Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :«البـيـض» فـي سـلال متـنـاثـرة

19 يوليو 2019
19 يوليو 2019

بقلم:أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تمر علينا بعض الأمثال العمانية ولا نعيرها الاهتمام الكثير، على الرغم من أنها تحمل دلالات ومعاني على درجة كبيرة من الأهمية، فهي لا تخرج عن أحداث الواقع، وسلوكيات الناس فيها، فهذه الأمثال لم تأت؛ هكذا؛ عارضة، بل تعكس حكمة قائليها، وخبرتهم في الحياة، ولأن أحداث الحياة لا تنتهي، وإنما تتكرر بصور مختلفة، ومع ذلك تبقى على نفس مفاهيمها، ولذلك تتشابه معالجتها عند الناس، فالسرقة هي السرقة، وإن اختلفت الأدوات، وكذلك فالقتل هو القتل، والكذب هو الكذب، والخيانة هي الخيانة، والنفاق هو النفاق، والعقوق هي العقوق، وقس على ذلك أمثلة كثيرة، تؤرخ سلوكيات أصحابها بكثير من التشابه، ولكنها في النهاية تعود إلى صور حلولها التي كانت عليها قبل أزمنة عديدة، ربما لأن الفاعل بقي هو هو، وهو الإنسان في مناخات حياته اليومية.

وبمناسبة الحديث عن الأمثال يستوقفني نص مثل يقال إن هذا مثل انجليزي، ونصه: «لا تضع البيض في سلة واحدة» وهناك أمثلة عمانية تتوافق معه في المعنى، ومن هذه الأمثال: «ما بقى لا حاثرة ولا داثرة» وكذلك يقال: «جاب الحاروث والماروث» ومن الأمثلة العربية المعروفة على نفس السياق المثل الذي يقول: «لا تشرب السم اتكالا على ما عندك من الترياق».

وهذه الأمثلة في مجملها تحمل معنى واحدا، وهو عدم المجازفة في الاتكال على مصدر واحد، سواء كان هذا المصدر: مصدر رزق، مصدر للمعلومة، مصدر لعلاقات اجتماعية، مصدر لفضاء أمني معين، ففي أي مصدر من مصادر الحياة، اعتمدناه وحيدا ولا شيء غيره، ففي حالة فقدانه لأي سبب كان، أوقعنا أنفسنا في مصيبة كبيرة لا مخرج منها، حيث لن تكون لنا فرصة «خط رجعة» يمكن من خلالها أن تكون لنا المنقذ مما نحن فيه في تلك المواقف، وما أكثرها.

وعند مقاربة الأمثلة السابقة بواقع الحياة، فلو جمعنا البيض؛ حسب المثل الإنجليزي، في سلة واحدة وسقطت السلة، لتكسر كل البيض، ولو شربنا السم؛ حسب المثل العربي؛ ولم نحصل على الترياق الكافي لإنقاذنا لهلكنا في الحال، ولو لم ندخر شيئا مما يمكننا ادخاره؛ حسب المثل العماني الأول، لأضعنا كل الرصيد، ولو تحدثنا بكل التفاصيل عن حياتنا؛ حسب المثل العماني الثاني؛ لوجد من يتقصدنا الفرصة السانحة للي أذرعنا في ساعة العسرة، ولن نجد الفكاك مما أوقعنا أنفسنا فيه.

لذلك يأتي مفهوم «خط رجعة» أمرا ضروريا للبقاء على مساحة واسعة نتحرك فيها دون أن نقع في مأزق خطير يودي بحياتنا، ولا يترك لنا متسعا من الخيارات المختلفة للبقاء على حياتنا كما كنا، أو على الأقل فترة نقاهة نستعيد بعدها حالنا الذي نريد، وهذه إشكالية أناس كثيرين، حيث يضعون بيضهم في سلة واحدة، ويشربون السم دون معرفة مستوى الترياق الذي عندهم، ويأتون بـ «الحاروث والماروث» في جلساتهم مع من يعرفون، ومع من لا يعرفون، وبالتالي يعرضون أنفسهم للمخاطر الجسيمة، في كل هذه المواقف، وهذا أمر معاب عليه كل إنسان، والقاعدة القانونية «القانون لا يحمي المغفلين» لم تأت من فراغ، وهي تحمل دلالة عميقة المعنى، شديدة الأهمية.

ومن الأمثلة الواقعية التي يعرفها الجميع، مثل أولئك الذين يضعون كل مدخراتهم المالية التي يتحصلون عليها بعد خروجهم إلى مرحلة التقاعد – على سبيل المثال -حيث يضعونها في مشروع تجاري معين، وقد يحصل ما لا يحمد عقباه فيخسرون المشروع برمته، ربما لقلة الخبرة، ولعدم دراسة المشروع دراسة موضوعية، فيخسرون كل هذه «التحويشة» ويخرجون بـ «خفي حنين» حيث يندبون حظهم العاثر الذي أوقعهم في خانة الخسارة الكبرى؛ حيث ضياع العمر والمال، والخبرة في الحياة.