Randa-New
Randa-New
أعمدة

عطر : الأذكياء في دائرة الخطر

17 يوليو 2019
17 يوليو 2019

رنـــــدة صـــادق -

[email protected] -

الذكاء نعمة أم نقمة ؟ سؤال يظن البعض أن إجابته بديهية ،ويؤكدون إنه نعمة وأنه مَلَكَة، وشيء مميز يتمتع به هؤلاء الأذكياء، ولكن هناك دراسة أكدت أن الأذكياء هم الأكثر عرضة للقلق النفسي من غيرهم الأقل ذكاء،هذه الدراسة قريبة جدا من مجموعة الانطباعات التي كونتها خلال رحلة عمرحيث لاحظت أن الذكاء ليس شرطا أساسيا للنجاح ولا يؤمن لصاحبه حياة نفسية واجتماعية سليمة، وأن هناك عوامل أخرى تساهم في نجاح الأشخاص قد تبدو غير مفهومة لنا وندرجها تحت عامل الحظ .

من جهة أخرى، وهذه مهمة هذا المقال،إلقاء الضوء على علاقة الذكاء بالإضرابات النفسية والمزاجية وصولا إلى المرض العقلي .

شغل هذا الموضوع المعنيين وقاموا باختبارات توضح نقاط الاختلاف بين الإنسان العادي والإنسان الذي يتمتع بذكاء مرتفع،نتيجة هذه الاختبارات جاءت كالتالي:«أهم نقاط الاختلاف هي تلك المتعلقة بالاضطرابات المزاجية واضطرابات القلق، حيث أكدت الدراسة أن الأذكياء لا بد وأن يعانوا من اضطراباتٌ مزاجية، وفئة منهم تصل إلى عشرين بالمائة تعاني من أحد اضطرابات القلق، وهي نِسَبٌ تفوق المعدلات في الحالات الأخرى وتشكل خطرا على هؤلاء الأذكياء».كذلك تقول الدراسة :« أن الأذكياء يحدث لهم هذا بسبب النشاط الذهني المفرط لذا هم شديدو الحساسية والتفاعل مع البيئة المحيطة بهم، وتستنتج بأنه رغم كل ما للذكاء من جوانب إيجابية، فإن كون المرء فائق الذكاء يرتبط بحالات «فرط القابلية للاستثارة» النفسية والفسيولوجية، أو ما يُعرَف اختصارًا باسم OEs، وهو مفهوم استحدثه الطبيب النفسي وعالِم النفس البولندي (كازِيمِرْز دبرُوفسكي) في ستينيات القرن الماضي، حيث أثبت أن الأذكياء لديهم ردة فعل عنيفة بشكل غير طبيعي لأي تهديد أو إهانة من الوسط المحيط بهم ،يمكن أن تشمل هذه المثيراتُ أيَّ شيء، ابتداءً من صوت مُجَفِّلٍ إلى مواجهة مع شخص آخر،حيث يستفيض هؤلاء في تحليل أي تعليق سلبي قد يتعرضون له ويمعنون في تحليله وتوقع نتائجه ويستدلون على دوافعه، بعملية منطقية معقدة ولا تخطر على بال الأشخاص الأقل ذكاء منهم ،مما يجعلهم أكثر استثارة من الأحداث العادية ويصيبهم بقلق شديد من محيطهم».

معرفة هذا تعيد الى ذهني شخصية لا تُنتسى من طفولتي هي شخصية (محسن المجنون ) حيث كان الكبار في حيّنا يعيدون أسباب جنونه لشدة ذكائه، ونحن نرى تلك الشخصية كثيرا في الدراما العربية، حيث يطلقون عليها اسم (الدرويش) المكشوف عنه الحجاب أي شخص يتمتع بقدرات خارقة تجعل منه حكيم المشهد وفيلسوف الحدث .

يقول (إدغار آلان بو) وهو كاتب وناقد أمريكي عاش حياة صعبة : ” لقد وصفني الناس بكلمة مجنون ، ولكن المسألة غير مبتوت فيها بعد ، فيما إذا كان الجنون أسمى درجات الذكاء أم لا» نحن جميعا نعلم أن هناك شعرة دقيقة جداً تفصل بين العبقرية (الذكاء الشديد) والجنون، لذك من البديهي أن الإنسان الذي بلغ مرحلة العبقرية أن تتسع الهوة بينه وبين واقعه ويبدأ في رؤية أشمل لمحيطه فيخرج عن حدوده الضيقة ليبلغ مرحلة الانكشاف، فيرفضه مجتمعه ويرفض هو جهل محيطه، صراع قوي قد يدمر قدرته على الصمود في وجه مجتمع ينظر إليه كمخلوق غريب .

نعم الأذكياء هم في الأغلب الأكثر تعاسة، وقد يصابون بالاكتئاب،وتكمن بداخلهم حالة من الغضب والرفض، فهم لهم مقاييس مختلفة غير اعتيادية ولا يمكن لتلك الفئة الأقل ذكاء أن تستوعبها، لذا يرون أن الغباء يحاصرهم ويقاتلهم ليدمرهم ،وقد ينتصر عليهم، فتخور مقاومتهم،ليصبحوا كائنات غريبة في مجتمعاتهم،ويقررون الخروج إلى عالم الجنون.