1272849
1272849
الرياضية

أمـــم إفــــريقيا: الجزائر المستحِقة تتوج بلقب ثانٍ على حساب السنغال

20 يوليو 2019
20 يوليو 2019

(أ ف ب)- أنهى المنتخب الجزائري لكرة القدم النسخة الثانية والثلاثين من نهائيات كأس الأمم الإفريقية في كرة القدم بالطريقة التي يستحقها، بفوز بهدف نظيف على السنغال في المباراة النهائية أمس الأول الجمعة، منحه لقبا قاريا ثانيا بعد انتظار نحو ثلاثة عقود.

وأمام الآلاف من مشجعيه على استاد القاهرة الدولي، منح المنتخب الجزائري بالهدف المبكر الذي سجله مهاجمه بغداد بونجاح، مواطنيه فرحة تمتد من العاصمة المصرية إلى الجزائر وولاياتها وصولا إلى مختلف مدن فرنسا، في فترة من الحراك السياسي النشط والتظاهرات الاحتجاجية ضد نظام الحكم التي تتكرر كل يوم جمعة، وأحيت في يوم سابق اليوم «ذكراها» الثانية والعشرين.

أثبت المنتخب الجزائري في الميدان ما كان الكثيرون يتوقعونه، بتتويجه بطلا للمرة الثانية في تاريخه بعد 1990 على أرضه، بفضل تضافر عوامل منها المدرب جمال بلماضي الذي طوى خلال عام صفحة مؤلمة من تاريخ المنتخب عانى خلالها على صعيد النتائج والبطولات، وتشكيلة من اللاعبين الثابتين الذين قدم كل منهم أداء لافتا في مركزه، من القائد رياض محرز، إلى المهاجم بونجاح، مرورا بلاعب الوسط سفيان فغولي، والحارس الصلب رايس مبولحي الذي اختير أفضل لاعب في المباراة النهائية، ولاعب خط الوسط إسماعيل بن ناصر الذي اختير أفضل لاعب في البطولة.

وعلق بلماضي «هذا إنجاز رائع وتاريخي. هذه أول كأس خارج القواعد، إنها فترة طويلة لم نصعد فيها إلى قمة منصة التتويج، لدينا بلد كرة قدم ونستحق اللقب».

وأضاف «المباراة كانت معقدة جدا وصعبة، واجهنا فريقا قويا لعب كأس العالم الأخيرة. حسم النهائي بتفاصيل صغيرة والفضل يعود إلى اللاعبين وأنا بدونه لا أساوي أي قيمة. اللاعبون هم الفاعلون الحقيقيون، أنا والطاقم الفني مساهمة بسيطة لهذا الجيل. هم من يلعبون ويطبقون الأوامر بأفضل طريقة».

وقدم المنتخب الجزائري الأداء الأفضل منذ الجولة الأولى لمنافسات المجموعة الثالثة، والتي تمكن خلالها من الفوز على السنغال، أفضل منتخبات القارة في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بالنتيجة ذاتها التي انتهت إليها المباراة النهائية. وسجل بغداد بونجاح الهدف الوحيد في الدقيقة الثانية ليقود منتخب بلاده إلى اللقب الثاني في ثالث مباراة نهائية له في العرس القاري بعد الأولى التي خسرتها أمام نيجيريا عام 1980، فيما فشلت السنغال للمرة الثانية في النهائي بعد الأولى أمام الكاميرون بركلات الترجيح عام 2002 في مالي.

وحققت الجزائر فوزها السابع تواليا لتحرز اللقب الأول لها خارج قواعدها وتلحق بالكونغو الديمقراطية (1968 و1974) وساحل العاج (1992 و2015) اللتين ظفرتا بلقبين حتى الآن في المركز الخامس على لائحة المتوجين بالألقاب في العرس القاري.

