات المتحدة كإمبراطورية تسيطر على مفاصل الاقتصاد الدولي وآلياته ومع تزايد المشكلات الاقتصادية على واشنطن ومسألة الديون السيادية وهي الأكبر في التاريخ على دولة كالولايات المتحدة التي تقترب من 23 تريليون دولار، فإن هناك شكوكا حتى من المفكرين في الولايات المتحدة أن تواصل واشنطن دورها الامبراطوري وسوف تضطر في نهاية المطاف أن تقبل بدور إحدى القوى الفاعلة في العالم، وهذا سوف يمهد إلى النظام الدولي المتعدد القطبية، وسوف يكون مفيدا للعالم وأجياله ومصالحه وفرض السلام والأمن من خلال منظومة دولية وإقليمية ممثلة في مجلس الأمن ومن خلال التشاور الجمعي بعيدا عن الهيمنة الفردية.