هل تستطيع أوبك وحلفاؤها التماسك في سوق النفط ؟
نك بتلر- الفاينانشال تايمز -
ترجمة: قاسم مكي -
لقد انتقل السوق خلال الأعوام الخمسة الماضية من كونه خاضعا لقيادة المنتجين إلى وضع لا يزال ينطوي على مخاطر تواجهها الأسعار حتى بعد هبوطها من 110 دولارات للبرميل في الأشهر الأولى من عام 2014 إلى ما يزيد قليلا عن 60 دولارا اليوم، ويمكن أن تنشأ تلك المخاطر عن ضعف الطلب أو (نتيجة لتغيير سياسي) استعادة بعض الإنتاج في فنزويلا أو إيران.
اتفاق أوبك ومجموعة البلدان غير الأعضاء في هذه المنظمة بقيادة روسيا على الإبقاء على الحصص التي تم إرساؤها في ديسمبر الماضي لفترة تتراوح بين ستة وتسعة أشهر أخرى يؤكد التحول في النفوذ داخل السوق النفطية بعيدا عن المنتجين.
لقد صمم هذا الاتفاق الدفاعي الذي أبرم في فيينا لتثبيت الأسعار في الأجل القصير عند مستوياتها الحالية.
وستواصل أوبك وحلفاؤها الجدد بمن فيهم روسيا وكازاخستان والمكسيك سحب حوالى 1.2 مليون برميل في اليوم من الإمدادات النفطية التي يمكن ضخها في السوق.
لكن رد الفعل الفوري للسوق النفطية على الاتفاق واستمرار انخفاض الأسعار في الأيام التالية له يوضحان أن انتقال الدخل والثروة بعيدا عن المنتجين لا يمكن أن يوقفه حتى اتفاق بوساطة أوبك وحلفائها تحت قيادة روسيا والسعودية.
لم يشكل الاتفاق الرسمي الذي عقد هذا الشهر مفاجأة، كما لم يكن من المفاجئ أن توافق أوبك (هذا النادي الحصري والشديد الاعتزاز بنفسه في الماضي) على إيجاد تحالف دائم مع البلدان الأخرى المنتجة للنفط.
كانت الحاجة إلى تشبيك الأيدي والعمل معا واضحة لكل أحد على الرغم من أن البعض ومنهم الإيرانيون غير سعداء من هيمنة روسيا والسعودية في عملية صنع القرار.
إن تأثير الولايات المتحدة على سوق النفط، وهي أحد اللاعبين الرئيسيين غير الممثلين في اجتماع فينا الأخير، يجبر المصدرين على التكيف؛ فإنتاج النفط الصخري الأمريكي الذي ارتفع من لا شيء تقريبا قبل 10 أعوام إلى 8.5 مليون برميل في اليوم في شهر مايو (مع توقع إنتاج المزيد منه خلال الأعوام الخمسة القادمة)- أعاد تشكيل السوق العالمية للنفط بكاملها، وبسبب هذا الارتفاع في حجم الإنتاج لم يؤبه بخسارة الإنتاج في فنزويلا وليبيا وإيران.
إلى ذلك غطت الولايات المتحدة معظم الزيادة التدريجية في الطلب العالمي التي شهدتها الأعوام القليلة الماضية، وسيعتمد ما يحدث في المرحلة التالية في السوق، التي فقدت أوبك السيطرة عليها، على جانب الطلب من المعادلة (معادلة العرض والطلب التي تقرر مستوى الأسعار- المترجم).
يظل احتمال اندلاع نزاع تجاري خطير بين الولايات المتحدة وبكين واردا، وثمة مؤشرات مهمة على حدوث تباطؤ في اقتصاد الصين وبالتالي في احتياجاتها من الواردات النفطية، وبما أن هذه الواردات تتراوح عند حوالى 9.5 مليون برميل في اليوم؛ فإن أي تغير في حجم احتياجات الصين سيؤدي إلى تذبذب الأسعار في سوق النفط «الفعلي» وإلى المضاربة المحيطة بها.