هدف مبكر وضربة جزاء ملغاة

وحققت الجزائر الأهم في المباراة النهائية وهو النتيجة لأنها لم تقدم أداء على قدر المتوقع، وكانت الأفضلية للسنغال منذ بداية المباراة بسبب الهدف المبكر لرجال بلماضي الذين دافعوا عن تقدمهم وتركوا المبادرة لمنتخب أسود تيرانجا، لكن دون جدوى.

وفاجأت الجزائر الدفاع السنغالي الذي بدأ المباراة كالأفضل في البطولة (هدف واحد) لكنه افتقد قطب دفاع نابولي الإيطالي كاليدو كوليبالي بسبب الإيقاف، بهدف مبكر من أول هجمة، وأغلقت بعدها المنافذ حتى النهاية خصوصا في الشوط الأول الذي وجد فيها زملاء نجم ليفربول الإنجليزي ساديو مانيه صعوبة كبيرة في اختراق خط الوسط فغابت الفرص عن مرمى الحارس رايس مبولحي.

ولجأ المنتخب السنغالي إلى الكرات الطويلة في الشوط الأول دون جدوى، قبل أن يتحسن أداؤه في الشوط الثاني دون أن يتمكن من إدراك التعادل علما بأن الحكم الكاميروني أليوم نيان احتسب له ركلة جزاء مطلع الشوط الثاني إثر لمسة يد للاعب الوسط عدلان قديورة داخل المنطقة لكنه تراجع عن قراره بعد لجوئه إلى تقنية المساعدة بالفيديو «في إيه آر».

وافتتحت الجزائر التسجيل في أول هجمة عندما تلقى بونجاح كرة من إسماعيل بن ناصر من الجهة اليسرى فانطلق وسددها قوية من خارج المنطقة فارتطمت بقدم المدافع ساليف سانيه وهبطت ساقطة داخل المرمى خادعة الحارس ألفريد جوميس الذي كان متقدما (2).

وهو الهدف الثاني لبونجاح في البطولة، والأسرع في تاريخ المباريات النهائية للمسابقة.

وكان أول تهديد حقيقي للسنغال من ركلة حرة بعيدة انبرى لها هنري سايفيه وتصدى لها مبولحي بصعوبة (27)، ثم تسديدة قوية «على الطاير» لمباي نيانغ فوق العارضة بسنتمترات قليلة (38).

وزاد ضغط السنغال في الشوط الثاني، وجرب سايفيه حظه مرة أخرى من ركلة حرة مباشرة بين يدي مبولحي (59).

ومنح نيان ركلة جزاء عندما لمست الكرة يد قديورة داخل المنطقة قبل أن يتراجع عن قراره بعد لجوئه إلى تقنية المساعدة بالفيديو (60).

وتلقى نيانغ كرة خلف الدفاع وتوغل داخل المنطقة وراوغ الحارس مبولحي لكنه سددها بعيدا عن الخشبات الثلاث (66).

وتألق مبولحي بإبعاده تسديدة قوية ليوسف سابالي إلى ركنية (69). وتابعت السنغال ضغطها في الدقائق المتبقية دون نتيجة.

أبرز ما قالوا بعد تتويج الجزائر باللقب -

* المدرب جمال بلماضي نقول: «غالبا إن المباراة النهائية لا تلعب، لكن تُكسب. لست من مؤيدي هذا الرأي. يتم خوضها والتحضير لها، لاسيما في مواجهة فريق موهوب إلى هذه الدرجة. ربما لم تكن أفضل مباراة لنا على صعيد المضمون. لكننا لا نزال أفضل هجوم (في البطولة مع 13 هدفا)، وأفضل دفاع (تشاركا مع السنغال بتلقي هدفين فقط). الفوز النهائي مستحق بالنظر إلى البطولة. أفكاري هي مع لاعبيّ. قاموا بهذا العمل الاستثنائي. نحضر لأمم إفريقيا هذه منذ وقت طويل. العيش يوميا مع ضغط الرغبة في الذهاب حتى النهاية ليس أمرا سهلا. كانوا مذهلين».

وأضاف «أشعر بأنني سعيد جدا، لكل بلادنا، لشعبنا الذي كان ينتظر النجمة الثانية منذ وقت طويل جدا. أول بطولة أمم إفريقيا نفوز بها خارج أرضنا، الأمر مذهل، خاصة بالنظر إلى المكان الذي أتينا منه. تسلمت (في صيف 2018) فريقا في وضع صعب فعلا. التربع على عرش إفريقيا في فترة عشرة أشهر أمر رائع. ربما أنا متعب بعض الشيء، ومن الصعب إظهار مشاعر، سأدركها في وقت لاحق بمجرد أن نرتاح بعض الشيء».

وتابع «قلت أننا سنشارك في أمم إفريقيا من أجل الفوز بها. كنت أرغب في إرسال رسالة قوية إلى اللاعبين، لأقول لهم أنني أنخرط في مشروع قوي. الألقاب هي ما يهمني. في مؤتمري الصحفي الأول سئلت عما إذا كانت هذه البطولة انتقالية. كلا، نحن هنا (أحرزنا اللقب)».

* حارس المرمى رايس مبولحي «الأمر لا يصدق، هذا انتصار لبلد بكامله، نحن سعداء جدا. كنا ندين لهم بذلك (للجزائريين). بفضل جمال بلماضي كوفئنا. كان الوضع معقدا في السابق، إلى أن أتى جمال. جمال هو مثل الأخ الكبير، أريد التفكير بكل من في الجزائر، هذا من أجلهم. الأمر صعب استيعابه حاليا، ما إن نعود إلى البلاد سنستوعب ذلك».

* المدرب آليو سيسيه «هذا المساء، أفكر بلاعبيّ وأهنئهم. يعملون بلا كلل منذ 46 يوما من أجل الفوز بهذا النهائي. كنا نريد أن نفوز بها. أفكر أيضا بالشعب السنغالي الذي وقف خلف المنتخب. 17 عاما (منذ بلوغ السنغال المباراة النهائية للمرة الأخيرة والخسارة أمام الكاميرون) هي فترة طويلة».

وأضاف «وجدنا أنفسنا أمام فرص (سانحة للتسجيل) لكننا افتقدنا للتركيز. المباراة النهائية تلعب على التفاصيل. كنا نستحق أفضل (...) الجزائر أحرزت الكأس لكن كنا نستحق معادلة النتيجة ودفع الجزائر نحو أبعد من ذلك. هم يستحقون الفوز. كان يجب علينا أن نهاجم أمام فريق شرس في الدفاع، لكننا لم نتمكن من العثور على حلول».

بلماضي صنع المعجزة وأنهى الانتظار الجزائري -

(أ ف ب) في أقل من عام، أنسى جمال بلماضي الجزائريين مرارة ثلاثة عقود. المدرب الجاد، الحاد، الصارم، كان وصفة صنعت الفرح لبلاده بتتويج منتخبها بلقب كأس الأمم الإفريقية في كرة القدم للمرة الأولى منذ 1990.

تفوق المدرب الشاب في عرف المديرين الفنيين (43 عاما)، على صديق النشأة في مدينة شامبينيي-سور-مارن في ضواحي باريس، آليو سيسيه مدرب منتخب بلاده السنغال. المباراة النهائية للنسخة الثانية والثلاثين للبطولة التي أقيمت الجمعة على استاد القاهرة الدولي، انتهت جزائرية بنتيجة 1-صفر بهدف مبكر سجله بغداد بونجاح.

ركع بلماضي طويلا على أرض الملعب. أحاط به لاعبوه، ورموا به في الهواء احتفالا أكثر من مرة، على وقع هتافات المشجعين الذين حيوا اسمه أكثر مما نال نجوم المنتخب من صيحات.