يتوقع أحدث تقرير لوكالة الطاقة الدولية عن مستقبل سوق النفط زيادة في الطلب العالمي بحوالي 1.2 مليون برميل في اليوم هذا العام، لكن قد يراجع هذا الرقم لاحقا ويقلص كما حدث في الشهر الماضي.
وإذا ظل الطلب ضعيفا وانخفضت الأسعار مع محاولة إيران التغلب على العقوبات الأمريكية بعرضها أسعارا أقل للمشترين لن تكون حصص أوبك وحلفائها كافية؛ فالسعودية التي سبق لها خفض إنتاجها بحوالي 600 ألف برميل في اليوم عن القيد المتفق حوله سيلزمها فعل المزيد، ومن الصعب أن نحدد من الذي لديه الرغبة أو القدرة من المنتجين الآخرين (إذا وجدوا) على خفض المزيد من إنتاجه بقدر مؤثر.
إن اللاعب المثير في النموذج الجديد للعلاقات النفطية هو روسيا التي يبدو أنها قبلت أخيرا بحقيقة كونها اقتصادا نفطيا تقترن مصالحه بمصالح دول نفطية أخرى مثل نيجيريا والكويت.
هذا التحول يدلل على براجماتية الرئيس فلاديمير بوتين وإدراكه لديناميكية السوق، ولكنه أيضا يظهر الضعف الاقتصادي الكبير لروسيا؛ فالنفط والغاز يشكلان 60% من حصيلة صادراتها وحوالى 50% من إيرادات الدولة، وتنويع الاقتصاد الذي وعد به بوتين عندما تولى السلطة قبل 20 عاما لم يحدث أبدا.
يتمثل ضعف روسيا في حقيقة أن الإمدادات الفائضة لكل من النفط والغاز ولأسباب خارجة عن سيطرتها تقوض الأسعار؛ وبذلك تقلل من التدفقات الإيرادية عبر الشركات الحكومية.
هذا التحالف الجديد بين موسكو والرياض يجدد الصلة التي تأسست عام 1926 عندما كان الاتحاد السوفيتي أول دولة أجنبية تعترف بعبدالعزيز آل سعود جد الملك الحالي حاكما للحجاز ونجد.
أما اليوم، فالعلاقة ناشئة عن ضرورة، وستتعرض لاختبار قاسٍ إذا شهدت أسعار النفط المزيد من الانخفاض؛ فالأسعار المنخفضة تعني تدهور الإيرادات الذي يشكل حافزا لكل منتج في التكتل الجديد بما في ذلك روسيا لتجاوز حصته المقررة وإنتاج المزيد من النفط.
إن اتفاق هذا الشهر هش، ولا يمكنه إخفاء التحول الجوهري للدخل والثروة بعيدا عن مصدري النفط، لقد انتهت أيام مجد وعظمة أوبك، وهبط طلب العالم على نفطها إلى مستويات لم نشهدها منذ أوائل الثمانينات.
لقد انتقل السوق خلال الأعوام الخمسة الماضية من كونه خاضعا لقيادة المنتجين إلى وضع لا يزال ينطوي على مخاطر تواجهها الأسعار حتى بعد هبوطها من 110 دولارات للبرميل في الأشهر الأولى من عام 2014 إلى ما يزيد قليلا عن 60 دولارا اليوم، ويمكن أن تنشأ تلك المخاطر عن ضعف الطلب أو (نتيجة لتغيير سياسي) استعادة بعض الإنتاج في فنزويلا أو إيران.
وإذا لم يؤد نشوب حرب أو ثورة في الشرق الأوسط إلى سحب إمدادات كبيرة من النفط لفترة مستدامة ستحتاج أوبك وحلفاؤها -على الأقل- إلى الحفاظ على حصصهم لفترة مديدة بعد شهر مارس.
وكما اتضح من رد فعل السوق على إعلان اتفاق هذا الشهر، ثمة شك عميق في قدرة المنتجين على التماسك والاصطفاف معا لخوض معركة دفاعية طويلة.
----
■ الكاتب رئيس معهد السياسات بجامعة كينجز كوليدج لندن