أنهى بلماضي الذي تولى مهامه مطلع أغسطس 2018، الانتظار الجزائري الممتد 29 عاما، منذ تتويج محاربي الصحراء بلقبهم الوحيد في أمم إفريقيا بفوز على أرضهم على نيجيريا 1-صفر، علما بأن الجزائر كررت الفوز على نيجيريا في نصف النهائي 2019، وبنتيجة 2-1 تدين بها إلى ركلة حرة نفذها القائد رياض محرز في الثواني الأخيرة من المباراة.

في مؤتمراته الصحفية، غالبا ما ظهر بلماضي شاردا، مفكرا. كان يدرك من البداية حمل المهمة الملقاة على عاتقه. قال ردا على سؤال عما إذا كانت الجزائر ستتوج باللقب «لست سياسيا ولست صانعا للمعجزات (...) أعد الشعب الجزائري بأن نقاتل (في النهائي) كما قاتلنا حتى الآن».

وأوضح «كرة القدم مهمة بالنسبة إلينا. هي الرياضة الأولى، وتعكس العديد من الأمور، تجمعنا جميعا».

في عهده، كان لاعبو المنتخب على قدر حمل الاسم الذي يعرفون به: محاربو الصحراء. عرف بلماضي كيف يضع الجزائر في النهائي للمرة الأولى منذ لقب 1990، وكيف يرسم للاعبيه مسارا ثابتا جعلهم من البداية أبرز المرشحين في نظر العديد من النقاد والمدربين. الأهم هو أن بلماضي طوى صفحة معاناة المنتخب لاسيما منذ ما بعد مونديال 2014، من خلال الخروج من الدور الأول لأمم إفريقيا 2017 والغياب عن مونديال 2018.

قال النجم السابق للكرة الجزائرية لخضر بلومي لقناة «الهداف» بعد بلوغ ربع النهائي «المشكلة (في المنتخب) حلها السيد بلماضي (...) عرف بطريقته الخاصة أن المشكلة هي بين اللاعبين»، مضيفا «حل المشاكل، أبعَد من أبعَده، وضع البعض في مكانهم، أدخل الناس في الصفوف. المشكلة كانت انضباطية بين اللاعبين».

باعث الروح

مفردة واحدة تكررت بين المعلقين لدى الحديث عن جزائر 2019: الروح.

في مقابل نبرته الهادئة وصوته الخفيض، كان بلماضي كتلة من الحركة على خط الملعب: يوجه اللاعبين، يحتفل بالأهداف، يصرخ نحو الحكام بعد قرار يراه غير مناسب أو خطأ قاس على لاعبيه...

على المستطيل الأخضر، منتخب على صورة مدربه: صلابة دفاعية، استحواذ في الوسط، وخط مقدمة فتاك. معه، جرى اللاعبون خلف كل كرة، استبسلوا في استعادتها إذا ضاعت، أو انتزاعها متى سنحت الفرصة.

هذه العزيمة اختصرها النجم المصري السابق محمد أبو تريكة الذي يعمل كمحلل لقنوات «بي ان سبورتس» القطرية، بالقول بعد فوز الجزائر على السنغال في الدور الأول، إن «الفريق يلعب بروح، لا لاعب يقصّر، الجميع ملتزم»، مضيفا «المدرب الذكي العبقري نعمة، وبلماضي (هو) نعمة».

لم تأت الإشادات حصرا من المعلقين، بل رفع مدربون القبعة لبلماضي، لاسيما سيسيه ومدرب نيجيريا الألماني غرنوت رور.

في مقابل كل الإشادات، أكانت للمنتخب أم له، بقي بلماضي متواضعا. منذ البداية، قلل من شأن اعتبار الجزائر مرشحة، مذكّرا دائما بالمرحلة السابقة الصعبة. في أحاديثه، بقيت حسرة الغياب عن المونديال الأخير حاضرة، وعلى المستوى الشخصي، لطالما تفادى اختراق مساحته الخاصة.